الجزائر: ما وراء الثلاثية المفلسة!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يبدو الرئيس التونسي قيس سعيد، قد استمرأ دوره كمكلف بمهمة من طرف النظام الجزائري للقيام بكل ما من شأنه مناهضة المغرب . وهو في ذلك يعتقد، بغير قليل من السذاجة الفصحى، بأنه حر في التحرك الديبلوماسي، بعد أن اقتنع، لغياب هوية ديبلوماسية استراتيجية لنظامه، أنه بالفعل يصنع الحدث في عاصمة حكمه!
وحقيقة الأمر أن الرئيس التونسي لا يملك أية استراتيجية، لا في الداخل ولا في الخارج، بل لعل تونس لم تكن في غيبوبة حرفية وسياسية كما هي عليها الآن. ومما يجعل بأنها في الواقع تنفذ استراتيجية النظام الجزائري في كل خطواته.
ولعل التحليل المغربي، المنبني على كون تونس تقوم باستبدالية ديبلوماسية تقوم فيها بما تفوضه الجزائر لها، قد أصبح فعلا ملموسا وله مصداقيته: ليس في تونس أي شيء يدل على أن لها خطة وبرنامج عمل سياسي، أو اقتصادي أو ديبلوماسي يخصها، وكل تحركاتها وقع الحافر على الحافر أو بعض »المناولة« السياسية التي تجود بها نخبة المرادية.
وهنا فإن المحاولة الأخيرة في بناء ثلاثية مغاربية بدون المغرب، ليست فقط منذورة للفشل بل إنها تحمل بذور انهيارها فيها.
ولعل توقيت وصول مبعوث السيد المنفي، من رئيس المجلس الأعلى الليبي إلى المغرب، في نفس اليوم الذي وصل فيه المنفي شخصيا إلى تونس يعطينا صورة عن الترنح الذي تريده الجزائر لهذا البلد ولمهام الوكالة التي لم يرضها لنفسه من قبل في عز ضعفها !
ليبيا، التي ترتبط شَرطيا بما يقدمه لها المغرب من خطط إنقاذ بدون مقابل مصلحي ولا أجندة خاصة، أرادت أن تحررها بنفسها من أي تبعات سياسية لهذا التجمع، الذي أرادته أن يظل في حدود التشكل الاقتصادي!
وهي محاولة غير موفقة من تونس وليبيا تحديدا في فصل الاقتصاد عن السياسة في زمن لم يكن فيه الاقتصاد السياسي بمثل هذا الوضوح في العالم.
على كل، ليبيا مدينةٌ للمغرب، ولكنها تخشى القوة التخريبية للجزائر، التي تشترك فيها ومعها حدودا طولها 990 كلم، تمتد شمالا عند نقطة الالتقاء. الثلاثية مع تونس، إلى حين تتصل بالنقطة الثالثة مع النيجر في الجنوب الشرقي.
واضح أن فقدان ثلاثية النيجر يدفع المهندس الطوبوغرافي الذي يصنع سياسة العسكر إلى التفكير في تعويضها بثلاثية تونس وليبيا!
لكن الأخطر من هذا أن هاته الحدود تسمح للجزائر بتهديد ليبيا بوضوح لا تفعله مع تونس مثلا..وقد فعلت ذلك ثلاث مرات على الأقل، في يونيو 2021، عندما جيء بالرئيس تبون إلى رئاسة الدولة وقال إن بلاده ستتدخل في ليبيا لمنع سقوط طرابلس في يد قوات الجيش الليبي. وثم أعاد نفس التهديد في أبريل 2022 ثم شتنبر 2022. بقوله إذا تطلب الأمر سنتدخل!!!
وهذا التهديد يعطي فكرة عن مواقف الجزائر وعن هامش تحرك النظام في ليبيا! ولربما يعطينا فكرة عن حاجة رئيس مجلس الدولة، الذي حضر في تونس، إلى نوع من المداهنة عملا بقول الشاعر «ومن لم يصانع في أمور كثيرة يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم»!
إذن لقد نجحت الجزائر العسكرية مع تونس وتحاول مع ليبيا لتوريطها في معادلتها التخريبية:المغرب الكبير والسياسة الصغيرة ..
وهي تستغل وضع ليبيا لفرض أجندة انشقاقية ولو أدى ذلك إلى تمزيق ليبيا أكثر…
هذا هو ديدنها، لا تتحرك إلا حيث النزعات الانفصالية لكي تشجعها، والنزاعات بين أبناء الوطن الواحد كما في مالي والنيجر…وتعمل من أجل تعطيل مؤسسات الدول أو تفكيكها وزرع الحرب الأهلية فيها ….
الجزائر لا تبحث عن المغرب الكبير بل عن الجزائر الكبرى..
تماما كما تفعل حليفتها إيران في العراق واليمن ولبنان …
لقد استقر في ذهن النظام الجزائري أن دليل قوته(القوة الضاربة) هو قدرته على خلق الانشقاقات وزرع الفتن. وقدرته على البلبلة ( force de nuire) التي عادة ما يتم استعمالها في شكل محدود زمنيا وخرائطيا، صار الخيط الناظم لهذا النظام الفاقد إلى قوة بديلة استراتيجيا.
والنظر. إلى محيطه المشتعل، والهروب من أي تعاون معه (من مالي إلى سيراليون، مرورا بالنيجر والعالم العربي) يعطينا فكرة عن النزعات الانتخابية لنظام يسعى إلى إقناع المنطقة برمتها بأن إشعال الحريق في المنطقة هو عرضه السياسي في .. الاستقرار وإثبات قوته الضاربة..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 25/04/2024

التعليقات مغلقة.