المسافر

 

اليومَ :
لا شيء يُعجبُ
قالها الشَّاعرُ،  وركِبَ الباصَ
مع عُمَّالِ المَناجمِ ،
والمرأةِ ،
والطالبِ الشُّيوعيِّ .
قالها غاضباً مِنِّي ،
وهو يُخرِجُ اللغةَ مَنْقوعَةً
من برميلٍ .
مبللةً ببَوْلِ القِطَطِ .

لا شيء يُعجبُ
قالتها أمي غاضبةً مِنِّي ،
ومن الشَّاعِر
وهي تكتبُ أحْزانَها
على الجُسورِ ،
والأرْصفةِ ، بِلُغةٍ مَدْهونةٍ
بزيتٍ محروقٍ .

قالت : أُتْرُكْ أصابِعَك تَأْتيني
في المساء ،
اُتْرُكْها
تَكْبرْ مع الصُّنوجِ ،
و تَطْفُ قليلاً
كيْ تَفِيضَ بالأَماكنِ ،
والمَوْج .

أنا اليومَ :
أيقنتُ أن ورقةَ التوتِ ،
لن تَسْقُطَ في النَّهر .
ستطيرُ بها الرِّياحُ
بعيداً ، وتَنْقُرُها العصافيرُ الجائعَةُ
قبْلَ أنْ تَصلَ
إلى الماءِ .

الآن ،
لا شيءَ أجُرُّهُ
في عَربةِ المَوْتى
سوى قَريةٍ من أَشْباحٍ ،
ومُخْبِرينَ ،
وفزَّاعاتٍ
كُنَّا نُخيفُ بها أسْرابَ
الجرادِ .
في سنوات الحَرْب ،
والعَطَش .

لا شيء أصبح يُعْجِبُ
في هذا الطَّقْسِ الرَّديء :
نبيذٌ رديء ،
تبغٌ رديء ،
شعرٌ رديء ،
وشمسٌ تنامُ على سَريرِ
الشَّاعر المُسافِرِ
في البَاصِ ،
إلى المَجْهول .

ماذا لوْ صِرْتُ كائناً مِجْهَرِيّاً
هل ستكون لي جيناتُ
النَّملِ ،
وأَصيرُ بأَنْيابٍ حادَّةٍ
و أَجْنِحَةٍ ؟

ما الذي سأجرُّهُ ورائي
في عَربةٍ الشَّيْخِ :
لوتريامون غاضبٌ
من قصيدة النَّثْرِ ،
حَانِقٌ يَلْعقُ مَوتَهُ ،
ومَوْتَنا البَطيء .
ماذا أَجُرُّ إذن ، حتى لا يَغْضَبَ مِنِّي ؟
لرُبَّما قد يأتي الطوفانُ
وأَسقطُ فجأةً مثلَ حصانٍ
جَرَفتْهُ السُّيولُ ،
ثم اجرُّ معي ساحلاً ،
وحاناتٍ
واَفْرِطُ في الشَّرَابِ .

هذا السَّرطانُ المُتَرَبِّصُ
ببُرْجي ، هو بُرْجي اللَّعين
كيف يقْتلُ أُكتافيو باث
ويأْخذُ أُمي من حَديقَتِها ،
وشَجرَتِها الخَضيلَةِ .
من مُدَّةٍ ، لم تُشْرِقْ شمسُ اللهِ
في الحُقُول ،
ولا عادت تُشْرِقُ
في المِيعَادِ .

هل أَتركُ هذا القارئَ :
(يُوَجِّه القَصيدةَ ،
و يُلْقي بها في مِغّسَلةٍ مُكتَظَّةٍ
بالقَصائِد )
هل أَتْرُكُهُ يَفْقِدُ حَواسَّهُ كُلَّما قرأَ لي
في الجَرِيدَة ؟.
ماذا لو صِرْتُ أنا الشَّاعِرَ ،
والقارئَ ،
هل أَرْكَبُ الباصَ ؟
و أَطْلبُ سيجارةً ؟
ثم أَبيعُ القَصائِدَ مع المِظَلَّاتِ
في مَحَطَّاتِ المدينة ؟.

وُجوهٌ رَأَيْتُها اليومَ في مِرْآةِ الفُنْدُقِ :
فريدا كاهالو تَبيعُ لوحةً
في سوق السَّمَكِ ،
لينين بدون مِنْجَلٍ ،
كافكا في مَقْطورَتِه يَحْتَسي
نبيذاً مع بعض السّلْطَعونِ .

و أنا أَرْبِطُ اللَّيْلَ
بالحِجَارَةِ ،
و أَصْهلُ مثل فَرَسِ النّهْرِ
في الرِّيح .


الكاتب : مصطفى لفطيمي

  

بتاريخ : 25/10/2019