زاكورة على طريق تمبوكتو القديمة : الخزانة والتجارة والرقصات.. -2-

عبد الحميد جماهري

قدر المكتبة أن تعاند كل تقلبات الطبيعة والسياسة، وقد وجدت في ملتقى طرق الغرب الإسلامي والشرق، وفي السبيل إلى أدغال إفريقيا، حيث التجارة شكل الحضارة في تعارف الشعوب وانتشار العقائد، وذلك معناه أن المكتبة كانت تحظى بقدسية ما، كل وثيقة فيها حرز أو رُقْية، تحفظ المكان. لا شك أن صيت الزاوية مع محمد ابن ناصر جعلها تصير مركزا علميا مرموقا خلال القرن الحادي عشر الهجري.. وقد ابتدأ تأسيسها، حسب التراجم، من أيام أبي عبد الله بن ناصر، وكما سبق ذكره فهو اقتنى ثم استنسخ بنفسه، ويستنسخ العديد من الودائع العلمية كما يقال في لغة أهل الخط.
ولعلنا نعرف الآن، بفعل المشاهدة والإنصات، وبفعل العودة إلى وثائق تلك الفترة، أن مما استنسخه الشيخ نفسه كتاب القاموس للفيروزآبادي والأهالي لأبي علي القالي وبعضا من العقد الفريد لابن عبد ربه..
ولعل الذي ما زال له حضور إلى يوم الناس هذا هو كتاب البخاري وفيه «يعقد مجلس حافل لقراءة صحيح البخاري وغيره من كتب الصحاح حيث يحضره جمع غفير من العلماء الأعلام »، ومن ذلك أن الحفاظ على موعد «الصحيح»القائم يعقد كل سنة وتكون فيه مظاهر الاحتفال وختم الكتاب بما يوازي الاحتفال بختم حفظ القرآن الكريم وتلاوته في رمضان.
ولعل من ملامح الشخصية الناصرية هو الحرص على العلم والكتابة بذاته وعدم توفير موادها للطلبة والمرشدين، ومن ذلك ما قاله الشاب الذي كان يرشدنا بين الرفوف ونحن «نلحس» بأعين المعنى ما وراء الزجاج الذي يحفظ المخطوطات. ولطالما شاهدنا ما قاله عن تصحيح المؤسس للكتب والطرق التي ترافقها وتحديد مقابلاتها على حد قول النساخ، وهو العمل نفسه الذي نشاهده مشاهدة العين على هوامش صحيح البخاري ومسلم.
يستشهد المريدون اليوم بحب العلم بما يروى عن الحصير والكتاب، ويبدو أن الخزانة في عهدها الأول، كما يقال في نبذة حياة الشيخ المؤسس «لم تكن تتوفر على مركز منتظم، والدليل في ذلك أن الكتب كانت موضوعة على الأرض مباشرة «حتى أهدي لمؤسسها حصير ليفترشه لينام، فآثر به ووضعه تحت الكتب وقاية لها واستمر ينام هو وأسرته على التراب..( ابن عبد السلام الناصري في كتاب المزايا). وهو ما نراه نموذجا مغربيا بل إسلاميا نادرا في العناية بالكتب، وهي وقتها مخطوطات.
كنا نتجول مبهورين أمام جماليات الخط، ووسط هالة من القدسية التي تكتسبها الكتب بفعل عتاقتها، ومن مجاورة الزمن الطويلة.
وفي المكتبة درس كبير في «الإحسان الكتبي «  mecenat ( يقول مولاي احمد المديني إن أصل الكلمة هي محسن بالعربية )، فقد قرأت من بعد الزيارة أن أحد شيوخ الزاوية، وهو أبو العباس بن ناصر اشترى لها «من الكتب بالأحمال من المشرق والمغرب ومن هذا أنه في حجاته الأخيرة استلف بمصر آلافا من المثاقيل واشتراها كلها كتبا»، ولطالما قرأنا، ونحن نحدق في ما كتب، في مطلع كل مخطوط، الأثمان التي به اشترى المشترون النسخة موضوع النظر!
وفي ذلك أن أبي العباس الناصري « هو الذي جلب إلى المغرب لأول مرة النسخة اليونانية من صحيح البخاري، وهي موزعة بين عشرة أجزاء بخط شرقي، وعلى أول جزء منها بخطه :« ملك لله تعالى بيد احمد بن ناصر- كان الله له ـ بمكة المشرفة بثمانين دينارا ذهبا».. ونظن أن الخزانة جمع لها ما تفرق في الخزانات الفرعية في مدن أخرى، تطوان وفاس، على مر العصور، وبعضها من خزانات العلماء والمشاهير التي تم وقفها عليها، وأخرى لمساجد وجوامع في أرض المغرب الأقصى .. هاته الاحتياطات من المخطوطات ضمت تفاسير، حواشي عن القرآن وكتب السيرة وتآليف ابن مالك والصوفية حديثا وقديما، والتواريخ وأمهات كتب النحو واللغة مثل كتاب سيبويه!

انقر هنا لقراءة التتمة https://alittihad.info/%d8%b2%d8%a7%d9%83%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%aa%d9%85%d8%a8%d9%88%d9%83%d8%aa%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b2%d8%a7/

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 27/05/2024