عن هول ما جرى أحكي لكم في صلب الواقع المقيد 6- سكنت بالإكراه مقبرة وجدت فيها كل جثت الردم تندبن حظهن

زمن التجلي و الواقع كما هو أم زمن حصار أرغمني على الهروب إلى عالم الخيال والمقارنة بين زمنين رغم بعد المسافة ؟
سأتجرأ و أعبر بما يفيد أنني في عمق ( فلسفة الملابس)… زمن أصرت فيه الجائحة على أن أرتدي ثيابي القديمة .
يا حضرة الوافدة الجديدة بضيافتك أسائلك لماذا أكتب متأخرة؟
لا اتردد في التعقيب عنك بما يفيد أنك أيقظتهمتي لكي أضع في المتناول أمانة كلفني التاريخ بنقلها انسجاما و نظرية ” دانتي ” القائلة ( المعرفة مكونة مما سمعه الإنسان ) هي معرفة أحضر فيها أنا كذات … نحن والآخر… و قبل صلاة الغائب .

رتابة الحزن و القهر والجوع أكسرها بقراءة ملامح تعيسة …أترك كل شيء …أترك رمزيتي لأنها في هذا الدهليز ليست مهمة إلا لنفسي و بالتالي لا تعنيهن في شيء.
كم مرة عقدت العزم على جمع الحكايات…أشكر قدراتي العقلية فما زالت يقظة لم تنل منها المحن و العذاب أو ما ترتب عن وخزة غريزة أمومة جاءت متأخرة جددت فواجع أخرى رفضت أن تستمر فكان الحسم باستقلال ذاتي , تذكرت الآن ما جادت به راحلة من أقارب أحد المارين بدون دليل في درب نضال يقال عنه حتى هو منبت لليسار , أعتقد هو (الجاثم الآن أمام عرينه تقفز على ظهره القرود )… أضافت الراحلة ابنة العم إلى رصيدي مثلا شعبيا في الصميم بدعوى ( أن الجوهر لا يقدم هدية للدجاج) حكمة بليغة كما تلاحظون .
تكلفت بالمسؤولية إلى أن انتهيت من ترتيب منزلي … غسلت صحون الماضي و توجت الحاضر بوحدتي الممتعة القاسية..فزت بقصب السبق في التربية والرعاية و نكران الذات . و الآن أتذكر ثمرة بويضتي بأعز اللعب و أوراق خربشة تلوين مستويات تأهيل الأطفال استمرت تلك اللبوءة بدون أي إحساس بالمهانة ردت على الفضوليات و الفضوليين : أنا اللبوءة من خوزقته جعلت منه فحلا لكي أفوز بهذا الشبل بلغوا ما قلت للضباع و الثعالب والأثان و الجرذان .هذه جرعات قوة حافظت على ترتيب دماغي في خانات جمجمتي
و الآن هاأنذا أسترسل من أجل تنفيذ مشروع عزمت على أن أستثمر ما خزنته في حصاري الزجري … شكرا لقدر ساق لي المسماة (كورونا) الشرسة تعيد نفس التجربة بنفس الدقة .
هذه توطئة اعتراضية لابد منها و الآن تحيلني إلى سرد ما اخترته من صور التقطتها و أنا أتجول في جنوب قبورا لمنسيات المعنفات بل حتى المنحرفات , أعرج على صف نساء الصمت و المدد الطويلة , علمت أن واحدة منهن وفي مرحلة أرذل العمر – وأستغرب لبقائها دون مراجعة الأوراق – قضيتها تتنزل في زمن يشرئب فيه عنق الوطن لاستنشاق نسيم الحرية … حيرتي ازدادت فالعجوز كانت شابة عالجها قضاء الدولة الفرنسية في المغرب بحكم يعادل الجريمة المقترفة (الإعدام ) حينها و مع إعلان التحرر و الاستقلال فتحت أبواب السجون تم الإفراج عن الوطنيين الأحرار … و الارتباك أدى إلى تسريب ملفات بعض معتقلي جرائم الحق العام ولم يمض على محاكمتها إلا بعض الشهور استفادت بدورها من الإفراج …يا أفاضل توقيع العفوكلام آخرسينطلق بدستور وظهير أحيانا لكن إذن في هذه المرحلة أركز على مصطلح الإفراج و ليس العفو بطبيعة الحال …
فاطنة أحمد تلك القطعة المنسية على مشارف نهاية العمر الافتراضي للإنسان … سريرها في الطابق السفلي المحادي للمرحاض يتناول ملفها من جديد بداية الستينات و أنتم يا إخوة النضال و التاريخ أدرى بطبيعة حال الانتقال من مرحلة إلى أخرى ظلت ضبابية , بتفاصيل رجوع بعض الخونة عبر بوابة معاهدة أو اجتماع أو لقاء بعينه ,هو تداخل بين الاستعمار و السلطة الجديدة بتحالف استبعاد الحركة الوطنية من المعادلة , بوادر ظهرت مؤشراتها على مستويات عدة خيوطها ملغومة إلى الانفراد بالسلطة التنفيذية بالأمن و حتى بالجيش , مقابل ما عانته النخبة التقدمية التي أفرزت حركة التحرير إنها الحركة الاتحادية …نعم عانت حروق تحالف الاستعمار بأبنائه الجدد… تحريف تضليل أدى إلى تلفيق التهم الجاهزة وإلباسها بخيرة أبناء وطن تليد … السلطة القضائية بمرحلة جنينية لا يضبطها قانون أول يسمى الدستور بقدر ما أن الاعتماد تم على ما ورد في إرث القانون الاستعماري في القضاء لا غير … عود على بدء وفاطنة أحمد تعاد محاكمتها بداية الستينات وتعالج بالحكم السالف بالإعدام .
حتى إذا ما اقترب موعد الإفراج عني بمغادرة ديار الحصار و أنا أعلم بأن مي فاطنة الصامتة الشرسة المحافظة على عزتها …لا تمد يدها صدقوني لا أدري أين تختبئ لكي تضع مضغة خبز أو رشفة شاي بارد في فمها … اختارتني و أسرت لي بقسط من حياتها و كيف قدر ارتكاب جريمة وجدت نفسها في صلبها … قررت أن أتسلح بما في جعبتي من حقائق مشفوعة بتحليل و شرح تلقيته عن خيرة رواد الحركة الاتحادية فكرت مليا و عقدت العزم على تدبيج طلب عفو لفاطنة التي طال بها المقام يزورها أحد أقاربها أو ما تبقى من رائحتها مرة كل سنة أو سنتين حتى العنوان بدون رقم يقتصر على اسم القبيلة و السوق فالدوار… أنجزت طلب عفو وقفت في سياق الخطاب أستحضر شروطا موضوعية صاغت ذاتية أثناء مرحلة مخاض الوطن ركزت على ضرورة استحضار شرط الاكراه الممثل في مخلفات الاستعمار وكيف طالت البناء الاجتماعي فتولد عنه مظاهر البؤس و السقم و التفكك و الجوع .
في طلب العفو حاولت أن أنجز ما يقرأ وراء السطور و للأمانة العلمية فالوقائع حقيقة تتنزل في التاريخ و ليست من نسج الخيال أذكركم بسياق اعتمدته في بناء طلب عفو انطلاقا من الحقيقة التي سأرويها نقلا عن دروس تلقيتها بالطباشير و السبورة في مقر الحزب و النقابة و تحية تقدير و احترام و اعتراف للفكر اليقظ المناضل الرفيق مبارك المتوكل و رغم الاختلاف …
فاطنة تكاد تنتقل من مرحلة الطفولة إلى يافعة تصرح كانت ذات قوام مثير لأبناء و رجال حتى الدواوير المجاورة … ضربة الأمريكان بقصف ثكنات عسكرية فرنسية موالية طبعا لحكومة (فيشي ) الموالي بدوره للنازية , قذائف وصلت شظاياها الطائشة إلى عقر دوارهم لاذ الجميع بالفرار. لا أب يحميها أو حضن أم يأويها تاهت في أرض الله الواسعة … عبثت بجسدها وعواطفها الذئاب … هذا كلامي يا أفاضل ينير لكم مسلك فهم كيف ولماذا و ما خطب المرحلة حتى ترتكب الجرائم و توالت الانحرافات ؟ …اخترت انطلاقتي من ظروف موضوعية كانت وعاء لتفريخ أخرى ذاتية و الضرورة تقتضي فهم التيارات العميقة التي قلبت مجرى التاريخ و المجتمع .
انطلقت من مكنون استضمرته عن طريق تكوين ما يشكل موسوعة فكرية جنينية لكي لا أتطاول على الأحداث . وجدت الفرصة مواتية لكي أقوم بعملية تنفيذ و لو على سبيل ترتيب لغة في انسجام مع الفكرة و تفاصيل الواقع…استطعت أن أشير إليها برؤوس أقلام …هكذا نجحت وبامتياز… هللت و كبرت البئيسات و معهن حراس اكتظ تواجدهم في ممر سطح الاشراف عندما ارتفعت الزغاريد و الغناء والرقص ب (كريف الميزان) …نعم استفادت فاطنة من العفو و كانت المناسبة عيد العرش …لكن بعد ماذا ؟؟ و أنا استفدت بنجاح حققته مستلهمة مقولة كان يشنف بها أستاذنا سي مبارك المتوكل سماعنا يصر على تناولها انطلاقا من بحث أو درس يقول لينين : (أعلى مراتب الوعي هو الوعي السياسي )
سؤال لا أستطيع طرح أسئلته الفرعية القادمة من أحشاء واقع كان موجودا … و لكم موعد مع حكاية يمتزج فيها حكم الإعدام و الحسن الجمال و القامة الهيفاء قطعت مع ما هو خارج أسوار سجن النساء و عن طواعية باب جعلت من السجن منزلها مطبخها دولبها صندوق كحلها و سواكها أوانيها شجرة صفريوية سامقة لحب الملوك كلام آخر كنت أطمح أن أرفعه إلى علماء الاجتماع والنفس بل أنتربولوجيا الإنسان بعد أن أضع في متناولهم قطعة بشرية توقف عندها الزمن الوجود المكان .

الحلقة الموالية شجرة حب الملوك الصفريوية ذات القامة الهيفاء .


الكاتب : مليكة طيطان

  

بتاريخ : 15/05/2020

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *