باتوا يعيشون أوضاعا قاسية .. تداعيات الجفاف تفاقم معاناة الرحل بمناطق الجنوب الشرقي وتهدد نمطهم المعيشي بالانقراض

في ظل تداعيات التغيرات المناخية القاسية، يقاوم الرحل من أجل البقاء، رغم أن مؤشرات عديدة تفيد بجسامة الإكراهات التي باتت تواجه هذه الفئة الاجتماعية في مناطق عديدة من المملكة، كما هو حال رحل مناطق الجنوب الشرقي للبلاد.
في هذه الربوع، وبالضبط في أعالي الجبال الشرقية وفي المناطق المتاخمة للحدود الجزائرية، تنتصب الخيام شاهدة على وجود الإنسان. إنسان، سواء في أعالي الجبال الشرقية أو في تخوم الصحراء الحدودية، يعيش الهشاشة والعوز في زمن غابت فيه الأمطار، وقل العشب والكلأ ، وأنهك قطيع الماشية الذي كان المورد الأساسي لرزق هؤلاء …من غنم وماعز وإبل، حتى أصبح الراعي عندهم لا يجد مكانا لرعي ماشيته لشدة القحط الذي أصاب المنطقة جراء توالي سنوات الجفاف.
بزيارة إلى منطقة من مناطق الرحل اليوم، بدائرة املشيل أو بمنطقة الطاوس، أو بمناطق لمعيدر أو بجماعة سيدي اعلي، يتبين للزائر أن الرحل هناك يقاومون من أجل البقاء، نظرا لشتى الصعوبات التي تواجههم بشكل يومي. ملامح العوز والحاجة والفاقة بادية على أوضاعهم، منذ أن انحبس المطر وحالهم يزداد تدهورا والفقر ينال منهم أكثر، رغم معاناتهم منه أصلا.
رحل «المغرب العميق» بجهة درعة تافيلالت، لا يعرفون من الحياة الا ما ستقتات به ماشيتهم في الصباح الموالي بعدما أصبح القطيع يتهالك ويضعف، وما هو المكان أو الجهة التي سيستقرون بها عند نفاد عشب كلأ المنطقة التي هم فيها ، وأين توجد قطرة الماء بعد ما أصبحوا يميزون بين الأرض الميتة والحية المساعدة على الاستقرار، مشيا على الأقدام لمسافات طويلة أو على ظهور دواب منهكة أصلا من حمير أو بغال أو إبل … بعدما جفت الوديان و الآبار التي كانت ملاذا لهم لعقود طويلة.
عندما تقابل الرحل اليوم ، تجدهم يشتكون من تدهور الطبيعة التي كانت تزخر بهم و بخيراتها ، وكان العيش مريحا و مقبولا و لا يتطلب الترحال الكثير، اليوم أصبح القطيع ينقرض بسبب نفوق أعداد كبيرة ، وحتى الآبار جفّت من الماء، والعطش جعل الأرض ميتة. ينتظرون من يمد لهم العون و المساعدة كيف ما كانت .
أطفال الجنوب الشرقي العميق بمناطق متفرقة، في كلميمة، بودنيب، الرشيدية، تنغير، ورزازات وفي عمق الحدود الصحراوية بمرزوكة، الطاوس، سيدي اعلي، محاميد الغزلان… مازال أغلبهم محرومين من الذهاب الى المدرسة للتعلم، ما يجهض أحلامهم بمستقبل مغاير لما ألفوه تحت الخيام، والانتقال من مكان الى آخر بحثا عن الماء و العشب.
أغلب الآباء عند الرحل يمنعون أولادهم من التعلم، معتقدين «أنهم لن يستفيدوا أي شيء، والأجدر هو مساعدة الأسرة في جلب الحطب والماء ورعي الأغنام» حسب تصريحات بعضهم.
في السياق ذاته، يقول بعض الفاعلين المدنيين: «أطفال الرحل محرومون من أبسط الأشياء، يعيشون في ظروف صعبة وينشؤون في بيئة قاسية، ويجدون صعوبة في التواصل مع الآخرين، ويعانون من التهميش و الاقصاء».
وحتى لا يحرم أطفال الرحل من التعلم، سبق لإحدى الجمعيات – جمعية شمس للتنمية والأعمال الاجتماعية والخيرية – قبل حوالي عقد من الزمن، أن أطلقت مبادرة تهم تعليم أبناء الرحل، من خلال إحداث مدارس متنقلة، بدعم من شركاء أجانب ووزارة التربية الوطنية؛ وهي المبادرة التي عممتها الجمعية بإحداث سبعة أقسام بإقليم تنغير، وقسمين بكل من ورزازات وميدلت. وقد أكد مسؤولوها في وقت سابق، «أن الطموح هو تغطية جميع أماكن وجود الرحل بالجنوب الشرقي بمدارس متنقلة مع توفير المستلزمات المدرسية، بشراكة مع متعاونين محليين وأجانب، في أفق تمكين أطفال الرحل من الاستفادة من حقهم المشروع في التربية والتعليم، كما هو حال أقرانهم في مختلف المدن والقرى بالبلاد».


الكاتب : فجر مبارك

  

بتاريخ : 09/02/2023