حكاية رحلة رياضية امتدت لأزيد من خمسين سنة 10 – العودة إلى الميادين..العودة إلى الحياة

 

تعتبر نعيمة رودان أول إمرأة مغربية تحرز ميدالية ذهبية لصالح المسايفة المغربية، حدث ذلك في نهاية الستينيات خلال بطولة الألعاب الرياضية للمغرب العربي التي جرت بتونس.ويسجل التاريخ أنها ظلت منذ سنوات صباها وعلى امتداد خمسين سنة مرتبطة برياضة المسايفة كمبارزة،مدربة ومسيرة. ويحسب لها أيضا أنها حملت قضية المرأة الرياضية المغربية على عاتقها مدافعة عن حقها في ممارسة رياضية سليمة وعادلة حيث انضمت للجنة المرأة والرياضة التي كانت تابعة للجنة الوطنية الأولمبية وساهمت إلى جانب زميلاتها من الأسماء الرياضية الكبيرة في منح الرياضة النسوية الاهتمام الذي يليق بها.
لخمسين سنة،لم تنفصل عن عوالم الرياضة، بل وسهرت على أن ترضع أبناءها الثلاثة عشق الرياضة إلى أن أضحوا بدورهم نجوما وأبطالا في رياضة المسايفة محرزين عدة ألقاب في إسبانيا وفي كل التظاهرات بأوربا والعالم.

 

في بداية 1976 ، انتقلت إلى واحدة من أكبر الشركات بالمغرب الخاصة بالأدوات الطبية. اختارتني الشركة في مجموعة تضمنا نحن ثلاثة مغاربة والباقي أجانب، للاستفادة من التكوين. لم أعد بالتالي أتوفر على الوقت الكافي للتدريب، فبدأت أتغيب كثيرا لأنني كنت أرغب في الحصول على تكوين ممتاز يضمن لي مستقبل جيد ومكانة تليق بتضحيات والدي لي. عملت كل جهدي للوصول إلى أهدافي التي رسمتها.
ولَم أخيب أمل والدي، كان رحمه الله جد سعيد بمساري المهني والرياضي، وكنت أسمعه وهو يردد عبارات فخره واعتزازه بما وصلت إليه في كل جلسة عائلية. بعد أشهر قلائل من التحاقي بتلك الشركة، تمكنت من الارتقاء في سلك الوظيفة، ونجحت في الحصول على مرتبة عالية بعد أن تم تعييني مسؤولة مكلفة بالمناقصات العمومية في تجهيز المستشفيات المدنية والعسكرية وكذلك العيادات الخاصة.
في ظل تلك الأجواء السعيدة التي كنت أعيشها في عملي، و مع كل تلك المتغيرات الإيجابية جاء قدر الله بوفاة أخي الأصغر”حاتم” وكان آخر العنقود في إخوتي. وقد خلفت وفاتهحظنا شديدا على أجواء أسرتي، خصوصا أنه توفي على إثر حريق اندلع في حمام النساء عندما اصطحبته والدتي معها للاستحمام. غير ذلك الحدث المؤلم مجرى حياة أسرتي وبالخصوص والدي، دام حزنه سنة كاملة، لم يعد يهتم بأي شيء في الحياة وأصبح يحب العزلة وظل دئما حزينا وشاحبا إلى أن تدخل أصدقاء عمله بالمطار الذين عملوا مافي وسعهم لإخراجه وجميع الأسرة من تلك الحالة.
عشت أياما صعبة في تلك الفترة وانخرطت في جو من الحزن والكآبة إلى أن وجدت نفسي أتخلى مرة أخرى عن التداريب لأنغمس بكل جوارحي في العمل الذي كنت أجد فيه كل التعويض بل تحول بالنسبة لي إلى متعة ساعدتني على الإقبال من جديد على الحياة.
طال غيابي عن رياضة المسايفة، لكن حدث أن اتصل بي الأستاذ عبد الرؤوف الفاسي، رحمه الله، وطلب مني الانخراط في النادي الذي أسسه في حي المطارات مقترحا انضمامي للمكتب الإداري للنادي.في نفس الوقت، انضمت معنا في المكتب كذلك أختي “سعاد” ، وبحكم أن مقر النادي لم يكن يبعد عن بيتنا كثيرا،عدت لخوض التداريب من خلال ثلاثة حصص في الأسبوع من الساعة السابعة مساء إلى التاسعة لأنني كنت اشتغل وفِي كل مساء كان والدي يأتي ليأخذنا لمرافقتنا إلى المنزل.
واظبت على التداريب وعلى خوضها بجدية لأنني كنت متعطشة للمباريات والمنافسات التي فاتتني.وعدت والدي بالحصول على نتائج طيبة واجتهدت كثيرا في ذلك حتى أنسيه في الحزن الذي لم يفارقه لزمن طويل .
بعد فترة،استدعيت من طرف الجامعة لتمثيل المغرب في البطولة العربية والتي كان يحتضنها المغرب بمشاركة كل من (مصر ، العراق، تونس، الجزائر ولبنان،). خضت تحضيراتي لمدة أسبوعين، لكن عزيمتي على التتويج كانت أكبر، كانت المباريات مقامة بقاعة المسرح بشارع الجيش الملكي وسط الدارالبيضاء،وكان هناك حضور قوي للجماهير المغربية ، لكن الله سبحانه وتعالى أعانني على تحقيق الميدالية الفضية بالرغم من الانقطاع الطويل عن الممارسة، وكانت تلك الميدالية دفعة معنوية إيجابية منحتني نفسا آخر لي للرجوع إلى منصات التتويج من جديد .
عودتي القوية للميادين انعكست طبعا بشكل إيجابي على نفسية والدي، وكان واضحا أنه رحمه الله كان سعيدا برجوعي وانتصاري وإحرازي للميدالية ما منحه نفسا جديدا بدوره للإقبال من جديد على الحياة.
وللحقيقة والتاريخ، لن أنسى دعم المدير العام للشركة التي كنت أشتغل فيها وكان فرنسي الأصل حيث كان يأمر بمنحي أفضل الشروط لأتمكن من التدريب كما سمح لي بالتغيب عن العمل كلما تطلب الأمر ذلك.
استمر الحال على ذلك المنوال واستعدت مؤهلاتي ولياقتي البدنية وتنافسيتي ما مكنني من إحراز كأس العرش مع النادي الجديد وكذلك بطولة المغرب وكان ذلك في سنة 1978 .


الكاتب : عزيز بلبودالي

  

بتاريخ : 06/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *