لاتحص خيباتك ولا تعدد هزائمك

ها أنت الآن في منزلك بعدما أرغمك الجلاد كوفيد التاسع عشر على التزام الحجر الصحي حتى لا يهزمك ويهزمَ بك آخرين، حسنا فعلتَ، فالهروب من عدو خبيث لا يعرف للحرب قواعد ولا ضوابط هو عين الصواب، ومواجهته بصدر عارٍ تحمل كل معاني التهور والحَمَق والجنون.
حسنا، أَبْشِرْ، فقد ربحت نصف الرهان، وأنت قريب من الانتصار حينما ستجعل العدو كوفيد التاسع عشر مرميا في الطرقات وغيرها، دون أن يجدك أمامه، ليلفظ أنفاسه غيظا، وننتهي من حكايته في ظرف وجيز.
الآن، وحتى لا تهزم نفسك، وتكون عَدُوَّهَا البديل، أنصحك ألا تحصي خيباتك، وألا تقضي نهارك وليلك مُعَدِّدًا خساراتك، لا تتحسَّرْ على أويقات قضيتها رفقة الأصدقاء والأصحاب وحَرَمَكَ منها كوفيد التاسع عشر، لا تذرفْ دمعاً لأنك ممنوع من الخروج، لا تحزن على ما قد تكون فاتتك من فرص الحياة في هذه الآونة، إياك ثم إياك أن تعيش على الاسترجاع الدامي لماضٍ جميل حال دون اتصاله بالحاضر وباء خبيث، ولك بالمقابل أن تهيم به في دروب هذا الماضي، وأن تستدعيه لا لتتعذب به، بل لتستمتع بتفاصيله التي قد تكون فاتتك في خضم انشغالاتك اليومية.
عش لحظتك الآن، وتَكَيَّفْ مع الظرف الجديد، وأمامك فرص بعدد نجوم السماء لتعيش حياة سعيدة، اغلق نافذة الأسف على الماضي الذي وَلَّى، وافتح باب مغازلته وتذوق لذته  بما علق في ذاكرتك من صوره الجميلة، تَمَلَّ بِحَاضِرِكَ، تصالح مع الكتاب إن كنت في خصام معه، فكر في كتابة قصتك، وحاول مهما غالبك الخجل والتردد، تواصلْ مع من تريد، اخْتَلِ بنفسك وحَدِّثْهَا عن مشاريعك المتنوعة، تمنطق بالأمل في حياة أفضل، وإن لم تفعل فأبشرك منذ الآن أنك ستنهار، وربما ستجني على نفسك بما لم يستطع الفيروس إتيانه في حقها.
أوقف عاجلا عَدَّادَ إحصاء الضربات القاتلة كما أوقفه من عاشوا وضعا لو اطلعت عليه، أو قرأت عنه فستكتشف أنك تعيش الآن في النعيم المقيم، هؤلاء الذين كتبوا في أدب السجون يتفقون على فكرة واحدة، ويجمعون على فاعليتها، وعلى الدور الكبير الذي كان لها في حسم المعركة لصالحهم ضد جلاديهم، ستكون أنت المنتصر كذلك، إن التزمت بها، وستخرج من هذا الحجر بلا كدمات، ولا رضوض، ولا جروح نفسية، وستقاوم جلادك كوفيد التاسع عشر مهما طالت مدة الحجر، يقول أحدهم: «حين تُجْلَد لا تنشغل بالتفكير في أَلَمِ الجلد، حاولْ أن تشغل نفسك بماضٍ لصيق بالفؤاد، حاول أن تغوص في أجمل ذكرياتك وتعيشها…إياك أن تَعُدَّ مع الجلاد سِيَاطَهُ…انشغلْ بغير العَدِّ» ( أيمن العتوم، رواية يسمعون حسيسها، ص59).


الكاتب : نور الدين الطويليع

  

بتاريخ : 09/04/2020