للحد من كثرة الوسطاء والمضاربين الذين يتحكمون في ارتفاع أسعار الخضر والفواكه

مجلس المنافسة يدعو لاستبدال القانون التنظيمي لأسواق الجملة ل 1962 بقنوات التوزيع القصيرة
المـرور الإجبـاري عـبر أسـواق الجملـة يعزز القنوات الطويلـة ويشجع تدخـل العديـد مـن الوسـطاء

 

 

كشفت دراسة شاملة حول وضعية المنافسة بأسواق الخضر والفواكه بالمغرب، أنجزها مجلس المنافسة على شكل “رأي” أن الوسطاء هم أكبر المتحكمين في تحديد أسعار المنتوجات بالأسواق، ما يؤدي لارتفاع سعرها النهائي وهو ما يجعل الفلاح المنتج ( خصوصا الصغير) والمستهلك النهائي تحت رحمة المضاربين. وأوضحت الدراسة/ الرأي التي تم الإعلان عنها على هامش الملتقى الدولي للفلاحة بمكناس، أن الوسـطاء يلعبون دورا محوريـا في ضـمان الصلـة بـن مرحلـة الإنتـاج المجـزأة والمتفرقـة في الزمـان والمـكان، ومرحلـة البيـع بالتقسـيط حيـث يتـم بيـع هـذه المنتجـات للمسـتهلك النهـائي بأسعار عالية مقارنة مع خروجها من المزرعة.
ويمثل الوسطاء، سواء وصفوا بتجار الجملة أو المجمعين أو السماسرة أو غيرهم من الأسماء، العنصر المحوري في تشغيل أسواق الجملة للخضر والفواكه، وذلك وفقا للتحليل الميداني. ونظراً لطول دائرة التوزيع والتسويق لمنتجات أسواق الجملة، يجد المنتجون صعوبة في تحقيق أرباح كافية من دورات الإنتاج الخاصة بهم، بينا يجد المستهلكون صعوبة في الحصول على الخضر والفواكه الضرورية لنظامهم الغذائي الأساسي بأسعار معقولة. ويؤدي تموقع هؤلاء الوسطاء بين المنتج والمستهلك إلى وضع هذين الفاعلين في قلب النظام، حيث يستحوذ الوسطاء على معظم القيمة المضافة الناتجة عن السلسلة. وفي الواقع، فإن هامش الربح الإجالي للوسطاء هو العنصر المهيمن في تشكيل أسعار المبيعات، حيث يستحوذ على ما يقرب من % 34 من السعر النهائي في المتوسط، مقارنةً بنسبة % 30 فقط للمنتجين.
واعتبر المجلس أن نموذج تدبـيـر ســوق الجملــة في المغرب، الموروث مــن إطــار تنظيمــي يعــود تاريخــه إلى ســنة 1962 والـذي تـم تصميمـه في البدايـة للجماعات الحضرية، أصبـح اليـوم عقيمـا إلى حـد كبيـر ويقـوض جاذبيـة هـذه الأسواق وسلاسة أدائهـا. ويرى ذات المجلس أن طريقـة إدارة قطـاع الفواكـه والخضـر ليسـت مثاليـة ولا فعالـة مـن حيـث منظور المنافسـة. حيث يعـزز النظـام السـائد القنـوات الطويلـة، القائـم عـلى المـرور الإجبـاري عـبر أسـواق الجملـة وتدخـل العديـد مـن الوسـطاء، الأمـر الـذي يـؤدي إلى تدهـور المنتـج وارتفـاع الأسـعار دون قيمــة مضافــة حقيقيــة. لذلــك اعتبر المجلس أنه مــن الـضـروري اســتبدال هــذا النظــام الإجبــاري بنمــوذج قائــم على الحوافـز والقيمـة المضافـة، مـن خـلال نهـج قنـوات توزيـع بديلـة وموازيـة لأسـواق الجملـة التقليديـة، كمـا اعتبر أن الترويـج للقنـوات الرسـمية القصـيرة والقصيـرة جـدا حـل قابـل للتطبيـق ويوفـر العديـد مـن المزايا إذ تقـلل هــذه القنــوات المسافات التـي تقطعهــا المنتجات وكــذا وتـيـرة معالجتهــا وسرعة تلفهــا وتســاعد في الحفـاظ علـى نضارتهـا وجودتهـا. وبالإضافة إلى ذلـك، تحسـن هـذه القنـوات مـن إمكانيـة تتبـع المنتجات، وبالتالي يمكــن للمستهلكين معرفــة مصدرهــا وضـمـان جودتهــا وسلامتها. وتعــزز هــذه الشــفافية ثقــة المستهلكين في المنتجات المحلية وتســاعد عـلـى تعزيــز عمــل المنتجين.
ومـن أجـل ضمـان العمـل الفعـال والمتناسق لأسواق الجملـة والتقسـيط للفواكـه والخضـر في المغرب، طالب المجلس بضرورة مراجعــة وتحديــث الإطار القانوني الحالي لضمان التنظيــم المناسب مــع تعزيــز التنميــة المتوازنة لهــذه الأسواق، ســواء في القطــاع العــام أو الخاص.
وأوصى المجلس بأن تكـون شروط إنشـاء وتشـغيل البنـى التحتيـة التجاريـة المخصصة لبيــع الخـضـر والفواكــه ســواء مــن قبــل القطــاع العــام أو الخــاص محــددة بوضــوح مــن خلال اللوائــح، وبالتالي ضـمان معايـر موحـدة وعادلـة لجميـع الجهـات الفاعلـة والمعنية. ومــن الضروري أيضــا توضيــح الوضــع القانوني لتجــار الجملــة لضـمـان شــفافية المعاملات وشرعيتها. كما أوصى بــإدراج تغيــرات عـلـى القانــون التجــاري، والاعتماد بشــكل خــاص على القانــون المقارن مثــل القانـون التجـاري الفرنـسي، مـن أجـل تحديـد حقـوق والتزامـات تجـار الجملـة بوضـوح، لا سـيما مـن حيـث التنظيــم والمســؤولية، بالإضافة إلى ذلـك، ينبغـي توضيـح صلاحيـات السـلطات المحلية والإقليمية في إنشـاء وتدبـر أسـواق الجملة على المستوى القانوني والتنظيمـي. ويمكـن أن يتـم ذلـك مـن خلال التمييـز الواضـح بـن أسـواق الجملـة ذات الطابـع الإقليمي وتلـك ذات الطابـع الجماعـي، ومـن خلال تخصيـص صلاحيـات محـددة للجماعـات والجهـات الاداريـة مـن أجـل تطويـر كل منهـا. ومـن الـضروري أيضـا، حسب المجلس، مراجعـة النظـام القانوني الـذي ينظـم مؤسسـة الوكيل لأسواق الجملـة في الجماعات الحضرية. وســيمكن إلغــاء الظهيــر رقــم 1-62-008 الصــادر بتاريــخ 2 رمضــان 1381 مــن تحديــث هــذه المؤسسة وتكييـف مهمتهـا مـع متطلبـات السـوق الحاليـة. وفي الوقـت نفسـه، ومـن أجـل ضمـان التنسـيق الفعـال والإدارة المثلى لأسواق الجملـة، يُقـرح إنشـاء هيـأة توجيهيـة وطنيـة. ومـن شـأن اعتـماد قانـون انشـاء “شركـة وطنيـة لأسواق الجملـة” أن يجعـل مـن الممكن تركيــز أنشــطة الإدارة والإشراف، بالتعــاون مــع الـشـركات الفرعيــة للتنميــة الإقليمية والمحلية. ومــن شــأن هـذه الهيكلـة أن تكفـل الإدارة الفعالـة والمنسقة لجميـع أسـواق الجملـة علـى المستوى الوطنـي، مـا يسـاعد عـلـى تعزيــز شــفافية القطــاع وكفاءتــه، كـمـا أنــه ســيكون بمثابــة قــوة اقــراح بشــأن مشــاريع القوانـيـن واللوائـح المتعلقة بتحسـن وتحديـث البنيـة التحتيـة والممارسات التجاريـة في أسـواق الجملـة.
وطالب المجلس بضرورة مكافحة الخسائر والتلف في السلسلة، حيث تقـدر خسـائر مـا بعـد الجنـي مـن الخضـر والفواكـه بمـا يـراوح بـين 20% و40% مـن الإنتاج. وتـبرز هـذه الإشكالية بشـكل خـاص في زراعـة البصـل، حيـث يتـم فقـدان حوالي 40٪ إلى 80٪ مـن المحصول بسـبب ظـروف التخزيـن إذ يواصـل العديـد مـن الفلاحيـن اسـتخدام الممارسات التقليديـة مثـل التخزيـن في حفـر مبطنـة بالقـش أو البلاستيك.


الكاتب : n عماد عادل

  

بتاريخ : 29/04/2024