Fayard الفرنسية تسحب كتاب «التطهير العرقى فى فلسطين» من المكتبات

أقدمت دار نشر فايار Fayard الفرنسية على سحب نسخ أحد أهم الكتب عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ، وهو كتاب المؤرخ الإسرائيلي إيلان پاپيه، «التطهير العرقي في فلسطين»، الذي يكشف فيه أن قيام إسرائيل استند إلى عملية تطهير عرقي ممنهجة للشعب الفلسطيني، مؤكداً أن النكبة مستمرة في ما يمثل حالة من «الإبادة التدريجية».ويعتبر المؤرخ الاسرائيلي والأستاذ الجامعي المثير للجدل، من أبرز المحاضرين في العلوم السياسية بجامعة حيفا منذ 1984 إلى سنة 2007، حيث اضطر إلى مغادرة إسرائيل إثر صدور كتابه هذا، بعد أن تلقى تهديدات بالقتل، كما أدانه البرلمان الإسرائيلي، وطالب وزير التعليم بإقالته من التدريس في الجامعة، فاضطر بابي إلى مغادرة إسرائيل لينضم إلى جامعة إكسيتير بانجلترا، حيث واصل بحوثه ونشاطه المعرفي هناك.
دار النشر»فايارد» التي يملكها أحد أقطاب اليمين المتطرف «فنسنت بولوريه» ممن يملكون العديد من وسائل الإعلام المروجة للإسلاموفوبيا والمساندة بقوة للصهيونية، عللت خطوتها هاته بأن سحب الكتاب من المكتبات يعود إلى أن حق استغلال الكتاب قد نفد هذا العام، وذلك رغم ارتفاع مبيعاته بشكل صاروخي ما بعد 7 من أكتوبر، تاريخ بداية الحرب في غزة. وهي الحجة التي يدحضها تصريح مسؤولين من الدار لموقع «الأخبار» الفرنسي بأن حق استغلال تسويقه انتهى بتاريخ 27 فبراير 2022، وهو ما يعني أن الدار احتكرت تسويقه لأكثر من سنة على تاريخ انتهاء العقد وبالضبط 21 شهرا، ويبين إلى أي حد انساقت العديد من المؤسسات الثقافية والإعلامية، كما السياسية، إلى رواية الكيان الصهيوني ودعمه في حربه ضد أصحاب الحق الفلسطينيين، وهو الانحياز الذي يندرج في إطار الدعم الغربي اللامشروط لإسرائيل، لكنه انحياز ذو طابع خاص ومن فئات عرفت بانحيازها الدائم لنضالات الشعوب، خاصة في بلد الحرية والأنوار التي انطفأت في العقد الأخير.‏
الإقدام على هذه الخطوة لا يمكن تفسيره إلا بارتفاع عدد مبيعات الكتاب بعد حرب غزة. فقد بيع أكثر من نصف مبيعات الكتاب،البالغ عددها 307 في عام 2023، في أسابيع قليلة فقط، بين 9 أكتوبر و12 نونبر الماضي.
في الواقع، يبدو السياق الحالي لـ «مطاردة الساحرات» غير مرتبط بقرار فايارد بسحب الكتاب، وهي فرضية معقولة بالنظر إلى أن أية إدانة لسياسة التطهير العرقي والاستعماري التي تنتهجها الدولة الإسرائيلية يتم إسكاتها بشكل منهجي، والتي شملت سياسيين كبار كجون لوك ميلونشون ودومينيك دوفيلبان،ونشطاء حقوقيين بسبب دعم فلسطين، واتهاماهم بمعاداة السامية.
وتزداد خطورة الرقابة عندما تستهدف عرقلةالوصول إلى عمل أحد الباحثين الرئيسيين في تاريخ دولة إسرائيل والمشروع الصهيوني في فلسطين.
يوضح إيلان بابي في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين»، من خلال بحث موثق بعناية، أن تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 قام على طرد السكان العرب بطرق التطهير العرقي. وتشكل سياسة الطرد المنهجي هذه ما يسميه «الإبادة الجماعية التدريجية».
ويتزامن سحب مبيعات أعمال إيلان بابي أيضا مع الاستحواذ الفعلي على مجموعة النشر «هاشيت»، التي تنتمي إليها فايارد، من قبل الملياردير اليميني المتطرف فنسنت بولوريه الذي أضحى صاحب إمبراطورية إعلامية حقيقية، يستغلها لنشر أفكاره المتطرفة تجاه المسلمين، حيث تخوض القنوات والصحف التابعة لمجموعة بولوريه، منذ 7 أكتوبر، حملة شرسة معادية للإسلام، باعتبارها الإبادة الجماعية الجارية «عملا حضاريا» و «كفاحا».

لمحة عن الكتاب

صدر كتاب «التطهير العرقي في فلسطين»، لأول مرة باللغة الإنجليزية عام 2006، عن دار Oneworld Publication بأكسفورد لندن.  وفي العام 2007، صدرت نسخته العربية عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية، في بيروت بترجمة أحمد خليفة.
يقول ايلان بابي عن دواعي تأليفه لهذا الكتاب: «إنها القصة البسيطة والمرعبة لتطهير فلسطين من سكانها الأصليين، وهي جريمة ضد الإنسانية أرادت إسرائيل إنكارها وجعل العالم ينساها. إنّ استردادها من النسيان واجب علينا، ليس فقط من أجل كتابة تاريخ صحيح كان يجب أن يُكتب منذ فترة طويلة، أو بدافع من واجب مهني؛ إنّ ذلك، كما أراه، قرار أخلاقي، وبالذات الخطوة الأولى التي يجب أن نخطوها إذا أردنا أن نعطي المصالحة فرصة، وأن نتيح للسلام أن يحلّ ويتجذّر في فلسطين وإسرائيل».
يتضمن الكتاب العديد من الخرائط والصور والشهادات الحية، وقسمه المؤلف إلى12 فصلا، حيث تتبع في هده الفصول كيف بدأت وتطورت عملية التطهير التي تعرض لها الشعب الفلسطيني بداية من أواخر 1947 وبداية 1948، تزامنا مع صدور قرار التقسيم من الأمم المتحدة وانسحاب بريطانيا من فلسطين.
في الفصول الأولى للكتاب، تتبع بابي الوضع في الأرض مند بداية القرن العشرين إلى الثورة التي اندلعت إثر مقتل عز الدين القسام سنة 1936 ضد الاستعمار البريطاني، الثورة التي قمعتها سلطات الاستعمار بالحديد والنار، حينها كانت مجموعات صهيونية مسلحة تتابع الوضع عن كثب، وبعضها شارك القوات البريطانية في قتل الثوار الفلسطينيين.
ويكشف هذا الكتاب كيف جرت عمليات التطهير العرقي في فلسطين سنة 1948، وكيف كان الترحيل والتطهير العرقي جزءاً جوهرياً من استراتيجيا الحركة الصهيونية. وينقض المؤلف الرواية الإسرائيلية عن حرب 1948 ليؤكد أن طرد الفلسطينيين لم يكن مجرد هروب جماعي وطوعي للسكان بل خطة مفصلة جرى وضع اللمسات النهائية عليها في اجتماع عقده دافيد بن – غوريون في تل أبيب يوم 10/3/1948 بحضور عشرة من القادة الصهيونيين، وتضمنت أوامر صريحة لوحدات الهاغاناه باستخدام شتى الأساليب لتنفيذ هذه الخطة ومنها: إثارة الرعب، وقصف القرى والمراكز السكنية، وحرق المنازل، وهدم البيوت، وزرع الألغام في الأنقاض لمنع المطرودين من العودة إلى منازلهم. وقد استغرق تنفيذ تلك الخطة ستة أشهر. ومع اكتمال التنفيذ كان نحو 800 ألف فلسطيني قد أُرغموا على الهجرة إلى الدول المجاورة، ودمرت 531 قرية، وأخلي أحد عشر حياً مدنياً من سكانه. وهذه الخطة، بحسب ما يصفها إيلان بـابـي، تعتبر، من وجهة نظر القانون الدولي، «جريمة ضد الإنسانية»»
وفي توطئته لكتابه التطهير العرقي في فلسطين، يشير إيلان بابيه إلى أن هذا الكتاب: «ليس مكرسا رسميا لأحد، وقد كتب أولًا وقبل أي شىء من أجل الفلسطينيين، ضحايا التطهير العرقي في سنة 1948. وكثيرون منهم أصدقاء ورفاق، وكثيرون غيرهم أجهل أسماءهم، لكن منذ يوم أن عرفت عن النكبة رافقتني معاناتهم وفقدانهم وآمالهم. وعندما يعودون فقط سأشعر بأن هذا الفصل من النكبة قد بلغ أخيرًا النهاية التي نرجوها، والتي من شأنها أن تتيح لنا جميعًا العيش في سلام وانسجام في فلسطين.
ويمضي إيلان بابيه في مقدمة كتابه التطهير العرقي في فلسطين، موضحًا أنه: بالنسبة إلى الفلسطينيين، وكل من رفض أن يبتلع الرواية الصهيونية، فقد كان واضحًا لديهم منذ زمن بعيد، سابق لتأليف هذا الكتاب، أن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم، وأنهم نجحوا في التهرب من العدالة، وأن من الأرجح ألا تجري محاكمتهم على ما اقترفت أيديهم. وبالإضافة إلى هول الاقتلاع، فإن أشد ما يبعث الإحباط في نفوس الفلسطينيين هو أن الجريمة التي ارتكبها هؤلاء المسؤولون يستمر إنكارها تمامًا، كما يستمر تجاهل معاناة الفلسطينيين منذ عام 1948.
يبدأ كتاب «التطهير العرقي في فلسطين»، بتعريف للتطهير العرقي، تعريف استخدم أساسًا لاتخاذ إجراءات قانونية ضد مرتكبي جرائم كهذه في الماضي، وفي الوقت الحاضر.
ويشدد إيلان بابيه على أن التعريف العام لمكونات التطهير العرقي ينطبق حرفيًا، تقريبًا، على حالة فلسطين، وقصة ما جري في سنة 1948، إن التطهير العرقي جريمة ضد الإنسانية، والذين يقدمون على ارتكابه اليوم يعتبرون مجرمين يجب محاكمتهم أمام هيئات قضائية خاصة.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 16/12/2023