ثورات ملكية هادئة وهادفة

إسماعيل الحلوتي

بخلاف تلك النظرة السوداوية والحملات المعادية للمغرب التي يخوضها ضده أعداؤه وخصومه ومعهم للأسف الشديد بعض أبنائه الحاقدين لأغراض في نفوسهم، يمكن القول بأن بلادنا تشق طريقها بثبات نحو المستقبل المشرق، بعد أن قطعت خطوات هائلة من الإصلاحات الدستورية والقانونية، بفضل حكمة قائدها الملهم محمد السادس، الذي منذ توليه الحكم وهو يسابق الزمن من أجل الارتقاء بالوطن، مكرسا كل جهوده في خدمة أبناء الشعب، مرتكزا في ذلك على سياساته الرشيدة في مختلف المجالات: اقتصادية واجتماعية وسياسية وحقوقية وبيئية ورياضية… واهتمامه الواسع بحقوق الإنسان وأمن المغاربة والدفاع عن وحدتهم الترابية.
فعاهل المغرب لم ينفك يقود البلاد دون ضجيج نحو التقدم والرخاء، ويعمل بشغف كبير على إرساء الأسس المتينة لتنمية مستدامة، بما يواكب ذلك من تعزيز للبنى التحتية والدفع بعجلة الاقتصاد إلى الأمام، حيث أنه وانطلاقا من توجيهاته السامية، شهدت البلاد مجموعة من برامج التنمية، مكنت فئات واسعة من الانخراط في عدة مشاريع اقتصادية مدرة للدخل، وساهمت في فك العزلة والهشاشة والتهميش والإقصاء، عبر إحداث المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي ما فتئت تواكب التحولات الاجتماعية والاقتصادية وتحرص على تقوية المسالك الطرقية والحد من الفوارق المجالية. فضلا عن رؤيته الثاقبة في جلب الاستثمار الأجنبي كالمصنع الكبير لصناعة السيارات، وإطلاق مبادرات ومشاريع اقتصادية كبرى، مثل إنتاج الطاقات البديلة، ميناء طنجة وقطار البراق…
ثم إن ما كان يبدو بالأمس القريب جدا مجرد حلم، تحول اليوم إلى حقيقة قائمة بذاتها، إذ في مبادرة أخرى فريدة ورائدة، فاجأ ملك المغرب العالم، يوم 5 يوليوز 2021، بإشرافه على توقيع اتفاقيات مشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد ل»كوفيد -19». وهو المشروع الذي يجسد الطموح الملكي في جعل بلاده منصة قارية لإنتاج وتوزيع اللقاحات، مما أدى بالكثير من المنظمات الإنسانية والمؤسسات والصحف الوطنية والدولية إلى الإشادة به، حيث أنه رغم تكلفته البالغة 500 مليون دولار، سيمكن المغرب من ولوج نادي كبار منتجي اللقاحات وترسيخ قدرات صناعية وبيوتكنولوجية في أفق تحقيق السيادة الصحية الوطنية والأمن الدوائي. ويهدف إلى إنتاج خمسة ملايين جرعة من اللقاح المضاد ل»كوفيد-19» شهريا على المدى القريب، قبل مضاعفة القدرة الإنتاجية تدريجيا على المدى المتوسط وتطوير لقاحات أخرى تحت علامة «صنع بالمغرب»، وضمان الاكتفاء الذاتي مع تزويد بلدان القارة السمراء والدول المغاربية.
وليست هذه المبادرة وحدها ما يؤكد نبوغ ملك المغرب، فقد سبقتها، في حيز زمني جد قصير، عدة مبادرات وإصلاحات ومشاريع ضخمة، تروم جميعها النهوض بالتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، فبحسه الاستباقي وفور ظهور أول حالة إصابة مؤكدة بالفيروس ببلادنا في مارس 2020، واتخاذ السلطات العمومية حزمة من الإجراءات الاحترازية للحفاظ على سلامة وأمن المواطنين، أعطى تعليماته السامية للحكومة بإحداث صندوق خاص بمواجهة تداعيات جائحة كورونا، رصد له غلاف مالي بعشرة ملايير درهم، خصص للتكفل بالنفقات المرتبطة بتأهيل المنظومة الصحية، والإسهام في دعم القطاعات والأسر الأكثر تأثرا بتبعات الوباء…
ثم إنه بمجرد ما توصلت بلادنا بالدفعة الأولى من اللقاحات المضادة للجائحة، قرر أن يكون أول الملقحين من أجل طمأنة المغاربة على جودة اللقاح وفعاليته، وتبديد جميع مخاوفهم من الشائعات الرائجة. ومن ثم أعطى انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح في أواخر يناير 2021، تستهدف جميع المواطنين المغاربة والمقيمين الأجانب المتجاوزين 17 سنة، على أن تهم المرحلة الأولى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالوباء من طواقم طبية وسلطات عمومية وجيش ملكي وكذا نساء ورجال التعليم، ثم المسنين والمصابين بأمراض مزمنة، قبل تعميمها تدريجيا حتى بلوغ تلقيح 80 في المائة من الساكنة، وتحقيق المناعة الجماعية…
وقبل حتى أن يرفع إليه شكيب بنموسى، رئيس اللجنة الخاصة ببلورة نموذج تنموي جديد، تقريرها العام، وهي اللجنة الملكية التي أحدثت في دجنبر 2019 والمتكونة من شخصات وطنية وازنة، بغرض رسم ملامح المرحلة القادمة وفق مقاربة تشاركية وشاملة، والتزام الحياد في تفاعلها مع كافة الأطراف من مؤسسات وفاعلين اقتصاديين ومواطنين، بدءا بتشخيص دقيق وموضوعي للوضع الراهن، قصد رصد الاختلالات والنقائص الواجب تجاوزها وتعزيز المكتسبات، ومن ثم العمل على تعميق الارتباط بقيم المواطنة الإيجابية والفاعلة وتقوية الشعور بالانتماء إلى الأمة وتأمين الاستقلال الاقتصادي، والرفع من مستوى عيش المواطن وترسيخ الحكامة الجيدة، وتوطيد المشروع المجتمعي الذي يقوده الملك ذاته، قام ثانية خلال شهر أبريل 2021 وفي إطار دعم القدرة الشرائية وتحقيق العدالة الاجتماعية، بإطلاق مشروع تعميم التغطية الاجتماعية لفائدة جميع المغاربة خلال السنوات الخمس القادمة بصفة تدريجية ابتداء من شهر يناير 2021، بدءا بتعميم التغطية الصحية الإجبارية والتعويضات العائلية، ثم الاستفادة من التقاعد والتعويض عن فقدان الشغل في مرحلة لاحقة، وهو الورش الملكي الذي سيستفيد منه في بداية الأمر الفلاحون وحرفيو ومهنيو الصناعة التقليدية والتجار والمهنيون ومقدمو الخدمات والمستقلون الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة أو نظام المقاول الذاتي أونظام المحاسبة…
إنه لا يمكن لأي مغربي حر يعتز بوطنه إلا أن يشعر بالفخر والاعتزاز، وهو يرى ملك بلاده يقود ثورات هادئة وهادفة، للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتطوير مناخ الأعمال وجلب الاستثمار وتجويد البنى التحتية، والحفاظ على الأمن الداخلي والصحي والسلم الاجتماعي، فضلا عن خلق دينامية اقتصادية وتضامنية، جعلت المغرب يتموقع في طليعة الدول التي اعتمدت إجراءات وتدابير حازمة وحاسمة في مكافحة جائحة «كوفيد -19»…

الكاتب : إسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 10/07/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *