مسارات من حياة الشعيبية طلال.. 2- بطاقة هوية ونار على علم

 

لعل الكتابة عن سيرة فنانة ذات ريادة زمنية وريادة فنية،اختلف الناس في أمرها، لشخصها وشخصيتها وإنجازاتها التي ذاع صيتها في الآفاق، حتى أصبحت المعارض العامة الدولية تخطب ودها وتتمنى أن تحتضن لوحاتها العجيبة ، تقتضي اعتماد مصادر ومراجع وطنية أو دولية موثوق بها، غير أنه، للأمانة، لا نتوفر سوى على مصدر واحد ووحيد غير مستقل وغير محايد، ألا وهو ابنها الفنان الحسين طلال، الذي لا يقدم إلا ما يلوكه مرارا وتكرارا عن سيرة الشعيبية لوسائل الإعلام أو بعض الباحثين، من غير إضافات مميزة أو إضاءات مثيرة تسعف في الوقوف على هويتها، منجزها التشكيلي وخصوصياتها الجمالية وإسهاماتها في الحركة التشكيلية العالمية.
سنحاول في هاته الحلقات تسليط الضوء-قدر الإمكان- على مسار الشعيبية الذاكرة الفردية، الذاكرة الجمعية ترحما عليها، واعترافا بأياديها البيضاء في سبيل جعل راية المغرب خفاقة في المحافل العالمية، وإسهاماتها في إثراء المكتبة الفنية الوطنية والدولية.

 

استطاعت الشعيبية أن تكون اسما وازنا من أسماء زماننا بالمغرب، بفضل خوضها نضالا مريرا من أجل تأكيد وجودها في مجتمع ذكوري، لايؤمن بأهلية المرأة وقدرتها على البذل والعطاء، مجتمع، يقول: “الكلب حاشاك، الحمار حاشاك، اليهودي حاشاك،المرأة حاشاك، وشرّف الله قدرك”.
تنتصب الشعيبية شامخة في وجه رجال زمانها،لدرجة أن البعض نعتها ب”امراه ونص” أو امراه وكادة” أو امراه بعشرة رجال”.. تلمست في نفسها القدرة على أن تكون مختلفة عن نساء عصرها، منذورة لرد الاعتبار للمرأة عموما، لنساء عصرها، للمرأة المغربية بوجه أخص من خلال الفن والإبداع. فالمرأة على عهدها مهِيضة الجناح، مهضومة الحقوق، مغلوبة على أمرها، مكانها “الطبيعي” في المطبخ، في أحضان الرجل، تدخل بيت الزوجية، ولاحق لأهلها وذويها في زيارتها حتى والديها، فهي كسقط متاع الرجل، ولها خرجتان لاغيرهما: خرجة من بيت والديها في اتجاه بيت الزوجية، وخرجة من بيت الرجل إلى مثواها الأخير.وتعتبر الشعيبية ثالثة اثنتين وهما،فاطمة حسن الفروج (1945-2011) وراضية بنت الحسين (1912-1994)، وكلهن يتحدرن من بيئة بدوية، أعلنَّ تمردهن في وسط ذكوري متسلط، لايهادن المرأة ولا يلين.
من يرى الشعبية وهي واثقة الخَطو تمشي أميرة، يخال أنه العُجب والكِبر، والغرور والجهل. والواقع أنها الثقة في النفس، والاتساق مع الذات، وعليه سبقت زمانها،أهل زمانها، فجاءت في طليعتهم، تمشي الشعيبية على السليقة في حديثها. لايهمها في شيء أن تلقي الكلام على عواهنه.. لاتداهن ولا تنافق، تحاور كيفما اتفق بجرأة وشفافية وصدق، تتكلم ولا تنصت لما تتفوه به، تتصرف بعفوية منعدمٍ نظيرُها، مثل أن تغمس راحة يدها في الصباغة وتضعها على ورقة بيضاء لترسم أصابعُها “الخميسةَ”،وهي تعويذة لدفع الحسد، أو بقعات ومناظرطبيعية قروية ووجوها بشرية وعادات وطقوسا من وحي الذاكرة البصرية، تعبر من خلالها عن أحاسيسها ومشاعرها، أو تفتح علب الصباغة وتستخدم سبابتها كفرشاة من غير خلطها، وتردد بين الفينة والأخرى لازمتها:” ويعنو” أي: يعني.. وتتباهى بلكنتها البدوية، ولايزعجها في شيء أن تنطق كلمات بالفرنسية بنطق غير سليم. ولكَم كانت الشعيبية عُرضة للسخرية والهزء، ولكَم وصفوها بالأمية والجاهلة والمتطفلة على الفن، ومن العجيب أن كثيرا من الأجانب الذين يفدون على المغرب أو يصادفونك فوق ترابهم، أنهم يردون عليك عندما تقول إنك من المغرب:” الشعيبية ..الشعيبية”.هكذا أصبحت الشعيبية، بطاقة هوية، بل رمز بلد بقضّه وقضيضه..نارا على علم،وصيتا ذائعا في الآفاق.
لايختلف اثنان حول أن الشعيبية التحقت بالرفيق الأعلى في ثاني أبريل من سنة2004 بعد معاناتها مع المرض بمستشفى شهير بالدار البيضاء.لكن بخصوص ولادتها، يزعم بعض مؤرخي الفن والنقاد الفنيين أن الشعيبية وُلدت سنة 1929 سيرا على رواية ابنها الفنان الحسين طلال التي عممها كثير من المواقع، كما يدعي بعض آخر، أن ولادتها كانت سنة 1924 على وجه التحديد.
والشعيبية، من جهتها تقول:” كنت ألحّ كثيرا على أمي في السؤال متى وُلدت؟ فكانت تجيبني بأني وُلدت في عام “الشوم” أو عام “الصهد”.


الكاتب : عزيز الحلاج

  

بتاريخ : 11/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *