السلطات الجزائرية تستهدف المواقع الإخبارية المعارضة

فرضت السلطات الجزائرية الرقابة على العديد من المواقع الإخبارية الناشطة في تغطية الحراك الشعبي المناهض للنظام، بحجج منها التمويل الأجنبي غير القانوني، ما أثار قلق الجمعيات التي تدافع عن حرية الصحافة وحقوق الإنسان.
وقال مدير منظمة مراسلون بلا حدود لمنطقة شمال افريقيا خياطي صهيب لوكالة فرانس برس ” الجزائر هي البلد الذي يسجل أكبر عدد من ضحايا فيروس كورونا في إفريقيا وتفضل السلطات تركيز هجماتها على الصحافة الحرة”.
ومساء الأحد قال مؤسس ورئيس تحرير موقع “انترلين” الإخباري الجزائري بوزيد إشعلالن إن السلطات فرضت رقابة على موقعه.
ولم يتسن لوكالة فرانس برس الحصول على تعليق من وزارة الاتصال الجزائرية.
وهذا ثالث موقع جزائري تحجبه السلطات عن المتصفحين الجزائريين منذ العاشر من أبريل، بعد موقع “مغرب ايميرجون” الإخباري وموقع “راديو ام” المرتبط به والذي يبث على الانترنت.
وبين 2017 و2019 تعرض موقع “كل شيء عن الجزائر” مرارا للحجب.
واعتبر إشعلالن أن “السلطة تريد دفع وسائل الإعلام الجادة إلى الإغلاق والسماح للرداءة بالسيطرة على هذه المهنة النبيلة”.
وسبق لموقع “انترلين” أن تعرض للحجب صيف 2019 بسبب تغطيته مسيرات الحراك التي دامت أكثر من عام قبل أن تتوقف مؤخرا بعد انتشار فيروس كورونا المستجد.
واتهم وزير الاتصال عمار بلحيمر، وهو صحافي سابق، وسائل إعلام محلية ­ بما في ذلك “راديو إم” ­ بتلقي تمويل أجنبي، وهو ما يمنعه القانون.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس حول هذا الموضوع، أكد إشعلالن أن موقعه “أنترلين” حصل على تمويله بنسبة 100 في المئة من الإعلان عبر الإنترنت في الجزائر.
وبالنسبة لسعيد صالحي، نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن الهجوم على مواقع الإنترنت يرجع إلى أنها “أكثر نشاطا” من وسائل الإعلام التقليدية وأنها “لا تعتمد على إعلانات وكالة الإشهار الحكومية”.
وأشار صالحي إلى أن هذه المواقع “صحافة تفلت من سيطرة الدولة ووسائلها الاستبدادية”. واليوم ، تريد أن “تستعيد السيطرة عليها خاصة في ظل وجود فراغ قانوني في ما يتعلق بالصحافة الإلكترونية”.
وفي موازاة ذلك، صادق مجلس الوزراء الجزائري، الأحد، على تعديلات في قانون العقوبات، لتشديد الأحكام واقتراح أخرى من أجل “تجريم الأفعال التي عرفت انتشارا كبيرا خلال السنوات الأخيرة إلى درجة تهديد الأمن والاستقرار في البلاد، ومن بينها ترويج أنباء كاذبة للمساس بالنظام والأمن العموميين، والمس بأمن الدولة والوحدة الوطنية…”.
ولكن منظمة مراسلون بلا حدود تخشى “استغلال” الإجراءات القانونية الجديدة من أجل “إسكات الصحافة”، مشيرة إلى أن “السلطات تضفي الشرعية على ممارسات كانت تتعارض مع الدستور الجزائري”.
ومشروع تعديل قانون العقوبات هو “تشديد آخر ضد الحريات ، بهدف إضفاء الشرعية على حملة القمع التي استمرت منذ شهور على نشطاء الحراك والصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يتعرضون أصلا للملاحقة والمحاكمة والسجن بشكل تعسفي “، كما أوضح نائب رئيس رابطة الدفاع عن حقوق الإنسان، الذي طالب بسحب النص المقترح من الحكومة.
وهناك على الأقل صحافيان جزائريان وراء القضبان: خالد درارني، الصحافي المستقل ومراسل منظمة مراسلون بلا حدود في الجزائر، وسفيان مراكشي، مراسل قناة الميادين اللبنانية. وبالنسبة لمحرز بوعيش، أستاذ الفلسفة السياسية بجامعة بجاية “شمال شرق”، فإن الممارسات التي كانت سائدة في عهد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة “1999­2019” لا تزال سارية.
وقال “الأمر مقلق ويظهر أننا لسنا في الجزائر الجديدة، التي وعد بها خلفه عبد المجيد تبون ، في وقت يطالب فيه الناس بمزيد من الحرية واحترام حقوق الإنسان”.
وتم انتخاب عبد المجيد تبون للرئاسة في ديسمبر الماضي في اقتراع رفضه “الحراك” مع نسبة امتناع واسعة عن التصويت (أكثر من 60في المئة).

«كوفيد­19»
يشكل “مكسبا” للنظام

وإلى ذلك، أكدت مؤسسة جان جوريس، أن الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس “كوفيد­ 19” تشكل “مكسبا” للنظام الجزائري من أجل مواصلة سياسته القمعية ضد الحراك، هذه الحركة الاحتجاجية الشعبية التي تهز البلاد منذ فبراير 2019.
وأكد خوسيه غارسون، عضو مرصد شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمؤسسة جان جوريس، في مقال تحليلي تحت عنوان “الجزائر.. كوفيد­19 تأتي لإنقاذ الجنرالات”، أن هذه الأزمة تمكن “السلطات من مواصلة سياستها القمعية وعدم تقديم إجابات للحراك، الحركة التي قررت تعليق تعبئتها بعد أن تحتم عليها ذلك”.
وأشار كاتب المقال التحليلي إلى أن “النظام الجزائري، المستهجن من طرف الشارع، تمكن للمرة الأولى، في 12 دجنبر 2019، من تغذية الشعور بـ “النجاح، من خلال تمرير “انتخاباته” الرئاسية وفق منطق القوة، لكنه واجه منذ ذلك الحين نفس الاستحالة: إنهاء الحراك، هذا التمرد الشعبي النموذجي من خلال سلميته ووقعه ونضجه”.
وحسب خوسيه غارسون، فإن “وباء من القرون الوسطى مكن من الحصول على ما لم يكن” صناع القرار “العسكريون يأملون به، وضع حد لمسيرات الحراك الأسبوعية التي تطالب، منذ أكثر من عام بـ “تغيير النظام.”
وقال خوسيه غارسون، الصحفي المتخصص في منطقة المغرب العربي، لاسيما الجزائر، أنه “وبعد أن قدم دليلا آخر على الحكمة والضمير السياسي، قرر الحراك بنفسه تعليق تجمعاته”.
وهكذا ­يضيف خوسي غارسون­ “من الواضح أن النظام، الوفي لنهجه، يعتزم بكل وضوح الاستفادة من الوباء والهدنة الصحية التي أعلن عنها الحراك… لقمع الصحافة وفرض الرقابة عليها. فهو يسعى في جميع أنحاء البلاد إلى إسكات المناوئين الناشطين السياسيين أو الصحفيين، وثني الآخرين وإخافة الجميع”.
ومع ذلك، يقول كاتب المقال التحليلي، إنه “من الخطأ أن يبتهج صناع القرار بالمغنم”، بالنظر إلى أنه مع “كوفيد­19″، يتعين على النظام الآن تدبير زلزال صحي وازن، قد تكون تكلفته البشرية كبيرة، بالنظر إلى تدهور المنظومة الصحية.
وشدد على أن “هذا الإهمال الذي أماط عنه كوفيد­ 19 اللثام، ما فتئ يلاقي الشجب منذ عشرين سنة، على ضوء الإضرابات المتكررة، من قبل الأطباء والمتدربين في المستشفيات، التي كانت تجمعاتهم إحدى محركات الحراك”.
وبحسب هذا المتخصص في الشأن المغاربي، فإن “الخطر الصحي في الجزائر يعمل بمثابة كاشف لأزمة سياسية، اقتصادية واجتماعية أيضا. فمقاومة وقع هذه الأزمة الصحية والنفطية، وإخراج البلاد من العاصفة الاقتصادية التي تتجه صوبها، يتطلب أولا الخروج من المأزق السياسي الحالي، للتحرك في اتجاه نهج المصالحة وبناء التوافق الوطني”، مضيفا “نحن بعيدون عن ذلك بالنظر إلى التشديد الأمني الذي تم تسجيله في سياق أزمة فيروس كورونا المستجد”.


بتاريخ : 22/04/2020