حين كانت تامكروت محطة في الطريق إلى الله! -1-

عبد الحميد جماهري
أيادي المعجزة، مخطوطات من كل القارة خالطها المكتوب
وجدت زاكورة كما كانت تقيم في ذاكرتي، وجه خوخة، ينضح وسط التماع سراب القيلولة والسحر الصحراوي.. وقد تغذت كثيرا من العاطفة ووجوه الذين أحببتهم. على تخوم الصحراء، كان التراب والشمس والهواء والمخيال يتقاسمون مشاعري، ما بين حرارة تلفح الجسد، وسعف النخيل الذي يلوح كظاهر اليد، بالوعود المنعشة.
وصلنا المطار الصغير، نزلنا أدراج الطائرة التي كانت تقل سياحا أغلبهم فرنسيون بأطفالهم، مما لم اعتده في الوفود السياحية في مطارات أخرى للمملكة. كان الجو حارا، والنسيم عليلا، لعله في الطريق إلينا عرج على واحة ما زالت تغالب الجفاف بقدرتها الخاصة ! في تركيبة موسمية. كان شهر ماي، يفرش الصيف للقادمين. وصلنا الفندق المبني بالمواد الأرضية للمدينة يحافظ على مسحة الطين في تركيب الهندسة. الطين، وحده يستطيع أن يبقي لمدينة زاكورة على مشهديتها اللامعة..التقيت صباحي، هنا في زاكورة، كان علينا أن نتناول فطورنا ونستكمل النعاس، الذي تركناه من حيث جذبنا فجر السفر…في الفندق سياح من كل الأعمار، من الأطفال. الرضع إلى الشيوخ الذين جروا سنوات العمر هنا إلى تخوم درعة …ارتحنا بعد الفطور، ونمنا لاسترجاع ما فاتنا. في الطريق إلى المسجد، في منتصف الجمعة الحارق، كانت تبدو المدينة قريبة من صورة الصحراء، بالرغم من السيارات الفارهة التي تمرق بين الفينة والأخرى، والشباب على آخر دراجات التجوال الصحراوي، كما لو أنني أذهب إلى مسجد قباء الأول. في المسجد ظل وملابس تعود بالتاريخ العتيق إلى مايو القرن الواحد والعشرين. شعرت بالفعل، في المسجد الذي يدخل إليه النساء والرجال من الباب نفسه، ببساطة البدايات. عبرت لأحمد شهيد عن هذا الإحساس من بعد ونحن على مائدة الغذاء: قلت شعرت كما لو أنني أصلي مع المؤمنين الأوائل، وشعرت كما لو أن الإيمان مجسد في لون اللباس وحركات الناس.
سنكتشف من بعد أنه، غير بعيد عن المسجد، يوجد حي الملاح الذي غادره أهله اليهود من زمان، بقيت نوافذ صغيرة، تكاد تكون بحجم العين، على أسوار من طين عالية نوعا ما.تذكرك بعمارات الطين في أفلام السيرة. النبوية الأولى….
كان لنا في الأصيل موعد مع زيارة الزاوية الناصرية: هنا في زاكورة تعد الناصرية مرتع الروحانيات العلوي، التي صهرت وجدانا عاما شاع في العديد من الأمصار، لكنه ظل مرتبطا بأرضه الأولى حيث نما وانتمى..
قطعنا الطريق من زاكورة إلى تامكروت حيث اختار لها الشيوخ الناصريون، وكانوا في الأصل شيوخا أنصاريين، أن تصير مقاما عليا يحتضن رحلتهم الصوفية. في الطريق إلى تامكروت، حضرت محاميد الغزلان. راعية لوطنية المحاربين البدائية، الفطرية أكاد أقول، حيث لا تكون التواريخ الخالدة وحدها تحيل على خطوط الطول وخطوط العرض التي تحد المكان في جغرافيا البلاد، ولا الزيارات الميمونة، كما تقتضي البلاغة الوطنية المهيبة في وصف زيارة محمد الخامس، وإطلاق نداء الوحدة الوطنية..
وجدنا الرجل البسيط مريد الزاوية وسادتها الذي حدثنا عنه إدريس لشكر قبل اللقاء به، حيث سبق له أن التقاه في مناسبة ماضية. وكان كما كان بالفعل رجلا يسرد شفهيا سيرة متعددة الشخوص والتواريخ، لا يضيع كما يحدث لمستعمليه وهم يحاولون التركيز معه في أسماء الأسياد الذين يحكمون التراب والأماني ويسهرون على تلطيف النوائب التي صادفت كل شيخ من شيوخ الناصرية.
قال إن شيوخها الأوائل من الأنصار رضي لله عنهم. وكفى، لم يحدثنا بالتفصيل عن سيرتهم البرية من أقاصي الحجاز إلى الصحراء الجنوبية الشرقية في مغرب الإسلام الأقصى. ولا حدثنا عن مسيرتهم في الزمن منذ احتضنوا نبي الإسلام في المدينة إلى أن حطت بهم رحالها فوقها وجمالهم في بغداد زاكورة…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/05/2024