دولة المَنِّ والسلوى

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

عندما لا نتحدث إلى الدولة، تصبح صماء، لهذا يجب دوما الكلام معها، مطالبتها، ولهذا وجدت النقابات لتصرخ في وجهها، ووجد الحكماء والمثقفون والخبراء والمفتون والعلماء والمؤرخون وعلماء الاجتماع … ليحدثوها بهدوء باستمرار، ووجدت الأحزاب لكي تتحادث معها، حيث توجد معها وتشكل معها كيانا جماعيا…
كل موقع توجد فيه:
في الحكومة
في البرلمان
في الإعلام
في الشارع العام..
وعندما نكف عن لعب هذا الدور، قد يحاكمنا التاريخ بجريمة عدم تقديم مساعدة لدولة في خطر!
اليوم صفقنا جميعا للدولة القوية، والاجتماعية التي تحمي الصحة والتعليم والخبز…
وصفقنا طويلا، حتى صارت لوحدها في المعمعة وتهاطلت الطلبات عليها: الباطرونا لا يرون إلا الدولة
السلطة الأولى
والسلطة الثانية
والسلطة الرابعة…
كل السلط لا ترى سوى الدولة…
الفقراء والمهمشون والطبقة الوسطى وقطاع السياحة وأرباب المقاهي والتجار المتوسطون والصغار…
الكل يمد اليد للدولة..
ولا أحد ينبهها: إذا أثقلتموها بالطلب والطلبيات ستضعفون الدولة، لأنها ليست دولة المن والسلوى، إنها دولة عدسنا وقتائنا وفومنا وبصلنا…
دولة اجتماعية بالأساس ويدها محدودة وقصيرة في الكثير من الأحيان، وبالنسبة لنظام الدولة القوية ففيه ملجأ وحصن وتحصين…
وإضعاف الدولة فيه إضعاف للديموقراطية..
هناك طلب كبير على الدولة ما في ذلك شك…
زادت الطلبات عليها بعد “الكوفيد”
صار المجتمع برمته ضحية جانبية…
نيران صديقة لفيروسات صديقة..ما في ذلك شك…
الدولة يجب أن تسمع وأن تجيب بما يجب أن تجيب به…
فإذا صارت صماء
لن نكون بخير
الدولة ترى وتسمع وتشم وتلمس وتتذوق
بالفصل بين السلط
وبالإعلام
وبالمجتمع كله… والسلطة التي لا تفصل بين حاساتها الموجودة
هي سلطة بلا دستور..
ومجتمع بلا وجود..
عندما تقر أي شيء لا بد من أن تسمع سؤالا
أو استفسارا
أو متابعة
أو تحقيقا أو نأمة أو همسا أو تصفيقا أو صراخا..
لكن الدولة ليست قوة غيبية نطلب منها مائدة من السماء
وينزل المن والسلوى..
وليست الدولة سوى صبر طويييل وكبير ..
والدولة لا يمكنها أن تبقى شباكا لتلقي الطلبات..
قد تتلقى الشكايات نعم
قد تتلقى التظلمات نعم، فدورها أن تكون حُكما …وحَكَما
ولكن أن يتنافس الجميع من أجل الحصة الأكبر من الدولة فذلك لا معنى له سوى إثقالها بما يضعفها تماما..
لا بد لها من قوة ومن مناعة ومن قدرة، لكن ليس إلى درجة أن نطلب منها مثلا أن تعيد إلى الأثرياء ما قدموه من تطوع ومشاركة في مجهود وطن مثلا مثلا..
هنا يسقط الرهان كله في تحويل الدولة إلى “الليفياتان” الخرافي كما في رواية الزمن الموحش.. ويبدأ الخوف بالفعل من أن تكون قوة الدولة هي سبب ضعفها!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 20/07/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *