أفلام غيرت العالم 15- الدكتاتور العظيم

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

رغم أن السينما الناطقة ظهرت منذ 1927، إلا أن السينمائي الكبير شارلي شابلن لم يكن متحمسا لها، وظل مصرا لحوالي 13 سنة على صناعة افلام صامتة كما برع في ذلك، قبل أن يغير رأيه وينجز أول فيلم ناطق يعتبر واحدا من أيقونات السينما ودليلا إضافيا على عبقريته وحسه السياسي بل وقراءته المتقدمة لما كان يجري في العالم آنذاك ويتعلق الأمر بفيلم “الدكتاتور العظيم” الذي وجه من خلاله نقذا لاذعا للنظام النازي لهتلر، الذي كان آنذاك في أوج قوته.
تدور احداث الفيلم في دولة “تومينيا” التي يقصد بها شابلن في الفيلم ألمانيا، فخلال الحرب العالمية الأولى يصاب حلاق يهودي ويفقد الذاكرة، حيث يظل في المستشفى سنوات دون أن يعلم بأن الاوضاع السياسية في بلده قد تغيرت رأسا على عقب، وهكذا عندما سيسترجع ذاكرته ويغادر المستشفى تكون دولة “تومينيا” قد سقطت تحت سيطرة الدكتاتور النازي “هينكل” في إشارة إلى “أدولف هتلر” والذي يسعى إلى إبادة كل الأعراق غير الأرية وعلى رأسهم اليهود، يتعرض الحلاق إلى الاعتقال لكنه سيتمكن من الهرب، عندها سيخلط ضباط الجيش بينه وبين الدكتاتور “هينكل” نظرا للتشابه الكبير بينهما، قام شابلن بالدورين معا، في نفس الوقت سيتم اعتقال الدكتاتور لاعتقادهم أنه الحلاق اليهودي الهارب، وهكذا وعندما كانت “تومينيا” تستعد لشن الحرب، سيلقي الحلاق اليهودي الهارب، الذي عوض الدكتاتور، خطابا تضمن كل الافكار والمعتقدات التي كان الدكتاتور “هينكل” او هتلر يناهضها، خطاب يدعو إلى الأخوة والمساواة بين الأعراق: ففي هذا العالم متسع للجميع، كما قال، وهو خطاب ترجم مبادىء وأفكار شارلي شابلن ورؤيته للعالم، والرسالة التي تضمنها الفيلم.
كان شابلن قد بدأ يفكر في انجاز فيلم حول ادولف هتلر منذ سنة 1936، مباشرة بعد الانتهاء من فيلمه” الازمنة الحديثة” وبعد سنتين من ذلك، عندما بدأت النوايا التوسعية لهتلر تتأكد، ادرك شابلن الخطر القادم فبدأ الاعداد للفيلم، وشرع في تصويره سنة 1939، أي السنة التي نشبت فيها الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي أكد صواب رؤيته.
حقق الفيلم أكبر نجاح جماهيري لشارلي شابلن، لكن الأثر الكبير للفيلم هو في كسر الصورة الأسطورية للزعيم النازي ادولف هتلر، تلك التي سعى لأن يرسخها في أذهان العالم، كمقدمة لغزواته، فعندما أنتج شابلن وأخرج هذا الفيلم، كانت الصورة المترسخة عن هتلر أنه بطل لا يقهر، والدعاية النازية في أوج قوتها، والدول الأوروبية تتراجع صامتة أمام زحفه، والولايات المتحدة مرتاحة لسلام مزيف مع ألمانيا غير آبهة بما يجري في القارة العجوز، اوضاع كان هتلر قد استغلها لينفذ مخططه في السيطرة على العالم.
احتج هتلر رسميا على الفيلم وحاول منعه بمختلف الوسائل، كما أن بعض الدول التي كانت تسانده أو تحاول اتقاء شره منعته، لكن عرضه في الولايات المتحدة وكندا، ساهم بشكل كبير في تعبئة الرأي العام ضد الخطر النازي ولاحقا في الرفع من معنويات الجنود الذين كانوا يقاتلون إلى جانب الحلفاء، وظل الفيلم إلى يومنا هذا رسالة قوية ضد الانظمة العنصرية والشمولية ودعوة الى الحرية والمساواة بين جميع الناس.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 12/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *