رحل النهار

لم تكن مفاجأة ان يحصل العرض المسرحي للفرقة الإمارتية بالجائزة الكبرى للمهرجان العربي للمسرح في دورته الثالثة عشرة، وإن كانت العروض متقاربة من حيث جماليتها والمستوى الفني الذي قدمت بهامشاهدها. ما ميز مسرحية « رحل النهار» عرضها لقضيا مجتمعية في سياق متواتر له بداية ويفضي إلى خلاصات معتمدة كنهاية، ومن حيث هي كذلك تثير نقاشا مفتوحا على ما يعتمر في مجتمع يحكمه تناقض صاخب بين مختلف مكوناته. مواطنون يبحثون عن أفق يدنيهم من الشرط المجتمعي الذي يفسح المجال لتحول واقعهم لتجاوز تهميش مفروض وتأثيرات أيديولوجية مختلفة شديدة الانجذاب، تسد الطريق أمام تطلعاتهم لتحقيق العيش الكريم والأمن الذاتي والنفسي.
« رحل النهار» هي لحظة وعي جماعي أتاحت للذات الجماعية إمكانية بلورة فعل مسنود بتصور يقود إلى الخلاص من هيمنة الاستبداد والحد من جبروته. في البدء كانت صرخة سمت بها الحناجر إلى ما أصبح يعكس عزيمة في كسب قضية التصدي لكل مظاهر الإدلال. وعي تشكل بتأثيرات مختلفة، وتطور ليصبح قوة تهدد حقيقة أطراف حاولت استيعاب المد الغاضب بمختلف الوسائل والطرق وأقوى المناهج. الحاكم بكل إمكانيات سيادته. السياسي بطموحه في توظيف اللحظة لتحسين موقعه في الصراع، رجل الدين وهو يحاول السطو على ما لاح كفرصة لاستعادة توهج هيمنته وقيادة رعايا بكل مقومات الاستلاب.
في المواجهة تسقط الأقنعة ويكتمل فسخ العلاقات بما يوسع الهوة بين أطراف الصراع. يلوح أمل في أن يستعيد النهار بريقه،تنجلي أفاق أخرى تدني من عودة النهار بكل توهجه كما اكتمل في تصور المنتفضين وسما فعلهم في التصدي ورفض الامتثال.
ابتعد العرض في « رحل النهار» كثيرا عن التشخيص المباشر لمختلف القضايا التي تناولها، فقداعتمد الاخراج على مؤثرات صوتية وايقاعات موسيقية صاخبة، سمت بحركية الممثلات والممثلين في تعدد أشكال تعبيرهم الجسدي،وفي الرفع من ايقاع انفعالهم وتفاعلهم مع تطورات حقب الصراع. كانت قوة التشخيص تعكس درجة استيعاب كل مراحل الاقتراب من لحظة التخلص من كل ما يعيق عودة النهار.
وككل النهايات يحصد المشاهد خيبة الإخفاق، تنحسر الاحلام ويعود الأسياد أسيدا، يرتفع إيقاع بطشهم ويتآزرونفي ترسيخ كل قواعد الاستبداد والقهر، تتقلص مسافات تباينهم أمام عدو أزلي يتربص للحد من بدخ ثرائهم، هكذا في صحوة عابرة كاد أن تقلب الموازين. قطرة زيت فسخت كل العهود وعبدت الطريق ليقتنع الجميع على أن ليس في الإمكان أحسن مما كان. وهي خلاصة على شكل دعوة للاستسلام لواقع عنيد يستعصي على التغيير لأن الفساد تجذر على أكثر من مستوى، كما انتهت إليه المسرحية كخلاصة ليس في القنافذ أملس.
فهنيئا للفرقة الإماراتية على عرضها الرائع الحاصل على جائزة المهرجان لتميز عملها باعتماده اللغة العربية في الحوار كمعيار أول اعتمدته لجنة التحكيم.


الكاتب : أحمد حبشي

  

بتاريخ : 18/01/2023