الندوة العلمية الدولية حول موضوع «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي»

المغرب يجمع علماء القارة لتنظيم الفتوى وضمان الأمن الروحي واستقرار الدول

في ندوة ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي:

علماء يدعون إلى مراعاة الوسطية في الفتوى من خلال الفهم الصحيح للدين وأدلته

 

 

شهدت أشغال الندوة العلمية الدولية حول “ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي” التي احتضنتها مراكش من 8 إلى 10 يوليوز الجاري مؤسسة محمد السادس لعلماء الأفارقة، مشاركة وازنة لشخصيات علمية و دينية من 72 بلدا.
وأبرز المتدخلون خلال أشغال هذه الندوة، الحاجة القصوى لضبط ممارسة الفتوى و تقنينها بإخضاعها للمعايير العلمية و التقييدات الشرعية، لقطع الطريق على فوضى الفتاوى التي تفتن الناس في أمنهم الروحي و تعرض استقرار الأوطان للخطر و تبث الحيرة في نفوس المؤمنين، مؤكدين أن لممارسة الفتوى أثر اجتماعي بليغ ينعكس على درجة تماسك البلدان و قد يصل أي إخلال بهذا الدور إلى زعزعة عقيدتهم، ودفعهم إلى سلوكات وممارسات لا تمت إلى روح الإسلام السمح بصلة.
وأكد المشاركون في هذه الندوة الدولية أن الإفتاء مقام عظيم، حرصت الشريعة الإسلامية على إيلائه قدرا كبيرا من العناية، والتوجيه، والتأصيل، من حيث مفهومه، وشروطه، وآدابه، وقواعده، وفوائده، وآلياته التي يستخدمها الفقيه في استنباطه الحكم الشرعي، ذلك أن الإفتاء هو: تبيين الحكم الشرعي للسائل، وهو ما يجعلها أمانة يحملها الفقيه و يُسأل عنها أمام الله.
و تحدث المشاركون عن منزلة الفتوى من العلوم الإسلامية، وشروط ممارسة الإفتاء، و من بينها أن يكون المفتي عالما بالحكم الشرعي المفتى به يقينا أو ظنا راجحا، عن طريق جملة من الأدوات الاستنباطية ذكرها الأصوليون، ومنها علمه بالكتاب والسنة، والناسخ والمنسوخ، وسائر أدوات الاستنباط، بأن يكون قادرا على استنباط الحكم الشرعي من دليله، ويبحث في ذلك كله عن الدليل الأقوى، ثبوتا ودلالة، وإلا فعليه التوقف فإن لم تتكامل لديه هذه الأهلية، فعليه التحصل عليها، وإن كانت لديه فعليه التريث في الفتوى باستخدام ما حصله من هذه الأدوات العلمية كما تقدم. وإضافة إلى الفهم العميق بأحوال المجتمع
وخصوصياته ومشاكله والتحديات المعاصرة التي تواجهه، لأن تجاسر المفتي على الإفتاء فيما هو على جهل به يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع والأفراد.
وألح المشاركون على مراعاة الوسطية في الفتوى من خلال الفهم الصحيح للدين وأدلته من غير إفراط ولا تفريط، بعيدا عن «التشدد و التفلت». معتبرين أن فوضى الفتوى المنتشرة في زمننا، تدل على استسهال مرضي للوظيفة المهيبة للفتوى و لآثارها.
و بخصوص ظواهر التسرع في الفتوى و التطاول عليها ممن لا يتوفرون على شروطها، استرشد المشاركون بتاريخ الفتوى في الإسلام، موضحين أن السلف الصالح يتحرجون من الفتوى، ومن التصدي لها، والتسارع إليها، تعليما لغيرهم ألا يقتحموا مجال الإفتاء إلا بعد التحقق من شروطه؛ مع كونهم علماء مبرزين.
و معلوم أن انعقاد هذه الندوة العلمية الدولية يأتي تنفيذا لتوصيات المجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في دورته الرابعة، التي انعقدت بفاس يومي 22-23 ربيع الأول 1444ه، الموافق لـ 19-20 أكتوبر 2022م، والمتعلقة بعقد ندوات علمية وفكرية تعنى بشأن الفتوى في الواقع الإفريقي.
كما يأتي انعقاد هذه الندوة العلمية الدولية، في إطار الجهود التي تبذلها مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، لتوحيد جهود العلماء الأفارقة وجمع كلمتهم على ما يحفظ الدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وعلى ما يجعل قيمه السمحة في خدمة الاستقرار والتنمية في بلدانهم.
وتعتبر مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة أن الضرورة أصبحت ملحة من أجل بناء تصورٍ علمي متينٍ عن الفتاوى الشرعية مقيدٍ بالأصول الشرعية المعتمَدة، ومحصنٍ من آفات الغلو والتطرف والتقول في شرع الله بغير علم، وعيا منها بمكانة الفتوى في القضايا الشرعية والعلوم الإسلامية، وفي الشؤون الدينية، واقتناعا منها بأن العلماء الأوفياء لثواب بلدانهم هم المؤهلون للإجابة على ما يستجد من النوازل والقضايا، دراسة وفهما واستنباطا لحكم الشرع فيها.

محمد يسف: الفتوى يجب أن تكون نابعة
عن معرفة دقيقة بالمجتمع

أكد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، محمد يسف، على أن الفتوى يجب أن تكون نابعة عن معرفة دقيقة بالمجتمع.
وشدد محمد يسف، في كلمة خلال جلسة نظمت في إطار الندوة العلمية الدولية حول موضوع «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي»، على أن للفتوى مكانة هامة في المجتمع، لكونها «تشمل توجيهات وإرشادات وإصلاحات».
واعتبر، في هذا السياق، المفتي بمثابة «طبيب للعقل والروح والفكر والوجدان»، موضحا بأن ما يميز الفتوى هو أن أثرها لا ينتهي بإجابة المفتي عن النازلة، بل تظل مصدرا دائما للفقه في زمان المفتي وفي غير زمانه.
كما أكد محمد يسف على أن مأسسة الفتوى يشكل أساس تميز النموذج المغربي في مجال تنظيم الفتوى، على اعتبار أن المجلس العلمي الأعلى، الذي يرأسه أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، هو المخول حصريا لإصدار الفتاوى في النوازل المستجدة.
وأوضح بأن المملكة المغربية، بقيادة جلالة الملك، اعتمدت هيكلة للحقل الديني جعلت الفتوى اختصاصا حصريا للمجلس العلمي الأعلى من خلال لجنة علمية خاصة تعمل على إصدار فتاوى بشكل جماعي في القضايا التي تعرض عليها، وهو ما يميز «الفتوى» عن «الآراء» الشرعية والفقهية التي قد تصدر عن العلماء بشكل فردي.
ووصف هذا الملتقى العلمي، الذي جمع فقهاء النوازل في العالم الإسلامي قاطبة، بـ»الحدث الكبير والتاريخي الذي سيتبوأ مكانة خاصة في تاريخ الفقه الإسلامي ومسار تطوره، كما ستكون له مكانته وموقعه في تطوير الاجتهاد والنظر في القضايا التي تخص فقهاء النوازل ورجال الإفتاء».

رئيس المجلس الوطني للفتوى بغينيا يشيد بمساهمة مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة

أشاد رئيس المجلس الوطني للفتوى والبحوث العلمية بغينيا، محمد غزالي عمر جكني، الأحد بمراكش، بخارطة عمل مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في المساهمة في إيجاد حلول للنوازل المستجدة.
وقال محمد غزالي، خلال جلسة نظمت في إطار الندوة العلمية الدولية في موضوع « ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي «، إنه « يتأكد يوما بعد يوم لمتتبع خارطة أعمال مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة ليستشعر منها الحرص الصادق في إسعاف علماء القارة في إطار إيجاد حلول شرعية للنوازل التي تحل بالشعوب «.
وفي هذا الصدد، دعا محمد غزالي، وهو عضو فرع مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة بجمهورية غينيا، في عرض له بعنوان « ضوابط الفتوى العلمية والموضوعية «، إلى عقد دورات متواصلة لتحسين دور الفتوى في البلدان الإفريقية.
وأوصى أيضا بتعزيز العلاقات المتينة بين مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة وبين علماء فروعها في أفريقيا، وكذا ربط العلاقة الوثيقة بين شؤون الفتوى في المؤسسة وبين المجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية.
وقد شكلت هذه الجلسة مناسبة أكد خلالها متدخلون آخرون على أنه بالنظر لمكانة الفتوى وشرفها ورفعة قدرها لا يجوز الإقدام عليها بغير علم وعدم التساهل فيها بأي حال من الأحوال.

رئيس مجلس الأئمة بالكوت ديفوار يشيد بالريادة الدينية لجلالة الملك

أشاد رئيس المجلس الأعلى للأئمة والمساجد والشؤون الإسلامية بالكوت ديفوار، شيخ الأمة عثمان دياكيتي، بالريادة الدينية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس.
وأبرز عثمان دياكيتي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن الرسالة التي وجهها جلالة الملك إلى المشاركين في الندوة الدولية حول موضوع «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي»، تعكس الريادة الدينية لجلالته، وذلك سيرا على نهج أسلافه المنعمين.
وأكد رئيس المجلس الأعلى للأئمة بالكوت ديفوار، على أن العلماء الأفارقة ملتزمون بالعمل، وفقا لدعوة جلالة الملك، لأن «يكون لهم تأثير إيجابي في الناس، وذلك بأن يبينوا لهم محاسن الوسطية والاعتدال»، وذلك بهدف حفظ الدين وحضارة الإسلام في الأرض الإفريقية.
من جهة أخرى، أبرز سمو وإشعاع النموذج الديني المغربي، مشيرا إلى العدد الكبير للأئمة الأفارقة الذين تلقوا تكوينهم بالمملكة.
كما أشاد، في هذا السياق، بالدور الرئيسي الذي تضطلع به مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في التقريب وإرساء التناغم بين علماء القارة، موضحا بأن هذه المؤسسة مكنت العلماء الأفارقة من الالتقاء لمناقشة القضايا الهامة، وهو ما يشهد عليه انعقاد الندوة الدولية حول «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي».

مفتي تشاد يبرز تجربة المغرب في مجال الفتوى التي أحكمها المجلس العلمي الأعلى

أبرز مفتي جمهورية تشاد، محمد نور الحلو، التجربة المغربية النموذجية في مجال الفتوى التي أحكم دعائمها المجلس العلمي الأعلى، تحت قيادة أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس.
وقال نور الحلو، في كلمة باسم مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة خلال الندوة العلمية الدولية حول موضوع «ضوابط الفتوى الشرعية في السياق الإفريقي»، إن هذا اللقاء «سيستفيد من نجاح التجربة المغربية النموذجية التي أحكم دعائمها المجلس العلمي الأعلى تحت قيادة أمير المؤمنين».
وبعد أن توقف، في هذا الصدد، عند تنظيم وضبط الفتوى بالمغرب وتحصينها بجعلها «عملا مؤسسيا واجتهادا جماعيا»، لفت إلى أن ذلك يشكل نموذجا في السياق الإفريقي في إعداد الفقيه المفتي البالغ ذروة الدرجة المثلى الجامع بالوصل بالتراث والخبرة بواقع مجتمعه وقضاياه، وكذا في إقامة وإعادة هيكلة الهيئات والمرجعيات المختصة بإصدار الفتاوى الشرعية الملائمة للمكان والزمان والإنسان والمراعية لما اعتبرته المجتمعات الإفريقية من الأعراف والعادات الملائمة للأقليات.
وسجل مفتي جمهورية تشاد أن مهمة الفتوى شأن جليل المكانة في الإسلام ومنصبها عظيم الشأن ومتعاطيها حامل لأمانة ثقيلة، مضيفا أنه بقدر جلالها وشرفها وأجرها يكون وزرها على من يتولاها بغير علم بالدين.
ويرى أنها عامل أساسي من عوامل تأمين واستقرار المجتمعات، وتتكيف مع مختلف التغيرات والظرفية والمكانية وتستوعب كل أحوال وحالات الأفراد والجماعات، مسجلا أنه اعتبارا لهذا كله نبه أهل الحل والعقد على أن من يتولاها ينبغي أن يتوفر فيه الإلمام بكل الآليات والأدوات الواجبة في معالجة المعضلات وغيرها من الأمور، وبكيفية توظيفها.
وأشار إلى أن أهم آفة تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم، ومنها مسلمو القارة الإفريقية، هو انتشار فوضى الإفتاء وإصدار أحكام الحلال والحرام دون استحضار لضوابطها الشرعية المرعية مع تجاوز اعتبارات الزمان والمكان والحال.


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 11/07/2023