التاريخ الديني للجنوب المغربي سبيل لكتابة التاريخ المغربي من أسفل 6

محمد الحنفي ومخزنة الزاوية

تسعى هذه المقالات التاريخية إلى تقريب القارئ من بعض قضايا التاريخ الجهوي لسوس التي ظلت مهمشة في تاريخنا الشمولي، وهي مواضيع لم تلفت عناية الباحثين فقفزوا عليها إما لندرة الوثائق أو لحساسياتها أو لصعوبة الخوض فيها. ومن جهة أخرى فإن اختيارنا لموضوع التاريخ الديني للجنوب المغربي راجع بالأساس إلى أهميته في إعادة كتابة تاريخ المغرب من أسفل وهو مطلب من مطالب التاريخ الجديد الذي قطع أشواطا كبيرة في فرنسا.

 

تولى شؤون الزاوية في وقت أصبح المخزن يتدخل في شؤونها الداخلية حيث عين عليها بثلاثة ظهائر سلطانية (السوسي محمد المختار، المعسول الجزء6، ص-306 307)، بالنسبة للظهير الأول فهو مؤرخ في19 شوال 1297ه، يقر فيه المخزن بتزكية وإقرار الشيخ خلفا للشيخ الحسن التيمكديشتي كما أسندت بواسطته أمور الزاوية وولي أمر الإمامة والتربية والتلقين الصوفيين، كما تضمنت الرسالة أمر السلطان الشيخ باتباع عوائد سلفه أما المراسلة الثانية المؤرخة بـ 22 رجب الفرد الحرام 1299هـ، فهي ظهير توقير واحترام مجدد حيث فيه اعتراف ضمني بنسبهم الشريف وفي أمر بمنح الأعشار للشيخ الحنفي. وتبقى المراسلة الثالثة والتي جاءت بعد يومين من المراسلة الثاني فهي البيت القصيد وهي التي تفصح عن نوع العلاقة بين الشيخ والسلطان حيث أقر فيها السلطان ضرورة منح جميع أعشار القطر السوسي للشيخ وإعادة توزيعها على من يستحقها من الطلبة والفقراء. ولتحليل نوع الخطاب واستجلاء نوع العلاقة بين الشيخ الحنفي والسلطان ندرج هذه المراسلة السلطانية التي توحي بعدة دلالات تؤكد على ضرورة تمتيع الشيخ بحيازة أعشار وزكاة القبائل السوسية والتي توجد تحت تراب الزاوية، وهو امتياز فريد من نوعه لا نجد له مثيلا عند بعض الزوايا الأخرى مثل الدرقاوية والتيجانية، كما لا نجده عند الفروع الناصرية الأخرى الموجودة بسوس والتي أشرنا إليها سلفا. وهذا نص الرسالة:
“يعلم من هذا الطرس الكريم، الملتقى مضمنه بالإجلال والتعظيم أننا بحول لله وقوته، وشامل أفضاله ومنته، أقررنا الزاوية التيمكديشتية على الاستعانة بزكاة قبيلة هرغة وأعشارها. من أملاكهم التي لهم وسط قبيلة هوزالة والذراع التحتاني، وكذا أعشار قبيلة هرغة وزكواتهم أينما كانوا وحلوا من غير أن نخص من ذلك فريقا منهم دون فريق. كما أقررناها على الاستعانة بأعشار بني ميمون وزكواتهم كذلك، إقرار تاما شاملا مطلقا عاما، فنأمر الواقف عليه خدامنا وولاة أمرنا عموما أن يعمل بمقتضاه ولا يحيد عن كريم مذهبه ولا يتعداه، كما نأمر حمادا شيخ هوزالة خصوصا ألا يتعرض لمقدم الزاوية المذكورة المرابط الأرضى السيد الحنفي بن المدني التيمكديشتي على أعشار أملاك هرغة التي وسط هوزالة والذراع التحتاني، وأن يقف عند حده. ويرفع يد الترامي عليهحذار من مصادمة حده .صدر به أمرنا المعتز بالله تعالى في أواسط رمضان المعظم عام تسعة وتسعين وماتين وألف”، (أحمد عمالك، مرجع سابق).
يتضح من خلال فحص مظان بعض المراسلات التي تمكنا من قراءتها على أن العلاقة كانت مبنية على استفادة كل طرف من الآخر، فمقابل دعاء محمد الحنفي للسلطان في صلاة الجمعة والعيدين وحث الناس على طاعته وهي – القاعدة التي ظلت معدومة عند الشيوخ الأوائل الذين اعتبروا ذلك من باب البدع – فها هو ذا محمد الحنفي يجسد سياسة السلطان مقابل أمره القائد التامانارتي أن يكف عن مضايقة أملاك تيمكديشت في رسالة خاصة وهذا مضمونها:
“محبنا المرابط السيد محمد الحنفي التمكديشتي وبعد وافى حضرتنا مسطورك منبئا بتمادي التمنارتي ومن على شاكلته على الادعاء بالباطل فيما يرجع لنقص من مصالح الزوايا معضدين له بالثبات الباطلة، وعلمنا ما شرحته من عدم تقصيرك في الدعاء لعلي جنابنا وبذل طاقتك في نصح العامة وحضها على الطاعة والامتثال وظهور أثر ذلك بهم وصار بالبال أما تمادي من ذكرت على ما ذكرت فسنرى فيه بالمقتضى إن شاء لله وأما فذلك الجهد فيما بث فتقبل لله منك والسلام مستهل محرم الحرام 1303هـ.(كناش رقم 371، ص، مديرية الوثائق الملكية، نقلا عن احمد عمالك، مرجع سابق)
كما ذأب الشيخ على تنفيد قرارات المخزن والسير على خطاه وهو ماتؤكده هذه الرسالة الجوابية الصادرة عن السلطان:
محبنا الأرضى المرابط الخير السيد الحنفي التمكديشتي وبعد فقد وصل كتابك مخبرا بما عزمت عليه الوفود على حضرتنا الشريفة مع من أشرت إليه من أهل تلكم النواحي لتجديد العهد لجنابنا وعلمنا ما طلبت من إنجاز ما وعدت به في شأن السواقي الخمس المسماة بكتابك عند حلولنا بهذه الديار الحوزية وأشرت بإلزام أهل وادي نون دفع المؤونة للمخزن بأيت باعمران ومجاطة والسهل ومن بأحوازهم بتزنيت ليظهر مصداق خدمتهم وينصب من بعمل الحساب مع اهل راس الوادي على ما بقي بذمتهم وويوخذ منهم بما تقتضيه القوانين المخزنية تصديقا لدعواهم الخ. وصار بالبال فأما الوفود فمرحبا وأما السواقي فقد كشف الغيب أنها بيد ملاكها بالملك المسلم خلفا عن سلف بصحيح الحوز وطويل التصرف بالغرس والبناء والاشتغال السنين العديدة والمدد المديدة ورسومهم بها عاملة وملكياتهم لها كاملة بحيث لا سبيل للكلام فيها مجال واما المؤونة والحساب فقد صار على بال والسلام قي 23 ربيع الأول عام 1303 هـ (كناش رقم 371، مديرية الوثائق الملكية، نقلا عن أحمد عمالك)

 


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 01/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *