أي تجديد لا يسمى تجديدا إلا إذا اخترق الأصول 18 : الأعمار والأرزاق غير محددة سلفا بالنسبة للأفراد

كتاب “تجفيف منابع الإرهاب”  للدكتور محمد شحرور ، كتاب يضع من خلال فصوله ، الأصبع على الجرح بشكل  مباشر .
العنوان قد يراه البعض أنه مستفز، انتبه إليه الدكتور شحرور وأجاب عنه بوضوح  تام، حيث يؤكد أن اختيار هذا العنوان جاء  لقناعة منه، بأن الحل الأمني فى معالجة ظاهرة الإرهاب المنتشرة فى العالم لا يكفي،  وإنما هى مرتبطة بأمرين اثنين وهما، الثقافة المنتشرة فى مجتمع ما، والاستبداد.
في ثنايا هذا المؤلف المهم ،تطرق  الفقيد الدكتور محمد شحرور إلى  مواضيع  عدة ويتساءل أيضأ ،هل الإسلام حقا مسؤول عن  الإرهاب  ،أم المسؤول هو الفقه الإسلامي التاريخي، الذى صنع إنسانيا بما يلائم الأنظمة السياسية؟،كما تطرق إلى سؤال آخر ، هل القضاء على الحركات الإسلامية المتطرفة يتم  بمكافحة الإرهاب، وهل الحروب والقوة المسلحة كافية للقضاء على الإرهاب،  أو أن له جذورا فى أمهات كتب الفقه؟.
لم يتوقف الكتاب عند  طرح  الأسئلة  فقط، بل يجيب عنها بعقلانية أيضا،كما وقف بالتفصيل على تفاسير  معاني العديد من الآيات القرآنية  الكريمة،ويؤكد أن تفسيرها غير الصحيح،سبب  انحرافا ملحوظا عن الرسالة التى حملها الرسول (ص)، لتكون رحمة للعالمين، كالجهاد والقتال والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والولاء والبراء والكفر والردة.
الطبعة الثانية الصادرة عن دار الساقي،جاءت، لأن المنهح كما يقول المفكر محمد شحرور،  فرض علينا تعديل بعض المفاهيم التي وردت في الطبعة الأولى،  ولاسيما أن هذه التعديلات أجابت عن تساؤلات كثيرة كانت لاتزال  عالقة.
لايحمل الكتاب فقهاء تلك العصور وزر مانحن فيه كاملا، بل حمل المسؤولية من أتى بعدهم وزر الوقوف عند رؤيتهم بصحيحها وخطئها، داعيا إلى الخروج من القوقعة التي نحن فيها.
ونبه الكتاب إلى ضرورة ألا نضع أنفسنا كمسلمين في موضع الاتهام بكل مايعيشه العالم من تطرف وإرهاب، في نفس الآن، يرى أنه لزاما علينا  إعادة النظر في أدبياتنا وماتراكم من فقه،فالعالم لايتهمنا دائما بغير وجه حق، ويخلص إلى أن الشباب الذين ينفذون عمليات انتحارية ليسوا مجرمين في الأساس، بل هم  غالبا ضحايا تزوير الدين وتشويهه، فهم من وجهة نظره، نشأوا على تمجيد الموت، والنظر إلى القتل كالقتال والشهادة، والآخر المختلف كافر يجب القضاء عليه.وتعلم أن الجهاد في سبيل الله هو قتل الكافرين، بغض النظر عن مقياس الكفر والإيمان. 

 

فإلى جانب  الأعمار، يتطرق محمد شحرور إلى الأرزاق، ويستشهد بالآية الكريمة التي تقول “نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا  بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون “، في هذه  الآية الكريمة، يفسر لنا  الدكتور محمد شحرور، شارحا  بأن هذه الآية تبين لنا قواعد التنظيم الاجتماعي المتحضر، وتوضح أن الإنسان يمارس عملا واحدا في معاشه، فيعمل في الزراعة وغيره ،يعمل في الصناعة وغيرهما ،يعمل في التجارة أو الخدمات، ثم تشير إلى التسخير “ليتخذ بعضهم بعضا سخريا “ويرى، أن هذا المفهوم يعني التكافل والتكامل بين أفراد الجماعة، فالمزارع يشرح الدكتور محمد شحرور، مسخر لإطعام العامل في المصانع، والطبيب مسخر لعلاج هذا وذاك، والمعلم مسخر لتعليم أبناء هؤلاء جميعا، والآية يقول، لاعلاقة لها بالتحديد المسبق لأرزاق الأفراد، كل على حدة.
ويرى أن الفقهاء قرأوا قوله تعالى “وفي السماء رزقكم وماتوعدون”، فظنوا  أن أرزاق الناس-جماعات وأفرادا-محددة سلفا، وهذا صحيح على صعيد الجماعات الإنسانية، يقول محمد شحرور، إن فهمنا الآية بمعنى الجمع الكلي،لكنه غير صحيح على صعيد الأفراد، ويشرح ذلك، بالتأكيد على أن الآية تتحدث عن الجماعة الإنسانية بمعنى الجمع، وتبين أن أرزاق الناس لها مصدران تأتي منهما، الأول، خيرات الطبيعة من نبات  وحيوان ومعادن، والثاني، العمل، أما خيرات الطبيعة من طعام وشراب وأنعام، فأساسها الماء، ولهذا يقول، سمى سبحانه المطر في هذه الآية رزقا، وهو يأتي من السحاب في السماء الدنيا تماما كما في قوله تعالى “وماأنزل لله من السماء من رزق  فأحيا به الأرض بعد موتها “.
وأشار  أيضا إلى الأعمال، التي يقول الفقهاء إنها مرسومة محتومة لا مناص للإنسان إلا أن يفعلها، فالقول بهذا  يضيف محمد شحرور، يجرح العدل الإلهي حين يعاقب رجلا على ارتكاب إثم مكتوب عليه بالأصل، ولا يبقى معه معنى ليوم الحساب بما فيه من ثواب وعقاب، ولايتناسب كما يرى المفكر العربي محمد شحرور، مع عشرات الآيات في التنزيل الحكيم التي تربط مصير الإنسان في الآخرة بأعماله في الدنيا، وهذا لا يكون إن كان “المكتوب على الجبين لازم تشوفو العين “، الذي ترسخ في عقول الناس وعلى ألسنتهم.
واستدلالا  على قوله، جاء  بالعديد من الآيات الكريمة كقوله تعالى “كل امرىء بما كسب رهين “وقوله تعالى “وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا “وأيضا “اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا “وكذلك قوله تعالى “من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها  وماربك بظلام للعبيد “، ويشدد على  أن  الكسب  في آية الطور، فهو عائد العمل وناتجه ومردوده ،والطائر في آية الإسراء، هو ماتجاوز من عمل الإنسان إلى الآخر.
والكتاب يقول محمد شحرور، هو سجل الأعمال التي اختارها الإنسان الواعي لنفسه في الحياة الدنيا، ومن هنا يقول، إن القاريء المتأمل لايحتاج إلى إجازة في علم التجويد ولا دكتوراه في علم أسباب النزول ليفهم أن لله سبحانه وتعالى، حين ترفع الأقلام وتجف الصحف، يجبر عباده على فعل ماكتبت الأقلام في الصحف وليس مايختارونه ثم يثيبهم أو يعاقبهم، يكون ظالما ولا يبقى معنى لهذه الآية   “من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وماربك بظلام للعبيد “.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *