أفلام غيرت العالم 4 : جعلوني مجرما

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

تغيير القوانين المجحفة، والتأثير في صناع القرار والرأي العام،  أمر لا يبدو هينا في الدول العربية لأسباب سياسية واجتماعبة عديدة، لكن يحسب لبعض الأفلام،  رغم قلتها،  انها تمكنت من ذلك، وهو ما يشكل دافعا للسينمائيين من أجل التصدي لكل الظواهر التي تعيق تطور المجتمع وتخدم حقوق المواطنين على مختلف الأصعدة.
أول الأفلام التي استطاعت أن تحقق ذلك، الفيلم المصري «جعلوني مجرما» الذي أنتج سنة 1954، وهو من إخراج عاطف سالم وبطولة فريد شوقي،  هدى سلطان ويحيى شاهين، وهو من الأفلام التي كتب لها السيناريو الأديب الكبير نجيب محفوظ، والذي كان وراء إلغاء تسجيل العقوبة الأولى في السجل العدلي لتمكين السجناء السابقين من الاندماج في المجتمع.
ومعلوم أن نجيب محفوظ، مارس في إحدى المراحل من مسيرته الإبداعية كتابة السيناريو بعد أن تعلم أصولها على يد المخرج المتميز صلاح ابو سيف،  ومن سنة 1947 إلى سنة 1960 كتب نجيب محفوظ أو ساهم في كتابة 19  سيناريو، وهو عدد مهم بالنسبة لكاتب كان تركيزه الأول هو كنابة الرواية، ومن بين هذه الأفلام،  10 أخرجها صديقه ورفيق مسيرته السينمائية صلاح أبو سيف.
بصمات نجيب محفوظ في فيلم «جعلوني مجرما» تبدو واضحة خصوصا على صعيد البناء الدرامي وبناء الشخصيات، غير أن الفضل في ظهور الفيلم ونجاحه في تغيير قانون كان مجحفا انذاك يعود إلى الممثل الشهير فريد شوقي، الذي إلى جانب موهبته كممثل كانت لديه حاسة سينمائية متميزة، حيث كان صاحب فكرة العديد من الأفلام التي نجحت إبانها ومنها فيلم «جعلوني مجرما» الذي قام أيضا بإنتاجه، وقد استلهم الفكرة خلال زيارته إلى سجن للأحداث حيث كان يشتغل أخوه وتعرف على قصة أحد السجناء ليقدم الفكرة إلى نجيب محفوظ والمخرج عاطف سالم.
ويتحدث الفيلم عن «سلطان» توفي والده وهو صغير السن واستولى عمه على ثروة أبيه الذي كان قد تزوج والدته عرفيا . يجد سلطان في الشارع مأوى له، فتصطاده عصابة من اللصوص ويبدأ أولى خطواته في عالم السرقة، عندما توفى والده سيحاول أن يسترجع ثروته لكن عمه سيحوله إلى سجن الأحداث وهناك سيقضي سنوات عديدة.
بعد أن يغادر «سلطان» السجن، سيحاول القطع مع حياة الإجرام والحصول على عمل يقتات منه، لكن كل الأبواب ستسد في وجهه لانه كان مطلوبا منه ان يقدم «صحيفة السوابق» أو السجل العدلي، وبما أنه سبق ان اعتقل ولو أنه كان قاصرا، فلا أحد كان يرضى بأن يشغله، وبعد توالي الأحداث سيقرر أن يقتل عمه الذي تسبب له في هذه المأساة ويعود إلى السجن بتهمة أشد وهي القتل.
لقي الفيلم نجاحا جماهيريا كبيرا، وكان من أسباب شهرة فريد شوقي وتفوقه على جيله من الممثلين، لكن تأثير الفيلم كان أبعد من ذلك، حيث مباشرة بعد عرضه ستقرر الحكومة المصرية إعادة النظر في القانون الجنائي وسن قانون جديد يلغي تسجيل السابقة الأولى في السجل العدلي للسجين لإعطائه فرصة ثانية قصد الحصول على شغل والاندماج في المجتمع وهو ما أنصف الآلاف من السجناء وفتح أمامهم باب الأمل من جديد.


الكاتب : عزيز الساطوري 

  

بتاريخ : 29/04/2020