عام الرمادة .. السياسة الحكومية وراء اصفرار وجه «المغرب الأخضر»

 

يعيش المغرب منذ سنوات على إيقاع قلة التساقطات المطرية، حيث توالت السنوات العجاف،التي تكاد تكون بشكل متواصل. ويرجع الخبراء الأمر إلى التغيرات المناخية التي يعيشها المغرب منذ أكثر من عشرين سنة خلت، الشيء الذي لم يؤثر على الفلاحة فقط، بل امتد إلى حقينة السدود، هذه الأخيرة التي اعتبرت نقطة قوة المملكة، بعدما اتخذت من بناء السدود منذ عهد الملك الراحل الحسن الثاني، سياسة لتوجهاتها.
لكن هذه السياسة الخاصة بتشييد السدود، لم تحصن البلاد من ندرة الماء ،حيث وصلت هذه السدود إلى وضع كارثي لم تشهده منذ ما يزيد عن 30 سنة من خلال انخفاض حقينتها، وزاد من هذا الوضع، ارتفاع معدل درجات الحرارة، التي وصلت إلى مستويات خطيرة في عز فصل الشتاء هذا العام، وبالضبط في فترة « الليالي» المعروفة عادة بانخفاض حاد في درجة الحرارة، اضطر معه المواطنون إلى اللجوء إلى الشواطئ كأننا في عز فصل الصيف.
العالم القروي..
المتضرر الأول

يكفي المرء أن يقوم بجولة في العالم القروي، خاصة في مناطق الشاوية، إقليم سطات وإقليم برشيد على وجه الخصوص، ليقف على حجم معاناة المواطنين هناك، وعلى حجم الخصاص في الماء، الذي أثر بشكل كبير على الفلاحة وغيرها.
بمنطقة أولاد سعيد، يقول الفلاحون لجريدة الاتحاد الاشتراكي، إن الوضع هذه السنة، كارثي بكل المقاييس، بعدما سجل انخفاض كبير في مقاييس التساقطات المطرية، بل يؤكد هؤلاء الفلاحون، أن «العام مشى»، ولا أمل في إنقاذ الموسم الفلاحي.
الآبار التي شكلت مصدر الماء الوحيد طيلة قرون للساكنة والماشية والبهيمة، جفت، وفي أحسن الأحوال لم تعد قادرة على تأمين الحاجيات. ويوضح ( م م ) لجريدة الاتحاد الاشتراكي، أن الدوار الذي يقطن به، يعيش مأساة حقيقية، أمام ندرة الماء، ورغم أن هذا الدوار يبقى محظوظا مقارنة مع دواوير أخرى، بحكم أنه تم ربط المنازل هناك بالماء الصالح للشرب، وهو ما يتم استعماله للاستهلاك الذاتي وللماشية أيضا، لكن في ظل التدابير والإجراءات التي قامت بها الحكومة، تم تخفيض مستوى منسوب الصبيب، بل يتم قطع الماء بشكل نهائي طيلة اليوم في بعض الأحيان، وهو ما يعرضهم والماشية والبهائم إلى العطش، ويتساءل هؤلاء، ما مدى علم الحكومة بالتداعيات التي تسببت فيها إجراءاتها العشوائية، في الوقت الذي كان عليها أن تتخذ الإجراءات العملية والصحيحة، لأنها تعرف جيدا، الجهات التي تستهلك الماء بشكل كبير وبدون حسيب أو رقيب.
سدود في وضعية مزرية

وانخفضت حقينة سدّ المسيرة الذي شكل صمام أمان منذ تشييده بشكل مهول، إذ لم يتبق فيه إلا الأوحال، وذلك لعدة عوامل تنضاف إلى عامل قلة التساقطات المطرية. فقد أظهرت صورة حديثة عبر الأقمار الصناعية حجم الجفاف الشديد الذي ضرب هذا السد، الذي يعتبر ثاني أكبر سد بالمغرب في إقليم سطات، حيث وصلت حقينة السد بسبب الجفاف إلى 0.7 في المئة وهو يطرح سؤال تحدي إزالة الأوحال. وقد سبق للمجلس الأعلى للحسابات في إحدى تقاريره أن قدر الحجم الإجمالي للتوحل بـ 2.24 مليار متر مكعب، وهو ما يمثل نحو 12.72 بالمائة من إجمالي سعة السدود المقدرة بنحو 17.6 مليار متر مكعب. ورغم أن عملية إزالة الأوحال تتطلب تكلفة مالية باهظة، قد تتجاوز ميزانية تشييد السد في بعض الأحيان، إلا أن الحكومة لم تهتم بهذا الموضوع.
وامتد الاستهتار أيضا إلى وادي أم الربيع، حيث حذر منذ سنة تقريبا، تقرير المهمة الاستطلاعية التي قامت بها المؤسسة التشريعية، إلى وجود اختلالات بفعل عوامل بشرية وأخرى طبيعية أوصلت مصب نهر أم الربيع إلى وضعيته. ووقف الأعضاء على حالة الاختناق والانسداد الكامل للمصب بسبب الرمال المتراكمة فيه، وانخفاض منسوب مياه النهر. ونقل التقرير عن فعاليات المجتمع المدني شهادات تؤكد أن من بين العوامل التي ساهمت في الوضع الكارثي لمصب نهر أم الربيع تشييد سد المسيرة، ثم بعده سد سيدي الضاوي، مضيفا أنه بالموازاة مع بدء تشييد الجرف الأصفر، تم أخذ الحصى والصخور التي كانت تشكل حاجزا أمام الرمال، وهو ما سمح للتيار البحري بجر الرمال للمصب، علاوة على وجود فلاحين كبارا أنجزوا سدودا خاصة لسقي هكتارات الأراضي من نهر أم الربيع بأزمور.
وأوضح التقرير أن شهادات المجتمع المدني أشارت إلى أن ما وصل إليه واد أم الربيع حاليا ليس وليد الصدفة، وإنما تضافرت مجموعة من العوامل أدت إلى انعدام الحياة فيه، بعد تحوله إلى بركة آسنة مملوءة بالنفايات ومياه الصرف الصحي، مضيفا أن ذلك نتج عنه نفوق الأسماك، وانبعاث الروائح الكريهة، ومعاناة أصحاب مراكب الصيد، مضيفا أن أعضاء المهمة الاستطلاعية عاينوا حالة الاختناق والانسداد الكامل للمصب.
وأفاد التقرير أن المجتمع المدني اشتكى من جرف الرمال ونهبها والذي خلف شواطئ عارية تتكون من الصخور فقط، ناقلا عنه توثيقه عبر السلطة المحلية ومفوض قضائي وخبير لقيام شركة، ذكرها التقرير بالإسم، بسرقة الرمال عن طريق جر الرمال النقية من الغابة إلى النهر ثم جرفها ثانية وبيعها باسم شركة مغايرة، موضحا أنه كان بالإمكان استثمار الرمال المستنزفة على مدار أكثر من 18 سنة في انجاز مشاريع تعود بالفائدة على المنطقة.
وأوصت المهمة الاستطلاعية بالخروج من دائرة الحلول المؤقتة والانتقال مباشرة إلى الحل الجذري لمشكل مصب نهر أم الربيع، والمتمثل في تنزيل مشروع مندمج لتهيئة المصب وضفتى الواد بناء على اتفاقية شراكة تساهم فيها وزارة التجهيز والماء وجميع القطاعات الوزارية المعنية، إلى جانب الجماعات الترابية، وباقي المؤسسات الفاعلة ومنها المكتب الشريف للفوسفات، وهو ما سيساهم في جلب الاستثمارات وتنمية المنطقة. ودعت المهمة الاستطلاعية إلى إحداث وكالة خاصة بتهيئة مصب وضفتي واد أم الربيع، على غرار واد أبي رقراق أو تكوين لجنة خاصة للتتبع والإشراف، مشددة في حال تعذر الأمر أن تقوم بقيادة المشروع وزارة التجهيز والماء أو وزارة الداخلية أو جهة الدار البيضاء – سطات أو المجلس الإقليمي للجديدة أو غيره، مطالبة بضرورة تجنب وضع الرمال المزالة من المصب في مكان قريب من هذا الأخير حتى لا تعود إليه بسهولة بعد فترة وجيزة.

ندرة الماء والتأثير على ثمن أضحية عيد الأضحى

كشف فلاحون من إقليمي سطات وبرشيد لجريدة الاتحاد الاشتراكي، أن ندرة المياه وشح التساقطات المطرية وغياب الكلأ، كلها عوامل لها تأثيرات سلبية على الحياة اليومية بشكل عام، إذ أدى ذلك إلى ارتفاع أثمنة التبن، حيث وصلت «البالة « إلى 60 درهم إلى 65 درهم في الأسواق، في حين تباع مباشرة من طرف الفلاح ب 40 درهم إلى 45 درهم. هذا الوضع الذي وصفه محدثونا بالكارثي، سينعكس سلبا على أثمان «الحولي»، نظرا للتكلفة المادية التي تتطلبها عملية تسمين الأكباش من أجل بيعها في عيد الأضحى.
ووفق من تحدثت إليهم جريدة الاتحاد الاشتراكي، فإن أثمان الخروف ارتفعت بشكل صاروخي، حيث وصل ثمن الخروف الآن مابين 3000 درهم و 3500 درهم، في حين سيتطلب الأمر إلى توفير العلف في انتظار عيد الأضحى، مما يؤشر على أن متوسط ثمن الأضحية سيعرف ارتفاعا كبيرا.
ووفق عدد من الفلاحين، فإنه رغم هذه الوضعية الكارثية بسبب ندرة الماء، فقد زاد من تفاقم الوضع، المضاربات المسجلة في سوق الأعلاف المدعمة، فبجماعة اخميسات الشاوية إقليم سطات، يشتكي الفلاحون من استفحال هذه الظاهرة، حيث احتكر المضاربون هذه المادة المدعمة « سيكاليم « على سبيل المثال، وكان من المفروض أن يشتري الفلاح القنطار الواحد ب 250 درهم على أساس أن الحكومة تدعم هذه المادة ب250 درهما أخرى، لكن المضاربين سيطروا على السوق هناك، ويبيعونها ب300 درهم للقنطار الواحد، الشيء الذي جعل الأصوات المحتجة ترتفع دون أن تتدخل السلطات للضرب بيد من حديد على هؤلاء المتلاعبون .

آبار عشوائية تستنزف المياه الجوفية أمام أعين السلطات
وارتباطا بندرة الماء دائما، حل بمنطقة أولاد سعيد، بالضبط بجماعة اخميسات الشاوية، مايسمي أنفسهم بالفلاحين الكبار، حيث اكثروا أراضي شاسعة هناك، ووفق مصادرنا، فقد تمكنوا من حفر الآبار خارج القانون، من أجل استعمالها في سقي الجزر، وهو صنف يتطلب الكثير من الماء، في الوقت الذي كانوا يستثمرون في ذات المجال بنواحي مدينة الكارة، لكن الفلاحين هناك انتفضوا ضدهم بحكم استيلائهم على المياه الجوفية، مما اضطرهم إلى الانتقال إلى قبيلة أولاد سعيد، ويقول فلاحون أن الجزر يتطلب السقي لمدة أشهر عديدة، من ستة أشهر إلى 10 أشهر وذلك في ارتباط وثيق مع سعر هذه المادة في السوق.
أحد المتخصصين يتساءل، لماذا لم تعمل وتهتم الحكومة بالحفاظ على الماء واستغلال السدود في هذا الاتجاه؟ إذ من المفروض كما هو معمول به في جميع الدول، أن تتعامل الحكومة في هذا الباب بصرامة، ولا تمتد الأيدي إلى الاحتياط الاستراتيجي من الماء والمحدد في 30% من حقينة السدود وغيرها مهما كانت الظروف، وهو ما لم يتم القيام به.
ورغم التحذيرات التي أطلقها الخبراء، على أن المغرب معرض لمواسم الجفاف، إلا أن الموسم الفلاحي الحالي، كانت المساحة المسقية المبرمجة هي الأكبر مقارنة مع المواسم السابقة، وبالتالي تعاملت الحكومة مع الوضع بشكل عادي، وبدون سابق إنذار منعت الفلاحين من السقي من الوديان تحت طائلة غرامة تصل إلى عشرين ألف درهم .
بل الأخطر من ذلك أن الحكومة شجعت الفلاحين على الاستثمار في البطاطا والطماطم والبصل، رغم أنها تعرف أن هذه المواد تستهلك الماء بشكل كبير، بل خصصت دعما لذلك، حيث وصل الدعم للهكتار الواحد بالنسبة لـ البطاطا إلى 14 ألف درهم، وبالنسبة للبصل إلى 7000 درهم والطماطم إلى 24 ألف درهم، وقد اكترى الفلاحون الأراضي الفلاحية، واشتروا الأسمدة وغيرها، لكن في آخر المطاف تم منعهم من ذلك من طرف الحكومة، وإن دل هذا على شيء يقول محدثونا، فإنما يدل على السياسة العشوائية التي تتبعها الحكومة.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 10/02/2024