رشيدة داتي: القدر يمكن أن يستحضر المكتوب

حسن بنطسيل

الحديث عن رشيدة داتي، الشخصية السياسية الفرنسية العصامية يأتي في سياق الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في غضون شهر مارس من 2020 . فهي مرشحة الحزب الجمهوري اليميني الفرنسي لهذه الاستحقاقات. استطلاعات الرأي تمنحها 20% من الأصوات مقابل 23% لمنافستها المباشرة عن الحزب الاشتراكي الفرنسي آن هيدالكو ذات الأصول الإسبانية والتي تطمح لولاية ثانية لمنصب عمدة باريس ، وأمام المرشح المكروني بنجمان كريفو ب 18% من استطلاعات الرأي الباريسية (والذي استقال يوم الجمعة بعد فضيحة أخلاقية). المركز الثاني الذي تشغله رشيدة داتي لدى الباريسيين طمئن الحزب الجمهوري الذي ما فتئ يحصد منذ أكثر من عشرين سنة الاخفاقات تلو الأخرى في هذه الانتخابات البلدية، الشيء الذي جعل أعضاء الحزب الجمهوري في الصيف الماضي لا يتهافتون على باب الترشيح لخوض غمار هذه الانتخابات. لكن رشيدة داتي المرأة الحديدية رفعت هذا التحدي في مدينة جاك شيراك بخطاب يطغى عليه الجانب الاجتماعي ويستهدف الطبقات المتوسطة المتواجدة في شرق باريس.
تشغل رشيدة داتي منصب عمدة المقاطعة السابعة اليمينية البورجوازية المحافظة التي تحضن برج إيفيل. كما أنها شغلت منصب برلمانية أوروبية في مدينة ستراسبورغ ومحامية في نفس الآن.
تتميز مسيرة رشيدة داتي بعصامية قل نظيرها. فهي منحدرة من أسرة مغاربية فقيرة من أب مغربي كان يشتغل بنّاء وأم جزائرية ربة بيت . من أسرة تتكون من أحد عشر طفلا. عائلة عاشت على الحاجة والفقر في الضواحي. امتهنت وظائف شتى : مربية للأطفال، مساعدة في المستشفيات وكأمينة للصندوق في المحلات التجارية قبل أن تُتْمم تعليمها في كلية الاقتصاد لتلج فيما بعد سِلك المحاماة.
بزغ نجمها في المجال السياسي على يد نيكولا سركوزي منذ 2002 حيث ضمها لكتابته الخاصة وهو آنذاك وزيرٌ للداخلية. وفي سنة 2007 لم يكتف نيكولا سركوزي مرشح الانتخابات الرئاسية بضمها لحملته الانتخابية بل منحها منصب الناطق الرسمي لحملته. بعد فوز نيكولا سركوزي بالرئاسيات فُتح باب الاستوزار على مصراعيه أمام رشيدة داتي لتشغل وزارة سيادية وتصبح أول وزيرة للعدل في الجمهرية الفرنسية من أصول عربية.
هذه المسيرة، وهذا المسار لم يكن البتّة مفروشا بالورود أمام هذا الوجه المتمرد ذي الكلام الحاد ، أبهج الفرنسيين وجعلهم يقولون بأن القدر يمكن أن يستحضر المكتوب.

أستاذ بجامعة باريس نانتير

الكاتب : حسن بنطسيل - بتاريخ : 03/03/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *