على بعد أقل من شهرين على عيد الأضحى، المغاربة يتخوفون من تكرار سيناريو السنوات الماضية.. أحمد العمري، الكاتب العام لفرع المجازر بالدارالبيضاء: القطيع الوطني سينقرض قريبا ؟!

لا تزال أثمنة اللحوم الحمراء تسجل ارتفاعا ملحوظا وصل أرقاما قياسية أثرت بشكل كبير على جيوب الناس وأثقلت كاهلهم، ولم يعد في متناول الكثيرين الحصول على قطعة لحم ولو صغيرة ينوعون بها أطباقهم ولو مرة في الأسبوع بعد أن استشرى الغلاء وقفزت الأثمنة وغدت وجبة غداء واحدة أو عشاء تساوي دراهم كثيرة لا قبل للكثيرين بها. الغلاء الملاحظ الآن في أثمنة اللحوم الذي وصل ضعف ما كانت عليه قبل سنوات قليلة، ونحن على بعد شهرين أو أقل من عيد الأضحى، جعل البيضاويين ومعهم باقي المغاربة يتخوفون مما هو قادم، أي غلاء أثمنة الأضاحي أيضا، وهو ما سيزيد من معاناتهم متسائلين عن الاستراتيجيات التي اتخذتها الحكومة لتوفير أضحية عيد مناسبة لجيوبهم ومتوفرة في الأسواق بالكميات التي تلبي حاجيات الجميع. وفي هذا الصدد قال أحمد العمري عضو المكتب التنفيذي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين والكاتب العام لفرع المجازر، في خرجة إعلامية له مؤخرا، إن استعدادات الحكومة في ما يخص عيد الأضحى، في السنوات الماضية، كانت تبدأ على بعد أشهر بترقيم القطيع وإعطاء أرقام تقديرية حول عدد الرؤوس الموجودة على الصعيد الوطني، وهي الأرقام التي قد تصل إلى ستة أو خمسة ملايين رأس من الغنم والماعز، لكن هذه السنة، مع الأسف، لا يتجاوز القطيع مليونين وهو ما يدق ناقوس الخطر حول النقص الحاصل في أعداد الأغنام والماعز، والخصاص الذي تعاني منه بلادنا، مضيفا أن الحكومة لم تتخذ إجراءات مناسبة، وفي الوقت المناسب لمواجهة هذا المشكل الذي ظهرت إرهاصاته منذ ستة أو خمسة أشهر، كان من الممكن أن تتخذ بشأنه الحكومة قرار إلغاء العيد، مثلما سبق وحدث قبلا في سنوات التسعينيات أو الثمانينيات، ولم يشكل إلغاؤه أي مشكل بل إن القطيع الوطني الذي أعطيت له فرصة التكاثر عرف زيادة في السنوات الموالية للإلغاء، مبديا جهله لأسباب عدم اتخاذ الحكومة لمثل هذا القرار الحاسم الذي سيخرج المغرب من الخصاص المسجل في القطيع..
وعن التدابير التي اتخذتها الحكومة بخصوص الاستيراد حيث رفعت تراخيص الدعم من 300 ألف إلى 600 ألف مع الزيادة في هذا العدد إن لزم الأمر، قال إن هذا القرار كان على وزارة الفلاحة أن تتخذه منذ ستة أشهر على الأقل، لكنها قامت باتخاذ القرار قبل شهرين فقط من العيد، وهي المدة التي لن تكون كافية لتوفير الأضاحي بالكمية المطلوبة خصوصا أو المستوردين وجدوا مشكلا في النقل، كما أنها تتخذ قراراتها دون استشارة المهنيين الذين لهم دراية أكبر بمشاكل القطاع وبالغلاء المسجل فيه، فالخروف الحي وصل سعره إلى ما بين ما بين 65و72 درهم، فسلالة الصردي مثلا وصل ثمنها 72 درهما للكيلو فيما سجلت سلالة تمحضيت 65 درهما، هذا و العيد لم تعد تفصلنا عنه سوى مدة قليلة مما يرجح أن الثمن قد يصل إلى ثمانين درهما للكيلو غرام أو أكثر في فترة العيد، ذلك لأن الخصاص كبير ولا نتوفر على الاكتفاء الذاتي والطلب يفوق بكثير العرض وهو ما سيؤثر على الأثمنة .
ودق العمري ناقوس الخطر حول القطيع الوطني الذي يتجه نحو الانقراض، فبعد أن كان المغرب يصدر الأغنام إلى مناطق عديدة من العالم يسقط الآن في خصاص مهول بسبب توالي سنوات الجفاف وعدم اتخاذ التدابير اللازمة لإنقاذ سلالات مغربية مثل الصردي وتمحضيت وأبي حعد وسلالة منطقة الشرق من الاندحار والانقراض، وإن لم يتم إيجاد الحلول المناسبة فقد نجد أنفسنا دون قطيع في يوم من الأيام، لذا أصبح من الضروري، يقول، أن يؤخذ الأمر على محمل الجد، وأن توضع استراتيجية معقولة على المدى البعيد، والابتعاد عن الحلول الترقيعية كالاستيراد أو ما شابه لأنها لن تؤدي إلى أي نتيجة، وأبرز حل وأنسبه يقول العمري هو استيراد أعداد كبيرة من النعاج لسنة واحدة فقط مع إعطاء الدعم للكساب، والانتظار سنة أو سنتين حتى يتجدد القطيع ويتكاثر بالشكل المناسب، وهذا لن يتأتى دون اتخاذ قرار شجاع يتمثل في إلغاء العيد ليس في هذه السنة لأن الوقت قد فات بل عيد السنة القادمة، والإعلان عن ذلك مباشرة بعد عيد أضحى هذه السنة، دون ذلك سنظل نتخبط في نفس المشاكل وسيزداد ارتفاع الأثمنة وقد نفقد القطيع بشكل نهائي .
وعن تقديراته لأثمنة هذه السنة قال العمري إن المعدل سيجاور خمسة آلاف درهم للخروف، وهو ثمن كبير جدا، وذلك راجع إلى قلة العرض ..لكن المشكل العويص الذي يساهم بشكل كبير في ارتفاع الاثمنة هو غلاء الأعلاف وعدم مراقبة دعمها، وهي المراقبة التي يجب أن تقوم بها الحكومة، بكل جدية، وأن يذهب دعم الأعلاف إلى من يستحقه بعيدا عن المحسوبية والتجاوزات التي تطبع هذه العملية حيث لا يستفيد من الدعم إلا المحظوظون، وتساءل في هذا الصدد : “كيف لكساب يملك 100 نعجة أن يحصل على كيسين فقط من الأعلاف ؟” مؤكدا أن على المسؤولين المغاربة في الميدان الفلاحي الاستفادة من التجربة الأوروبية في ميدان دعم الكسابين، وكيف يشتغلون دون محسوبية أو زبونية، بخلافنا هنا في المغرب حيث العلف المدعم يباع بطريقة غير مشروعة ولا يستفيد منه إلا القليل من الكسابين! داعيا إلى تفعيل مبدأ المحاسبة وفتح تحقيق لمعرفة أين يذهب هذا الدعم ..لأن الأمر يتعلق بالمال العام والمتضرر الأول هو المستهلك..
ورغم أن الدولة بذلت مجهودات لتشجيع المستوردين من أجل تمويل السوق باللحوم الحمراء إلا أنها لم تقم بدراسة المسائل الإيجابية من جهة وتقييم الآثار السلبية من جهة أخرى لتجنبها، لقد بقيت هذه الأخيرة يقول المتحدث، حتى آخر لحظة لتتخذ قرار الدعم، مع العلم أن عملية الاستيراد تتطلب إجراءات طويلة ومعقدة كان على الحكومة التفكير فيها منذ مدة طويلة، لا أن تتركها إلى آخر لحظة مما جعل الموردين الإسبان يستغلون قصر المدة المتبقية عن عيد الأضحى ليرفعوا أثمنة الأضاحي،
فقبل أن يتم الإعلان عن دعم الاستيراد كان الخروف الإسباني (المورينوس) يصل ثمنه إلى 4.40 اورو للكيلو لكن الآن وصل إلى 5.5، أي ستين درهما للكيلو، وزيادة على ثمن النقل، إلى أين سيصل ثمنها عند المستهلك؟ كما أن المستورد ولكي يتم تسجيله في هذا الدعم كلفت الحكومة مكتب الحبوب والقطاني ليضع المعنيون طلباتهم به، لكن هذه العملية، هي الأخرى، وقعت فيها تجاوزات تسببت في عدم استفادة الجميع من الدعم على قدم المساواة، حيث كانت هناك انتقائية في توزيع هذا الدعم، الذي مر من 300 ألف إلى 600 ألف، وهو ما يشكل عشرة في المئة فقط، وهي نسبة غير كافية بتاتا ولن تسد الخصاص الحاصل، لقد كان على الوزارة أن تقوم بإجراءات منذ ستة أشهر إزاءها، وأول ما كان عليها القيام به إلغاء العيد ثم الترخيص بالاستيراد، وهو ما كان سيمكننا من التوفر على قطيع مناسب، وحتى أثمنة اللحوم كانت ستنخفض .
وأكد العمري أن سياسة الحكومة فاشلة وقراراتها ترقيعية لا تأخذ بعين الاعتبار المشاكل على المدى الطويل، وليس هناك بعد نظر في حلها، فمنذ 2019 ونحن ندق ناقوس الخطر، يقول، وكنا نعلم أنه إذا لم تتخذ هذه الحكومة الإجراءات المستعجلة والمناسبة، فسنصل إلى نتائج مؤسفة وهذا ما يقع الآن، لذا على الحكومة أن تتبع استراتيجية مغايرة لما تقوم به الآن، ويجب على الوزارة تحمل مسؤوليتها وأن يجلس وزير الفلاحة مع المهنيين الحقيقيين، متسائلا لماذا لا تقوم الوزارة بنفسها بأخذ مبادرة الاستيراد، وأن تقوم ببيع الأضحية للمستهلك بثمن مناسب، دون الحاجة إلى إدخال المضاربين الذين يستفيدون من الزيادات التي تهلك جيوب المغاربة؟ فالدولة يمكن أن تستورد من استراليا وأمريكا الجنوبية حيث الأغنام هناك منخفضة الأثمان، محملا مسؤولية التدهور الذي يعرفه القطيع المغربي إلى السياسات الحكومية متسائلا عن نتائج المخطط الأخضر؟ فقد كان المغرب من المصدرين للماشية وللأغنام حتى وقت قريب لكن السياسات الفاشلة ساهمت ودفعت إلى هذا الوضع الذي لن نخرج منه إلا باستراتيجية مسؤولة، ولم لا أخذ العبرة من التجارب الأوروبية خصوصا إسبانيا، وتطوير رؤيتنا للأمور بدل الاقتصار على الحلول الترقيعية والمعالجة التقليدية التي لن تكون لها نتائج إيجابية على القطيع الوطني الذي يسير نحو الانقراض !


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 01/05/2024