أفلام غيرت العالم 7 : روزيتا

 

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

خلال مهرجان كان سنة 1999 فاجأ المخرجان البلجيكيان، الأخوان جان بيير ولوك داردين، السينمائيين والمتتبعين بفوز فيلمهما “روزيتا” بالسعفة الذهبية للمهرجان، الجائزة الأكثر أهمية في العالم، بالإضافة إلى جائزة أفضل ممثلة والتي فازت بها بطلة الفيلم، إميل دوكين.
ويعود سبب هذه المفاجأة إلى كون المخرجان لم يسبق لهما المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، كما انهما لم يكونا معروفين من قبل الجمهور الواسع للسينما، ثم وهذا هو الأساسي، قدم الأخوان داردين فيلما يتمرد على الأساليب السينمائية السائدة حيث تم تصويره بواسطة كاميرا متحركة، تتابع باستمرار تحركات البطلة، وهو أسلوب كان نادرا آنذاك، كما أن الفيلم خرق كل المواصفات المتعارف عليها من قبل صناع السينما، حيث لم يعتمد على تقنيات المؤثرات البصرية أو السمعية أو الموسيقى التصويرية.
لم يقف الأمر عند الفوز بأهم الجوائز السينمائية العالمية، فقد أثار الفيلم جدلا كبيرا، وسط السينمائيين وايضا وسط صناع القرار السياسي في أوروبا، وأدى في بلجيكا إلى إقرار قانون يسمى “قانون روزيتا” الذي يحظر على أرباب العمل تشغيل المراهقين بأقل من الحد الأدنى للأجور، ويعطي للشباب ضمانات قانونية في سوق الشغل والحصول على أول وظيفة وغيرها من الحقوق التي ساهم الفيلم في جعلها من المكتسبات، مما أكد مرة أخرى قدرة السينما على تغيير الواقع.
روزيتا هو اسم بطلة الفيلم، في الثامنة عشر من عمرها، تعيش على هامش المجتمع في “كارافان” رفقة والدتها المدمنة على الكحول، حلمها هو الحصول على منصب شغل قار وبأجر يكفل لها العيش بكرامة ومغادرة سكنها إلى سكن ملائم، لكن هذا الحلم، كما يسرد الفيلم، يصعب تحقيقه في مجتمع يستغل فيه أرباب العمل المراهقين وقانون لا يحميهم، حيث يمكن طردهم في أي وقت.
يبدأ الفيم بطرد “روزيتا” من العمل، ثم يسلط المخرجان الضوء على واقعها البئيس، والتوتر الدائم الذي تعيشه، فهي لا تطيق المكان الذي تعيش فيه، والذي لا تصله إلا بعد مشقة، ولا تجد فيه الراحة بسبب شجارها المستمر مع والدتها المدمنة، وعبر هذا الإيقاع المتوتر، تواصل بطلة الفيلم كفاحها من أجل الحصول على عمل، وعندما تتمكن من ذلك، يتم طردها، وهكذا، تستمر في دائرة مغلقة، لا مخرج منها، عنوانها البؤس والتشرد والأحلام التي لا تتحقق في عالم لا يرحم.
وعن الأسلوب الذي اعتمداه في هذا الفيلم، يقول المخرجان جان بيير ولوك داردين : أردنا أن نتابع الشخصية كما لو أنها جندية في حرب، هذا ما كان في أذهاننا، كان جسمها وحركتها هي الحدود وليس البيئة ” والحقيقة فإن هذا الأسلوب الذي يتسم بالكثير من الجرأة جعل المشاهد يتعاطف مع البطلة، وتمكن من خلاله المخرجان من كسب الرهان، إخراج فيلم يدق ناقوس الخطر حول الأوضاع المزرية التي تعيشها هذه الفئة التي ألقى بها نظام ليبرالي متوحش إلى هامش المجتمع، لدرجة انه ، الفيلم، فرض على المسؤولين إعادة النظر في القوانين التي تشرع الاستغلال، وبذلك ارتقى “روزيتا” إلى قائمة الأفلام التي كان لها تأثير إيجابي ومباشر على الواقع الاجتماعي.

 

 


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 02/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *