الغرب والقرآن 7 : مماحكات هاوتينغ القرآنية

 

التفكير في النص القرآني، وشرحه وتفسيره وحصر معناه، ليس انشغالا عربيا؛ فقد دأب المستشرقون، ومعهم الدارسون القرآنيون، على محاولة تفكيك الخطاب القرآني وارتياد علومه ومباحثه ولغاته، وتحديد نوازله ومفاتيح فهمه، وذلك في مواجهة التيارات الدينية التي تحاول فرض أساليبها بمنطق استغلاقي واحتكاري وإيماني، لا يستقيم الآن مع تعدد المناهج وطرق البحث العلمية التي تنبني على التشخيص والتحليل والتدقيق والتمحيص واستدعاء القرائن العلمية المادية والتاريخية.
يستمر الباحث حمود حمود في انتقاده للنهج الذي استعمله هاوتينغ لنقد القرآن، في علاقته بالسياق التاريخي الذي أنتجه، منطلقا من تساؤل اعتبره بسيطا ومعقدا في الآن نفسه:
“ما هو المعيار الذي بإمكاننا من خلاله أن نحدد المفردات في القرآن التي سنفهمها بنحو سيمانتيكي خالص (وبالعكس، أي المفردات التي لا يمكن أن نفهمها بنحو سيمانتيكي، وخاصة الأسماء مثل التي وردت في القرآن: مكة، اللات، العزى، محمد، الكعبة، البيت الحرام… )؟”.
يقول: “في كلتا الحالتين لا بد أن نخضع للنقد التاريخي لنحل مثل هذه المسائل. إننا ربما نلمس منه إدانة ضمنية لترجمة الوثنية في القرآن بمعنى Idolatry التي سترادف في بعض أوجهها Polytheism إذا قصد منها إشراك أوثان مع إله اسمه لله أو Paganism. لماذا أقول هذا الكلام؟ لأن هاوتينغ بالأصل يعتبر هذه المصطلحات مجازية، جدالية لا تدل على واقع بعينه… إلخ”.
ويضيف: “هاوتينغ عنده ميزة فقط بالتشكيك على طول الكتاب بل حتى في أغلب بحوثه ومقالاته التي قدمها لموسوعة القرآن التي أصدرتها “بريل” (2001-6)، دون تقديم أي بديل. وهو يعترف بذلك صراحة بأنه ليس معنياً بالآلهة التي كانت محل عبادة، أو أن يتوصل إلى نتائج بخصوصها بقدر عنايته بعلائم الدليل [أي بالتشكيك به]. يذكرنا هذا بما أورده “فرد دونر” نقلاً عن “تور أندريه” الذي حاول استقصاء التأثير المسيحي على محمد: لماذا لم يصبح محمد مسيحياً إذا كان فعلاً متأثراً بنحو شديد بالتعاليم المسيحية؟ تور أندريه يطرح فقط التساؤل، إلا أنه لا يجيب! أما هاوتينغ فإنه يطرح التشكيك (رغم خلو التشكيك في كثير من الحالات من أية منهجية نقدية) لكن بدون أن يقدم أية إجابة أو منهج نقدي جدي في مدارسة القرآن. وبكلمة: لقد علق القرآن بين قوسين بدون نقد أو درس!
إذن المشاكل الرئيسية في الكتاب هي مشاكل مفاهيمية ومنهجية بالدرجة الأولى: ليس هناك معنى محدد لآلهة العرب (ومن ضمنها لله) ولا تحديد للوثنية والشركية والتوحيد، ولا من هم الذين توجه إليهم القرآن ولا البيئة التي نشأ فيها…الخ. وفوق كل ذلك، ليس هناك معنى محدد للقرآن نفسه. في الواقع إنه معلق بين قوسين”.
يستخلص الباحث أن هاوتينغ يريد يؤكد، من خلال كتابه حول القرآن، أن “الإسلام كنظام ديني ما هو إلا نتيجة مماحكات جدالية بين أصحاب الدين الواحد أو مع غيرهم من أديان أخرى”. كما يريد أن يؤكد أن “الوثنيين الذين قدمهم لنا التراثيون، ليسوا عبدة أوثان في الواقع، إنهم بالأحرى موحدون، وما كان اتهامهم بالشرك وبعض الألفاظ الشنيعة التي نجدها في القرآن ضدهم إلا لكونهم لم يسيروا في طريق التوحيد الصحيح”.
بل إن هاوتينغ الذي يتحيز إلى هذا الجو الجدالي يعتبر أن هذا هو ما سيخلق عقائد وفرقاً، الأمر الذي يمكن أن نقرأه أيضاً في نشوء اليهودية والمسيحية، وفي التاريخ اللاحق نشوء فرق مثل البروتستانتية وKaraism اليهودية. أو حتى يمكن أن نجد مثل عوالم هذا الجدال كما هو الأمر في اتهامات المسلمين للمسيحيين بكونهم مشركين، بسبب عقيدة الصليب عندهم، أو بكونهم وثنيين بسبب استخدامهم للأيقونات والصور…الخ، الأمر نفسه نجده أيضاً بين البروتستانت والكاثوليك سابقاً، أو بين المسيحيين واليهود (اتهام المسيحيين السابق لليهود بأنهم وثنيين لورود نصوص في اتهام الأنبياء لشعب إسرائيل بالوثنية [قصة العجل الذهبي])، أو حتى ما نقرأه في اتهام ملكة بريطانية في القرن السادس عشر في رسالة وجهتها إلى السلطان العثماني مراد الثالث (1546- 95) باتهام فيليب الثاني في إسبانيا بأنه رئيس الوثنيين As The Chief Idolater… إلى آخر هذه الأمثلة. هذا كله يدل كما يعبر هاوتينغ على نمط الثقافة من الجدالات سواء بين الثقافات أو بين الأديان. إن استخدام كل هذه الثقافات والفرق والأديان للمصطلحات نفسها يدل بشكل أو بآخر على أن السياق الديني كان سياقاً جدالياً، وبالتالي ليس بالضرورة أن تعبر تلك المصطلحات على واقع تاريخي بقدر ما تعبر كثافة الجدل نفسه. وهكذا لا بد أن نفهم لغة القرآن بهذا النحو. فسياقه أيضاً سياق جدالي في استخدامه مصطلحات مثل شرك ووثنية…”


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 02/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *