أفلام غيرت العالم 19- على رصيف الميناء

هناك تعريف شائع يقول بأن السينما هي إعادة ترتيب الوعي في عقول الجمهور، فالسينما ليست فقط مرآة تعكس ما يجري في المجتمع بل أيضا أداة لإعادة تشكيل المجتمع.
فإذا كانت السينما، ككل الفنون، أداة للتعبير عن رؤية معينة اتجاه الواقع، إلا أن تأثيرها على الناس أقوى من كل أدوات التعبير الفنية الأخرى، حيث استطاعت، منذ ظهورها، أن تشكل قوة مؤثرة في الرأي العام، قوة قادرة على تكوين أو المساهمة في تكوين رؤية مشاهديها لهذا العالم وأن تؤثر بشكل ملحوظ في تغيير نظرتنا للواقع بمختلف تجلياته.
ضمن هذا الاتجاه تميزت أفلام عديدة، بكون تأثيرها كان أقوى من غيرها حيث انها كذلك قادت إلى تغيير قوانين، سياسات، سلوكيات وأفكار، كان العديد منها يعتبر من المسلمات، وبذلك تتضح القدرة الفائقة للسينما على تغيير الواقع والوعي الإنساني.
في هذه السلسلة مجموعة من الأفلام التي، بفضل جرأتها، ثرائها الفني وعمقها الإنساني، استطاعت أن تساهم بشكل كبير في تغيير العالم إلى الأفضل.

 

بعد النجاح والتقدير الذي حظي به فيلمه “عربة إسمها الرغبة ” الذي أنتج سنة 1951، سيعود المخرج الأمريكي “إيليا كازان” ليوقع واحدا من أهم الافلام في تاريخ السينما الأمريكية والعالمية، والأكثر تأثيرا وإلهاما، ويتهلق الأمر بفيلم “على رصيف الميناء” او “in the waterfront ” حسب العنوان الأصلي للفيلم الذي أنتج سنة 1954 .
فيلم “على رصيف الميناء” كتب له السيناريو “بود شولبرغ” وقام بأدوار البطولة فيه “مارلون براندو” في واحد من افضل أدواره إلى جانب دوره في فيلم “العراب”، بالإضافة إلى ” كارل مالدن” و”إيفا ماري سانت”.
اعتمد السيناريو على وقائع حقيقية تناولها الصحافي “مالكوم جونسون” في مجموعة من المقالات حول الإضرابات التي شنها عمال ميناء نيويورك ، ومن هنا تناولها الفيلم في إطار ميلودرامي سلط من خلالها الضوء على واقع عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك ومعاناتهم من جراء تسلط المسيطرين على اتحادهم النقابي والفساد السائد هناك، وضربهم عرض الحائط بحقوق ومصالح العمال الذين كانوا يعانون على مختلف الأصعدة.
ويتحدث الفيلم عن مقتل أحد العمال الذين رفضوا الانصياع للمسيطرين على النقابة والذي هدد بكشف فسادهم، ومنهم المحامي شارلي مالوي، الذي استخدم شقيقه ” تيري مالوي” وهو أحد العمال في الميناء، في عملية تنفيذ الاغتيال دون أن يعلم، ليصبح العامل “تيري” الذي قام بدوره “مارلون براندو” في حيرة كبيرة، بين الوفاء لشقيقه أو الاستجابة لنداء الظمير وكشف القتلة والمفسدين، معاناة ستزداد بعد تعرفه على شقيقة القتيل ووقوعه في حبها، ليقرر في الأخير مواجهة هذه المافيا في مشهد أصبح من اكثر المشاهد الملهمة في تاريخ السينما.
حظي الفيلم بإقبال جماهيري كبير وإعجاب النقاد عالميا، وحصد ثمانية من جوائز الأوسكار سنة 1955 من بينها أوسكار افضل فيلم وأفضل سيناريو وأفضل إخراج وأفضل دور للمثل ” مارلون براندو” ، والأهم من هذا كله، تأثيره الكبير على الحركة النقابية في الولايات المتحدة في مرحلة كانت تشهد فيها البلاد العديد من الاضطرابات، ويعود إليه الفضل في تغيير القوانين الخاصة بالانتخابات العمالية، الذي تم بعد سنة من إنتاج الفيلم، وتحسين المستوى المعيشي للمنتمين إليها.
ويعتبر الفيلم بالإضافة إلى ذلك من أهم الافلام التي انتجتها هوليود حول أوضاع العمال، وسجل اسمه كواحد من أفضل الأفلام في تاريخ السينما، في مختلف التصنيفات التي صدرت سواء في التسعينات من القرن الماضي أو بعد ذلك.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 16/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *