الغرب والقرآن 11 – الشكل الخطابي للقرآن

 

التفكير في النص القرآني، وشرحه وتفسيره وحصر معناه، ليس انشغالا عربيا؛ فقد دأب المستشرقون، ومعهم الدارسون القرآنيون، على محاولة تفكيك الخطاب القرآني وارتياد علومه ومباحثه ولغاته، وتحديد نوازله ومفاتيح فهمه، وذلك في مواجهة التيارات الدينية التي تحاول فرض أساليبها بمنطق استغلاقي واحتكاري وإيماني، لا يستقيم الآن مع تعدد المناهج وطرق البحث العلمية التي تنبني على التشخيص والتحليل والتدقيق والتمحيص واستدعاء القرائن العلمية المادية والتاريخية.

 

يعتبر الباحث الباحث رشيد بوطيب، في نقده لآفاق القراءة وحدودها عند آنجيليكا نويفيرت، أن “ربط النص بأصل مفارق، وفصله عن وضعيته التواصلية ليتحول من نص شفوي ومتعدد الأصوات، وثيقةٌ لسيرورة تواصل إلى نص مونولوغي ومفارق”. ويذهب إلى أن التفسيرات اللاحقة على التدوين ليست فقط ما تسبب في ذلك، بل أيضاً كتب السيرة النبوية الغربية التي تنظر إلى الرسول محمد باعتباره مصدرا وحيدا للدين الجديد والجماعة الجديدة. “إنها تقرأه كانسان تاريخي ولكنها في الآن نفسه تنظر إليه كبداية لتاريخ الجماعة، كما لو أنه لم يكن هناك تفاعل مستمر بين المبلغ والجماعة وتواصل خلاق مع التقاليد الثقافية السابقة”، كما يقول الباحث.
ويرى بوطيب أن نويفيرت اهتمت، في قراءتها النقدية لمبحث القرآن في الخطاب الغربي، بالرأي الذي يقول إن “القرآن في أصله نص مسيحي، أو تحريف للمسيحية، أو لاتجاه مسيحي معين كان منتشراً في المنطقة العربية”.
وفي هذا السياق تنتقد نويفيرت أطروحة غونثر ليلينغ التي تقول إن النص القرآني الذي نتوفر عليه ليس هو النص الأصلي. فبالنسبة إليه (غونثر ليلينغ) فإن القرآن الذي نتوفر عليه اليوم هو مجرد تعريب لنصوص مسيحية. إنه يتحدث عن قرآن أصلي، أو عن مسيحية تتعارض ومبدأ التثليث، قامت ضد الثيولوجيا الهلنستية واضطرت للاختفاء خوفاً من الملاحقة في شبه الجزيرة العربية.
ويلاحظ رشيد بوطيب أن “ليلينغ يغفل هنا أن القرآن دخل في حوار مع ثقافة العصور القديمة المتأخرة وعبر ذلك مع المسيحية، وهو لم يدرك أهمية هذا الحوار بالنسبة إلى القرآن ولم يفهمه إلا كنوع من التحريف على رغم أن القرآن لا يكتفي بنقل ما كان، بل يعمد في غالب الأحيان إلى تصحيحه والحكم عليه”، بحسب ما تراه نويفيرت.
وفي السياق نفسه تنتقد نويفيرت أطروحة كريستوف لوكسنبرغ في كتابه “القراءة الآرامية للقرآن”. ذلك أن لوكسنبرغ ينطلق من الايتيمولوجيا أو تاريخ اللغة ليقول لنا إن القرآن ليس أكثر من مجرد ترجمة. وهو ما تدحضه نويفيرت التي تعتبر أن تلك القراءات كلها مجرد محاولات تغفل أن القرآن نص جدلي، ونتيجة لأكثر من عشرين عاماً من سيرورة تواصل. لكن من جهة أخرى تنتقد نويفيرت أيضاً نزع الطابع التاريخي عن القرآن، وبلغة أخرى القراءة التقليدية التي تنظر إليه كنص مفارق، يتعارض مع كل تحليل علمي. إنها ترى أن هذه الأطروحة لا تتأسس على القرآن وهي تعيدها إلى الدوغما الدينية التي تقول إن القرآن نص غير مخلوق والتي انتشرت في القرنين التاسع والعاشر.
وتعتبر نويفيرت أن ذلك مجرد “رؤية مغلقة ومجثتة تسجن القرآن برأيها في تأويل لفظي ولا تاريخي. إنها رؤية تتناقض في تأكيدها على ترنسندنتالية النص القرآني مع النص نفسه الذي ما برح يؤكد الأصل الواحد للأديان التوحيدية الثلاثة ويدعو اليهود والنصارى، كأهل كتاب، إلى الاعتراف بالجينالوجيا المشتركة للأديان التي جاء القرآن مؤكدا لها. إنها ترى في “فعل التدوين نوعاً من نسيان بعد اللقاء والتواصل، فالتدوين في تأكيده لترنسندنتالية القرآن يحوله من نص حواري – تاريخي، من نص متعدد الأصوات إلى مونولوغ إلهي”، بحسب الباحث.
ويشير الباحث إلى أن “عزيز العظمة محق هنا حين يعتبر أن التدوين لا يؤكد فقط أزلية القرآن ولكنه يؤكد أيضاً أن النص مبني بشكل لا تاريخي”.
إن نويفيرت تدافع- ضد التصور الذي يرى في القرآن كتاباً، أي ضد فعل التدوين- عن فكرة أنه ليس الكتاب ولكنها القراءة، قراءة القرآن واستظهاره هي التي تمثل التمظهر الإنساني للقول الإلهي وهي تشير هنا إلى كتاب الأنثروبولوجية نيلسون “فن القراءة” التي تفهم القرآن كنص شفوي. فبالنسبة إليها فإن بنية النص القرآني تمنحنا الدليل على شفهويته. “فالقرآن في رأيها لا يتكون فقط من جمل شعرية، في البداية من جمل شعرية إيقاعية قصيرة وفي وقت لاحق من وحدات خطابية طويلة ومعقدة نحوياً والتي بالنظر إلى نهاياتها المقفاة يمكن النظر إليها كجمل شعرية. إن القرآن مبني بشكل خطابي بحيث أن وحدات المعنى تنسجم مع وحدات النفس. بل وحتى في ما يتعلق بالسور القرآنية المتأخرة، والتي يجرى الحديث عنها دائماً كفن نثري وليس شعرياً، يظل القرآن وإلى حد كبير نصاً خطابياً”.


الكاتب : سعيد منتسب

  

بتاريخ : 07/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *