أفلام غيرت العالم 13 – JFK

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

يعرف المخرج الامريكي “أوليفر ستون” بأفلامه المثيرة للجدل، فخلال مسيرته السينمائية، سواء كسيناريست أو كمخرج، وقع على افلام خلفت صدى ونقاش كبيرين، وتميز بانتقاده الشديد للسياسة الأمريكية، الداخلية والخارجية، كما سلط الضوء على جراح المجتمع الأمريكي والهزات التي أصابته، ومن الأفلام التي ذهبت في هذا الاتجاه، فيلم JFK، الذي اخرجه سنة 1991.
فيلم JFK، والعنوان اختصار لاسم الرئيس الأمريكي الاسبق “جون فيجرالد كنيدي”، يتعرض بالنقد إلى الرواية الأمريكية حول اغتيال كنيدي في 22 نونبر 1963 في مدينة دالاس، وهو من بطولة ” كيفن كوستنر” “طومي لي جونز” و ” كيفن بيكون” كتب له السيناريو “أوليفر ستون” بمساعدة ” زاكاري سكلير” استنادا إلى الكتاب الذي ألفه المدعي العام لمقاطعة “نيواورلينز” بولاية ” لويزيانا” وخصصه للتحقيق الذي قام به حول إغتيال كنيدي، بالإضافة إلى التحقيق الذي قام به الصحافي الأمريكي المستقل ” جيم مارس” حول نفس الموضوع.
يتحدث الفيلم إذن عن التحقيق الذي سيباشره المدعي العام جيم غاريسون، الذي شكك في النتائج التي توصلت إليها ” لجنة وارن” حول حادث الاغتيال وخلصت إلى أن ” لي هارفي اوسفالد” هو من اغتال كنيدي، وأنه تصرف من تلقاء نفسه، وهي الرواية التي شكك فيها المدعي العام.
فمن خلاله دحضه للرواية الرسمية، يعيد الفيلم مناقشة كل القضايا المتعلقة بالاغتيال، والتفاصيل التي اهملتها اللجنة، رغم أهميتها، عبر تقديم العديد من المشاهد التوثيقية والأدلة التي استند اليها خلال التحقيق الذي قام به ليكشف عن وجود مؤامرة، بل وانقلاب كما سيقول المدعي العام غاريسون أمام المحكمة، كانت أجهزة عديدة متورطة فيه، من المخابرات المركزية، مكتب التحقيقات الفيدرالي والبنتاغون، إلى رؤوس كبيرة أخرى في أجهزة الدولة والمعارضون الكوبيون الذين تخلى عنهم كنيدي بعد فضيحة ” خليج الخنازير” .
والحقيقة فإن حادث إغتيال كنيدي، الذي مازالت الكثير من الألغاز تلف حوله، تعددت حوله الكتب والمقالات والافلام ، الوثائقية على الخصوص، غير أن فيلم JFK يبقى هو الوحيد الذي تعرض إلى الموضوع بهذه الجرأة، وهو ما جعل العديد من النقاد والصحافيين يتهمون المخرج بأنه أضاف أشياء عديدة لم يتضمنها كتاب المدعي العام جيم غاريسون، الشيء الذي جعله ينشر نسخة من سيناريو الفيلم تتضمن كل الإضافات وما يبررها.
غير ان الأثر الكبير الذي خلفه الفيلم كان بالأساس لدى الرأي العام، الذي بدأت الشكوك تراوده حول الرواية الرسمية التي أعلنتها ” لجنة وارن” ذلك ان ” أوليفر ستون ” أثار أسئلة محرجة لم تجد لها إجابات مقنعة، بل إنه ذهب أبعد من ذلك حين عرض الفيلم أمام أعضاء الكونغرس ، وفتح نقاشا واسعا في اوساط المشرعين الأمريكيين، مما سيؤدي لاحقا إلى إتخاذ قرار يتعلق بالكشف عن حوادث الاغتيالات وعلى راسها اغتيال كنيدي، القرار الذي بدأ تفعيله بنشر بعض تفاصيل الاغتيال كانت تطالها السرية، فيما ينتظر نشر تفاصيل أخرى، ربما ستجيب عن العديد من الأسئلة التي طرحها الفيلم.

 

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 09/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *