قادة الدول وتهاني عيد العرش: رسائل ـ برامج!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اكتست الرسائل التي توصل بها جلالة الملك بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لعيد العرش طابعا يفوق صبغتها البروتوكولية، وكشفت عن درجة حرارة العلاقات بين مغرب محمد السادس، والبلدان التي راسله قادتُها.
فلن يخفى عن المتتبع التقاط درجة حرارة مضامينها على ضوء حرارة العلاقات بين البلدين…
وإذا كانت الكثير من الرسائل لا تخرج عن وظيفتيها، العاطفية وتجديد بلاغتها السابقة، كما هو الحال في المراسيم التبادلية بين الدول العربية، والتي لا تحتاج رسائلها إلى قراءة نوايا أصحابها ومخططاتهم السياسية، بسبب الروابط الأخوية أو بسبب قوة العلاقات بين الشعوب، فإن رسائل أخرى تستوجب قراءات سياقية يستشف منها حالة الطقس القائمة أو عمق الاحتمالات القادمة.
ومن خلال أربع رسائل يمكن أن نعرض لهذه الرسائل ـ البرامج Messages – programmes،
والتي صارت تميز التراسل الدولي مع ملك المغرب. ولعل المتتبعين والمحللين والديبلوماسيين، يتخطون عتبة البلاغة الاحتفالية في المبادلات الكتابية بين الرؤساء المعنيين وملك المغرب، إلى تأصيل وتحيين سياسي على ضوء الوقائع.. ولهذا فإن رسالة جو بايدن وفلاديمير بوتين وإيمانويل ماكرون وسيرجيو ماتاريلا الإيطالي تكاد تكون نشرات سياسية عن طبيعة العلاقات أو متطلباتها.
فقد تجاوزت رسالة جو بايدن الطابع الاحتفالي بالصداقة المغربية الأمريكية، إلى عرض برنامج سياسي استراتيجي للتعاون والشراكة، أطرها قائد القوة الكبرى في العالم بالشراكة الاستراتيجية القائمة حاليا.
أولا، شدد ساكن البيت الأبيض على الطابع المستديم لهذه الشراكة، وأضاف إليها ثلاثة عناصر مهمة للغاية:
ـ تعزيز “السلام والأمن والازدهار في المنطقة، وفي العالم”، وهو ما لا يمكن إدراك قوته إلا باستحضار حالة الارتباك السائدة في عالم اليوم، كما ورد في خطاب جلالة الملك في عيد العرش نفسه.
ـ الإنجاز المشترك بين البلدين “خصوصا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وضمان الحرية الدينية.”
وهو ما أعطى عملا مشتركا في “اشتراط مستقبل للشعبين المغربي والأمريكي¡ ومواجهة التحديات العالمية.
ـ تعزيز الأولويات المشتركة في إفريقيا وفي العالم، وهو ما يعني تلاقي العمل من أجل القارة الإفريقية وإعطائه الأولوية، كما يشدد جلالته في كل مناسبة قارية كانت أو دولية وآخرها القمة الأفرو روسية ..
وقد ختم الرئيس بايدن الرسالة بالتعبير عن الإرادة والتطلع إلى ” مواصلة تعزيز هذه الشراكة الاستثنائية بين بلدينا خلال السنة المقبلة “، وهو ما يعني مواصلة الزخم ذاته المعبر عنه سابقا، في المنطقة وفي القارة وفي العالم، علاوة على تعزيز الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين.
ولم يقتصر الأمر على رسالة بايدن في الطابع المتعلق بالتدقيق في البرامج والعلاقات المشتركة، وبعيدا عن صيغ المجاملة العامة والطبيعية بين بلدين تربطهما صداقة طويلة، بل إن رئيس الجمهورية الإيطالية، سيرجيو ماتاريلا، هو الآخر، ضمَّن رسالته توصيفا سياسيا، تمثل في تنويهه بما تعرفه العلاقات الثنائية من ” مرحلة انتعاش قوية”، كما ربط بين المناسبة وبين خطة العمل التي كانت محور تبادل ديبلوماسي ( زيارة بوريطة لروما في يوليوز الأخير ) مع تأكيد عزم “روما على التنفيذ الكامل لخطة العمل التي تم إرساؤها مؤخرا لتنفيذ شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد، من أجل مواجهة، وبشكل مشترك، التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية القادمة، التي تواجه أيضا منطقة حوض المتوسط”، وهو برنامج عمل متكامل العناصر بالإضافة إلى تحديد مجاله الجيوستراتيجي في حوض المتوسط.
نفس التوجه المستقبلي المبني على عراقة قائمة نجده عند رئيس فيدرالية روسيا، فلاديمير بوتين، الذي كتب أن “العلاقات الروسية المغربية تكتسي طابعا وديا عريقا”، معربا عن يقينه بأن “مواصلة تطويرها في مختلف الجوانب يستجيب بشكل كلي لمصالح شعبي بلدينا، ويمضي قدما في تعزيز الأمن والاستقرار بإفريقيا والشرق الأوسط”. ومعه تعود لازمة الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا، كانشغال روسي جيو ـ استراتيجي ومجال حيوي بالنسبة لقيصر روسيا وملك المغرب، بدون أن يخفى أنهما منطقتا تنازع نفوذ وتنافس استراتيجي بين العديد من العواصم منها موسكو وواشنطن وباريس وأنقرة .. ومؤخرا إيطاليا …
في مقابل ذلك انتظر جزء من الرأي العام الداخلي قراءة رسالة إيمانويل ماكرون بالمناسبة.. ومنها يمكن أن نستشف لغة ديبلوماسية قوية، ولو قرئت خارج المنطقة الضبابية التي توجد فيها علاقات البلدين، لاعتبرت برنامج عمل للارتقاء بها إلى الأعلى .
لقد تحدث ماكرون في رسالته عن كون ” فرنسا، بإخلاص واحترام، جعلت دوما التعاون مع المغرب أولوية”¡ كما أعرب عن ” قناعته بأن القدرة النموذجية للشراكة الاستثنائية التي تربط فرنسا والمغرب كفيلة بإيجاد الأجوبة المناسبة للرهانات الكبرى في الوقت الراهن”. وعبر عن يقينه في أن “العلاقة بين فرنسا والمغرب قادرة على أن تنمو وتتعزز بشكل أكبر”.
قد تكون عناصر الرسالة عتبة لتحول محتمل في العلاقة، كما قد يقرأ فيها المتفائل مقدمات لعزم في تسوية الأوضاع.. وعندما يقول ماكرون”الأجوبة المناسبة للرهانات الكبرى في الوقت الراهن”، فإنه يدرك بأن أكبر رهانات المغرب هو قضية وحدته الترابية، وعمله لإنهاء الملف المفتعل، والميل إلى ميزان الحق فيها، وبعدها يمكن أن تكون الأجوبة واردة بوضوح.
وبدون ذلك الوضوح لن تتم بلاغة النوايا المعبرعنها في الرسالة..والحال أن الجمود السياسي هو أكبر الرسائل المتبادلة بين البلدين حاليا، ويتضح من حقيقة الواقع أن الملك كان صادقا عندما اكتفى بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، في 14 يوليوز الماضي، برسالة مقتضبة في حدود الواجب الديبلوماسي عبر فيها عن “أطيب التهاني للرئيس إيمانويل ماكرون، وعن تمنياته الصادقة للشعب الفرنسي بمزيد من الازدهار والرخاء”.
طبعا، هناك رسائل لا تصل، حتى ولو كان ملك المغرب قد وجه رسالته إلى أصحابها عبر أمواج الأثير، وهذا النوع من الرسائل عادة ما يكشف انقطاع المُرْسلَة إليهم المفترضين،عن عالم التواصل الدولي كما هو متعارف عليه عالميا.. وتلك قصة أخرى‫..‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/08/2023