المنتدى السعودي للإعلام … الثقافة والإعلام عتبة التشكل الحضاري الجديد لبلاد الحرمين .. وعينه على النموذج الكوري!

 

بدا واضحا أن اختيار ذكرى »يوم التأسيس« المصادف ليوم 20 فبراير- 1727- 2024- لافتتاح فعاليات المنتدى الثالث للإعلام في السعودية ليس محض صدفة، بل كان اختيارا يحمل ما تريده الرياض من منتداها الدولي، الذي جمع ألفي (2000 ) مشارك، ومما يعزز هذا الفهم، الحضور القوي للمسؤولين الكبار والرسائل التي وجهتها الشخصيات الكبرى، سواء على مستوى النجاح الإعلامي، من قبيل الوليد بن إبراهيم آل إبراهيم، المؤسس لقناة »إم. بي. سي« MBC ورئيس مجلس إدارتها، أو قادة الرأي الديني أو الخطب التي وجهها المسؤولون في الإعلام من قبيل الوزير سلمان الدوسري أو رئيس الهيئة السعودية للتلفزيون محمد الحارثي، وحضور وزراء سابقين في تسيير الجلسات العمومية الكبرى…علاوة على الأمير الشهير عبد الرحمان بن مساعد، الذي يعد مقربا من رجل الدولة القوي ولي العهد محمد بن سلمان، وقد أثار مؤسس »إم. بي. سي«، الإمبراطورية الإعلامية الخاصة، الاهتمام بالحديث عن الفرق الحاصل بين زمنين في البلاد، وتركيزه على النموذج الكوري.
ولعل من المثير حقا هو تركيزه على اعتماد الثقافة في بناء مقومات الإقلاع، وتكرار قوتها في التجربة الكورية واعتمادها مرجعا في تأسيس القوة الناعمة في دولة تنشد التغيير…
الرجل كان مقتضبا، غير مسرف في الكشف عن مرجعيته (الباكروند)، لكنه كرر ما مرة إعجابه، ثم تبنيه للنموذج الكوري في الرهان الثقافي.
واتضح من خلاله أيضا، سعي الواقفين على المنتدى نحو الدفاع عن التجربة السعودية في قيادة التغيير داخل المجتمع، الشيء الذي دفعه إلى” تهنئة الشباب على حظه اليوم في التمتع به” !
وظهر جليا، كذلك، من وراء كلمات المسؤولين الآخرين، الوزير والمسؤول عن هيئة التلفزيون، انتظاراتهم من الإعلاميين في “الحديث” عن هذا المنجز، بتقديم الاستراتيجيات الكبرى فيه، سواء في الرفع من مساهمات القطاع الإعلامي في “خلق أيقونات سعودية” في الشرق الأوسط أو في الرفع من حضوره في الناتج الداخلي الخام، أو في توظيف الطاقات الشابة (زيادة بنحو 67 ألف منصب شغل هذه السنة) على حد قول الوزير…، أو من خلال جعل الإعلام عنوان العنفوان الجديد في السعودية.
طبعا ما يهم في هذه التجربة، ليس هو الانبهار بالتحديث المادي (الحداثة المادية)، والذي تملك الدولة وسائله المالية، « بل هو سعي “الحداثة إلى تأسيس القداسة” بتغيير السعودية من مملكة الدعوة إلى مملكة… الدولة.
ولعل هذا الهدف، بالكاد يضمره المسؤولون، اتضح كثيرا خلال الجلسة العامة التي جمعت رجال الدين حول موضوعة الإعلام بحضور كاردينال مسيحي من العراق، وشريف حاتم العمير من السعودية ومحمد السمان المصري، وهي الجلسة التي يمكن أن نضع لها عنوانا غير العنوان الرسمي، أي “كيفية تعزيز.. الوحي بالإنسان”، عوض “بناء السلام والتنوع في وسائل الإعلام«” !
وكان الكاردينال المسيحي بسيطا في تحديد عناصر الجواب، منها »الدعوة إلى المحبة (المسيح) والرحمة (محمد) و(خلق تعليم ديني بمصطلحات وقواميس جديدة لإغلاق الباب على قاموس التطرف)، وهو الذي دعا أيضا إلى “الكف عن التشكيك الإعلامي في القيم الروحية والدينية”«، ولعل رجل الدين السعودي شريف بن حاتم العمير استحضر في نفسه هذه الضرورة عندما عبر عن (الرفع من قيمة الأخوة الإنسانية)على كل الأخوة الدينية.
وكان لافتا في وضع خطة عمل تنطلق من الجرأة في الاعتراف بانحراف الخطاب الديني والكشف عن ذلك… وهو ما يعتبر نقدا ذاتيا لثقافة دينية كانت سائدة وهي في طورها إلى التغيير !
ولعله أبرز حاجة “رجال الدين” »للتعاون مع السياسيين والأمنيين« من أجل “تلجيم الخطاب الديني المتطرف”، ومن أقوى ما قاله أن “الله منع سب الأصنام، فما بالك بالمقدسات والمعتقدات الدينية المسيحية أو غيرها”، ولم يغفل المتحدث إسهام »”سياسة الكيل بمكيالين من طرف القوى العظمى في التشجيع على التطرف، بسبب الشعور بالظلم”.
وكان لافتا الدعوة إلى ورشات ودورات تكوينية للإعلاميين بمعية رجال الدين لتطوير الخطاب الإعلامي حول الموضوع،» ولعله ضرورة شرق أوسطية، وإنسانية راهنة تهم صورة السعودية كما تريدها في عهدها الجديد.
العجز المؤسساتي الإسلامي، في التعامل مع الإعلام الغربي ومرتكزاته الأكاديمية من أجل مواجهة “»الإسلامو فوبيا«” وقف عنده المصري محمد السمان، ولخص الأمر في قصة منظمة التعاون الإسلامي أيام التركي »”كمال الدين إحسان أوغلو”، وتفيدنا بأن المنظمة ناقشت موضوع كراهية الإسلام، وقررت القيام بمجهود لمواجهة الظاهرة التي أصبحت (ثقافة عامة في الغرب). تقرر تشكيل لجنة اجتمعت ثلاث مرات في جدة، ثم كوالالمبور وأخيرا إسطنبول، ووضعت برنامج عمل… لم تنفذ منه أي شيء.
وبذلك، يقول المتحدث، ” نحن نعرف الداء، ونعرف كيف نعالجه ونشتري الدواء.. لكننا لا نأخذ العلاج«” !
هذه الهواجس لها خطها الناظم، داخليا وخارجيا، بالنسبة للدولة التي تريد أن تكون فاعلا مركزيا في الشرق الأوسط ومخاطبا رئيسيا في العالم.
وكانت الجلسة مع أحد الأمراء، حول أهداف السعودية الجديدة مناسبة لأخذ وجهاتها للكشف عن “»التشكل الحضاري الجديد« للعالم”، وفي قلبه المملكة الجديدة، على أساس أنها »تثق في ما تفعل وتريد من العالم أن “يرى ويعرف ويثق هو أيضا بهذا التشكل«”. لم يخف المسؤول السعودي، والأمير عبد الرحمان بن مساعد، أحد الوجوه البارزة، إرادة المملكة العربية السعودية في جعل المنتدى الإعلامي الثالث منصة تكشف للعالم “التشكل الحضاري” الجديد لبلد الحرمين. قال ذلك في جلسة خاصة، مساء يوم الثلاثاء، عندما حل محاورا خاصا على المنتدى، وبدا الأمير واضحا في الدفاع عن مشروع العهد الجديد الذي يقوده ولي العهد بن سلمان.
” لو أن المرء أصيب بغيبوبة ثم استيقظ بعد ما مضى من العهد الجديد ما صدق ما يحدث”، يقول الأمير قبل أن يعدد مظاهر التغيير الجذري الذي طرأ على بلاده، وأعطى نماذج رياضية، من خلال ما تنقله الوسائط الاجتماعية عن اللاعب رونالدو .
وشدد الأمير على أن رونالدو يعيش حياة عادية، كما كان يعيشها، وهي صورة تكشف في نظره “قدرة السلطة الناعمة”، ممثلة في الرياضة، على تغيير صورة المملكة “أكثر من الاستعانة بشركات العلاقات العامة”، ولعلي كمغربي كنت أفهم الأمر بشكل عربي فصيح ! لتشابه التجربة.
في تلك الأمسية، استعان المتحدث بالشعر كي يقرب فكرته، واستلهمه في بناء خطابه عن العهد الجديد. هو الشاعر، سرد على مسامع الحضور، السعودي العربي في غالبيته، أبياتا حديثة في مدح بلاده، كما استعان به في بناء سردية تاريخها العريق، من خلال المعلقات الشعرية (7 أو 10 )، باعتبارها دليلا على “ميلاد اللغة العربية في السعودية، أي الجزيرة”، كما قال.
هذا المنحى اللغوي عزز ما اعتبره مكونات هوية عريقة وعتيقة يستند عليها العهد الجديد لبناء هوية وطنية جديدة، والانفتاح على العالم.
ما أراد الخطاب إيصاله هو أن منطقة الشرق الأوسط “لم تعد تحتمل صراعات على كاريزمية إقليمية، بقدر ما يجب بناء ريادة إقليمية مشتركة بمشاركة السعودية، وإيران وتركيا والدول العربية”، مع التعامل الاستراتيجي مع الصين وروسيا وإفريقيا.
كنت أتابع بانتباه ما يرد به الأمير على أسئلة المنشط للجلسة، وجدت بعضا منا في كلامه: حديثه التثميني لما يتم حاليا، روح وطنية عوض هوية »”مائعة«” في مشاريع إيديولوجية لاهوتية (لم يتحدث بهذه اللغة طبعا)، الوطن كوحدة قياس أساسية في الحكم على العلاقات…
غير أن العبرة الأساسية كانت هو أن تقدم السعودية ثورتها الحالية و”معجزتها” بلغة أمير معروف بنشاطه على مستوى وسائط التواصل، من خلال هذا المنتدى.
والحق أنها نجحت في ذلك إلى حد كبير ليس بسبب الخطاب المباشر، بل من خلال القدرة على وضع كل أسئلة الراهن والمستقبل الإعلاميين على بساط المساءلة والنقاش.
حضرت غزة، حضر تناقض الغرب الأخلاقي، حضر الذكاء الاصطناعي، حضر المؤثرون ومستقبل الإذاعة والتلفزيون، حضرت مسألة الهوية والأوطان، وحضرت الفرجة من خلال المشهدية الاحترافية في تنسيق المنتدى.
أحيانا كثيرة كانت أروقة المنتدى تغلق على من فيها، وقد تم ردي أزيد من مرة لأن “ما فيه مقعد«” !
تأسفت لحرماني من ندوتين، واحدة حول “المؤثرين والصحافيين” ومن منهما سيصنع قواعد اللعبة، وأخرى حول “مستقبل الإعلانات في القطاع الصحفي”…
الواقع أنني لم أكن محظوظا كثيرا في حضور المنتدى رغم مستواه العالي، لقد وصلت متأخرا، ولايد لي في ذلك ولا رجل أيضا، ثم وجدت صعوبة في ربط الاتصال الدولي مع مستقبلي…… ولربما مع مستقبلي حتى وأنا أتساءل: ما للمستقبَل يكيد لي كيدا كلما اقتربت منه.. »زعما زعما«؟ ولعل سوء الحظ، هو التأخر في اللحاق بعالم الافتراض وعالم الصحافة اللامادي، بدون حاسوب نقال، وبدون ربط دولي، وبدون معرفة بجيل التكنولوجيا…
تعدد الحضور أيضا، ولكن غاب المغاربة عند منصات الحديث، بالرغم من تجربة مغربية قوية، رغم كل تعثراتها، من حسن الحظ كان هناك مغربي مشرف، جاء بصفته كأمين مساعد للجامعة العربية، السي احمد رشيد الخطابي سليل الجهاد.
ومن اللافت أيضا أن نقد الغرب وتقديمه كنموذج فاشل أخلاقيا ومجتمعيا، كان حصة شبه ثابتة في التدخلات وجلسات الحوار.. وبدا وكأن الغرب، مخلص في انحرافاته المهنية، بدون الاعتراف له بالريادة في مجال صناعة العلم والإعلام المرتبط به والعكس صحيح، وأفقه وخلفيته الفكرية في بسط الثورة الجديدة والقديمة كذلك في ميدان لم يؤسس فيه بعد، هوية حضارية شاملة.
وإذا كان واضحا أن “الغرب السياسي سقط في امتحان القيم، وفلسفة الأنوار التي صنعها”، فإن ذلك لا يعني أن البشرية ونحن جزء منها، تجاوزت الأفق الذي تبشر به، وصنعه، ثم هو نفسه يتجاوزه.
الصورة التي تقف كظل للمنتدى، مشروعة على كل حال، ربما تجسدت بقوة في الحضور الدائم للفتاة السعودية في المشهد العام للمنتدى، فقد كان الحضور الشبابي قويا، وأكثر قوة منه الحضور النسائي، بما يعنيه من تحول توفرت له أسباب البروز في سنوات قليلة.
النساء القادمات من خرائط أخرى يتصرفن كما يفعلن في بلدانهن بلباسهن وتسريحة الشعر وسراويل الدجينز وأحيانا ب”البوطوكس” المبالغ فيه على ملامح جميلة لم تكن تحتاج إليه على كل حال… !

 

غزة، الحضور وظلال الجزائر المرتعدة !

حضرت غزة، كموضوع مركزي في الخطاب الإعلامي العربي وغير العربي، واستمارة امتحان للضمير وللأخلاقيات المهنية، وإن كان الطابع الغالب هو الوقوف عند تناقضات الآخر، والكيل بمكيالين، والإسراع في الحكم على انهياره، الأخلاقي والمهني، فإن مخاطبة الضمير (انظر حديث محمد السمان في مكان آخر) لم يلق حظه من النقاش، إلى ذلك فإن الجلسة المخصصة لغزة، في جلسة عامة، تميزت بحضور أحمد رشيد الخطابي، نائب الأمين العام للجامعة العربية، الذي قدم ملمحا مهما لما تقوم به الجامعة…
وليس سرا أن الجزائر «الجديدة» قد عارضت خطوة المنظمة في باب التصدي للسردية الإسرائيلية من خلال التحرك الإعلامي بالخارج، عبر «المرصد والمنصة المندمجة، الذي أنشئ بموجب قرار مجلس وزراء الإعلام، خلال الدورة 53 بالرباط»، وبالرغم من مصادقتها في لحظة التأسيس فقد تراجعت الجزائر عن ذلك، وأعلنت رسميا معارضة المنصة والمرصد»!


الكاتب : الرياض: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 22/02/2024