رؤى وتصورات لمغرب.. ما بعد كورونا 6- عبد السلام الكلاعي، مخرج سينمائي

ضرورة تشجيع الأعمال الدرامية الرافعة من وعي المواطنين

بدل الاستمرار في دعم الترفيه الفارغ

من المؤكد أن آثار جائحة كورونا على المغرب والمغاربة ، ستستغرق وقتًا حتى يتم استيعابها وفهمها وقبولها.. لكن مع طرح سؤال بأي حال ستعود “الحياة الطبيعية” الى مغرب ما بعد كورونا ؟.. سؤال يطرح نفسه على نقاشاتنا وأفكارنا وهواجسنا وانتظاراتنا .. ، يدفعنا الى البحث عن كيفية للتواصل قصد وضع معايير وقواعد جديدة في أسرع وقت وبأكبر قدر ممكن من الفعالية ، من أجل المحافظة على الانسان وحياته ،المحافظة على المسار الاقتصادي ، والمحافظة على مسار العودة الى الحياة …
اذن في ظل هذه الظروف الاستثنائية ، تطرح الاسئلة الاستثنائية ..
ماهي الدروس والعبر التي يمكن أن تستخلصها الدولة والمجتمع ؟
هل هذه الازمة أعادت الاعتبار للدولة؟.. هل هي فرصة حقيقية لمراجعة خياراتنا الاقتصادية وإجراء إصلاح سياسي شامل؟
هل الانفتاح على العالم الذي هو ضروري وحتمي يجب أن يتناسب مع أولوياتنا وسيادتنا الوطنية ؟…
هل المدخل لكل الإصلاحات الاقتصادية سياسي بالدرجة الأولى ؟..
كيف نبني اقتصادا وطنيا منتجا، تضامنيا يقوي القدرات الاقتصادية للبلاد، ويكون في خدمة الحاجيات الأساسية لأغلب المغاربة؟..
كيف نؤسس لمشروع سياسي مجتمعي مبني على تعاقد اجتماعي جديد ؟ …
اسئلة عديدة ، سنتناولها في سلسلة حوارات عن المغرب ما بعد كورونا

 

– اليوم، الكل يخوض، فرديا او جماعيا ، دولة او مجتمعا، أو مؤسسات تنفيذية وتشريعية او إدارية أو صحية.. معركة تغيير وإصلاح ما كان عليه الوضع قبل الجائحة ، ماهي توقعاتكم؟
– أتوقع أن يزداد الوعي بأهمية تطوير النظام الصحي العمومي ليصبح قادراً على الاستجابة لاحتياجات المجتمع في حالة تعرضنا مجدداً لوضع صحي يستدعي وجود بنيات تحتية صحية فعالة. كما أن التعليم، بعد تجربة التعليم عن بعد وتوظيف وسائل التواصل الحديثة، سيعرف تغييراً في المنهجية القديمة نحو أساليب أكثر ملاءمة مع روح العصر من توظيف للهواتف النقالة والحواسيب والمواد السمعية البصرية.
المكاسب ولو كانت بسيطة في هذين المجالين لكنها ستساهم حتماً في تطويرهما نحو الأفضل.

– هل من الممكن أن نستسهل أضرار هذا الوباء على القادم من الأيام فنيا ام ان آثارها سترمي بظلالها على المجال الفني؟
– على المدى القصير ستنتج هذه الجائحة أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وستكون الثقافة والفنون من ضحاياها المباشرين، لأن أصحاب القرار السياسي في معظم البلدان يعتبرون الثقافة والفنون ترفاً وكماليات لا تستدعي التدخل لإنقاذها كأولوية. ولكن هناك نماذج إيجابية بدأت تظهر ونحن ما زلنا في خضم الأزمة الصحية وأخص منها بالذكر النموذج الألماني، حيث قررت الحكومة الألمانية برنامج مساعدات مذهل بقيمة 50 مليار أورو للفنانين والشركات الثقافية. وقالت وزيرة الثقافة الألمانية “الفنانون ليسوا ضروريين فحسب، بل انهم أيضا حيويون، وخاصة الآن! لأن مجتمعنا الديمقراطي يحتاج إلى مشهده الثقافي والإعلامي الفريد والمتنوع في هذا الوضع التاريخي” . هذا نموذج يحتذى في الفهم العميق لدور الإبداع والفن والثقافة في زمن الأزمات.
إن الأعمال الإبداعية للمبدعين من موسيقى وأفلام وكتب وغيرها هي التي ساعدت الناس على التغلب على الأزمات النفسية التي واكبت أسابيع الحجر الصحي في المنازل. ومن شأن الثقافة أن تلعب دوراً هاما في مرحلة تجاوز الأزمة الاقتصادية برفع الوعي والترفيه وكذلك بتوفير فرص العمل والدخل.

-من منطلق تجربتكم الابداعية والفنية ، هل هناك من أفكار فنية كان زمن المغرب قبل كورونا فاقدا لها، واستحضرت مع هذه الجائحة؟
– أتمنى أن تساهم هذه الأزمة في جعل المسؤولين عن القطاع السمعي البصري يعون أهمية الأعمال الدرامية التي ترفع وعي المواطنين وتعمق تفاعلهم بواقعهم بدل الاستمرار في دعم الترفيه الفارغ من المعنى. وعلى مستوى المضامين أتمنى أن يعي الكتاب والمؤلفون والمنتجون أهمية نشر الوعي العقلاني والعلمي، لأن العقل والعلم هو الخلاص الوحيد للبشرية.

– كيف يمكن أن تكون انفع للمغاربة فنيا ما بعد كورونا؟
– بالاستمرار في طرح قضايا الإنسان المغربي المعاصر ومشاكله، وتقديم رؤية عقلانية للعالم من حولنا. بالاستمرار أيضاً على غرار ما قمت به في أعمالي السابقة من بث قيم إيجابية كالرفع من قيمة الإنسان وحريته، وإظهار أهميته ومحورتيه في الوجود، ودعم قيمة العلم والعقلانية والكفاح من أجل مجتمع عادل.
غابت العديد من الخطابات والسلوكيات التي عادة ما كانت تؤثث حياة المغاربة..
في المقابل ، حضرت مكانها أخرى، نذكر منها الغناء عبر الشرفات، ترديد النشيد الوطني جماعيا، الأعمال الفنية المقدمة عبر تقنية التواصل عن بعد…

– كيف تقيم هذه السلوكيات والأساليب التي أنتجتها ظروف الجائحة.. وكيف تفاعل معها المغاربة؟
– طبعاً لا يمكن للفكر الماضوي أن يقدم أي حل حقيقي للمشاكل والمعضلات التي تواجه الإنسان المعاصر. واحد من أهم الدروس التي أتمنى أن يفهمها مواطنونا هو أننا بحاجة إلى مدارس جيدة تنشر العقلانية والعلم الحقيقي، وإلى مستشفيات فعالة، وإلى سكن لائق، وإلى إعلام بناء لوعي حديث ومستنير، كي نكون قادرين على التغلب على مشاكل حاضرنا ومستقبلنا. تراجع الخطاب الماضوي بكل مؤسساته الرسمية وغير الرسمية دليل على ضرورة نقد عميق لوسائل التنشئة الاجتماعية التي تخلق لنا مواطنين يبحثون عن حلول للحاضر والمستقبل في التراث وفي الماضي. لا خلاص لنا إلا باستغلال هذه الأزمة من أجل الدفع بمجتمعنا للحاق بالركب الحضاري الإنساني.

– هل سيخرج الفن ، بعد هذه الجائحة ، من خانة التسلية وبالتالي حان الوقت للتفكير والعودة إلى المواضيع التي تتماشى مع ما هو مطلوب ومعقول يطالب به المجتمع ؟
– نعم هو ما يجب فعله. لم يعد من المستساغ أبداً أن نبذر كثيراً من الإمكانيات والجهد والوقت دون أن نساهم في خلق أي معنى للوجود من حولنا. دورنا كمبدعين وكفنانين هو خلق معنى لما يجري حولنا.

– مع هذه الجائحة وما بعدها، هل تتوقع أن يقطع مع الارتجال الفني ومظاهره..، وهل تتوقع مساحة أكبر للفن والثقافة ؟
-من الصعب أن أجزم بذلك، ولكنني أظن أن المبدعين المثقفين والمناضلين والقادرين بفنهم وإبداعهم على الوقوف بوعي كبير إلى جانب الإنسان في زمن الأزمات هم الذين سيستمرون.


الكاتب : اجرى الحوار: ادريس البعقيلي

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *