من أجل إطار قانوني حداثي لمهنة المحاماة (2)

 

لا بد من إعادة النظر في القانون المنظم لمهنة المحاماة بإضافة بند خاص بمجلس وطني للهيئات ينتخب أعضاؤه من طرف الهيئات الناخبة لمختلف الهيئات (ويجب التنصيص على تنافي العضوية بمجلس الهيئة مع العضوية بالمجلس الوطني للهيئات) تكون من مهام المجلس الوطني تمثيل المحامين وهيئاتهم لدى المؤسسات العمومية وتوحيد قواعد ممارسة المهنة والتكوين المهني والمستمر للمحامين، وضبط تسجيل المحامين الأجانب، وتحديد واجبات المساهمة في التكافل الاجتماعي للمحامين طبقا لمبدأ من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته.
الثالثة حول تفعيل دور المحامي في المجتمع. المحامي لا يقتصر دوره على تمثيل الأطراف أمام المحاكم.
مهمة تمثيل الغير أمام الإدارات العمومية موكولة للمحامين بمقتضى القانون (المادة 30 من القانون المنظم لمهنة المحاماة) لم يتم تفعيلها بحيث لا زلنا نلاحظ وجود طوابير من البشر أمام بعض مكاتب الإدارات العمومية المختصة بتسليم بعض الوثائق الإدارية سواء للمغاربة أو للأجانب.
الأجانب يستغربون لعدم قدرة المحامين على تمثيلهم لقضاء مآربهم أمام الإدارات العمومية خاصة ما يتعلق بسحب بطاقات الإقامة أو تجديدها أو سحب رخص إنجاز مشاريع استثمارية إلى غير ذلك من الوثائق التي تسلمها الإدارات العمومية.
المواطنون المغاربة يستغربون من جهتهم لعدم قدرة المحامين على تمثيلهم في سحب جوازات سفرهم ورخص إقامة مشاريعهم الاقتصادية والتجارية وكل ما يهم حياتهم المدنية وحتى السياسية (لماذا لا يقبل مثلا من المحامين النيابة عن مرشحين للانتخابات الجماعية والتشريعية في إيداعات طلبات ترشح هؤلاء لدى السلطات المعنية؟ لماذا تلزم القوانين الانتخابية المرشح بالحضور شخصيا لدى السلطات المعنية لإيداع طلب ترشحه؟).
كما يستغرب الناس لعدم قدرة المحامين على تمثيلهم في عقود الزواج والطلاق المغربي والمختلط.
فمن المسئول عن عدم تفعيل المهام المنوطة بالمحامين؟ هل وزارة العدل أم وزارة الداخلية أم الحكومة أم أن الخلل في المحامين أنفسهم؟
بالنسبة للإدارات العمومية فإن الأمر لا يحتاج لأكثر من منشور يصدر عن رئيس الحكومة يعمم على جميع الإدارات العمومية لتنبيه المسئولين الإداريين إلى أن القانون يعطي الصلاحية للمحامين في تمثيل الغير أمام جميع الإدارات العمومية من غير الإدلاء بتوكيل خاص، ويحثهم على تسهيل مهامهم مع التنصيص على ضرورة التقيد بمضمونه تحت طائلة المساءلة التأديبية.
وكان أملنا معقودا على النقباء الجدد ومجالس الهيئات المنتخبة للرفع من مستوى مهنة المحاماة وتفعيل الدور المنوط بالمحامين لتسريع وتيرة عمل الإدارات العمومية وعجلة النمو الاقتصادي لبلادنا غير أن شيئا من ذلك لا نلمسه. بل جاء الخبر عبر بيان السيد نقيب هيئة المحامين بتطوان يفيد أن محاميا تم طرده من طرف إدارة لم تسمح له بالقيام بمهامه.
الرابعة حول التعاضدية العامة لهيئات المحامين بالمغرب. نظامها الأساسي غير دستوري حيث يقصي فئة من الترشح لانتخاب أجهزتها. (انظر الفقرة خامسا أدناه حول: مجلس التقاعد والاستشفاء والمصالح الاجتماعية والتعاضدية العامة لهيئات المحاين بالمغرب)
الخامسة حول التقاعد ونظام التكافل الاجتماعي بين المحامين.
هذا الموضوع شغل الكثيرين وتعاملت معه كل هيئة بطريقة مختلفة منها من قرر لهذا الغرض تخصيص جزء من أتعاب المحامين في نوع من القضايا، ومنها من قرر توزيع نوع من القضايا على المحامين.
غير أن كل هذه الاجتهادات اصطدمت بمعوقات إما قانونية وإما واقعية.
فبالنسبة لتخصيص جزء من أتعاب القضايا قرر القضاء عدم قانونيته لأنه يتنافى مع الطابع الحر للمهنة، ونفس الشيء بالنسبة لتوزيع نوع من القضايا اعتبره القضاء مساسا بمبدأ المنافسة وبحرية المتقاضي في اختيار محاميه.
وبما أن نظام التكافل بين المحامين يهدف إلى تحقيق التكافل الاجتماعي لهم بما يساعد في تأمين الرعاية الاجتماعية اللازمة لهم ولأسرهم من بعدهم في حالة العجز الكلي أو الوفاة.
فإنه وإن كان القضاء يلغي نماذجه حتى الآن لجهة الشكل فإنه لا يمكن رفضه من حيث أهدافه.
فقد ورد في قرار رقم 3584 صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 08/12/2004 في الملف المدني عدد 2785/7/2001 ما يلي: توزيع قضايا حوادث السير أو اقتطاع جزء من أتعاب المحامي لتمويل صندوق التقاعد للمحامين يتنافي والطبيعة الحرة للمهنة.
صحيح أن النماذج التي تم اعتمادها من طرف بعض المجالس لم يظهر فيها هدف التكافل واضحا بقدر ما كانت الغاية هي الحد من بعض مظاهر الاحتكار لنوع من القضايا.
يعلم الجميع أن بعض المحامين يعيشون على الكفاف ولا نجد في رصيدهم حتى ما يكفي لدفنهم عند وفاتهم فبالأحرى رعايتهم هم وأبناؤهم في حالة عجزهم عن العمل.
الدولة لا تساهم بأي قسط في هذا الباب بالرغم من الدور الذي يقوم به المحامون في مجال تحقيق العدالة التي هي مسئولية من مسئوليات الدولة. وهي مناسبة لتوجيه نداء إلى الحكومة من أجل فتح حوار حول هذا الموضوع من أجل المساهمة في تنزيل توصيات المجلس الاقتصادي والاجتماعي الداعية إلى تعزيز النظام التكافلي في المجتمع.
ولهذا الغرض ينبغي تأسيس صندوق خاص يديره مجلس يتكون من سبعة أعضاء منتخبين من طرف الهيئة الناخبة على مستوى كل هيئة (شريطة ألا يكونوا أعضاء بمجلس الهيئة) يختارون من بينهم رئيسا ويقدم تقريره خلال الجمعية العمومية الملتئمة خلال شهر دجنبر من كل سنة وفق نظام داخلي مصادق عليه من طرف الجمعية العمومية للمحامين.
دون أن نغفل عن ضرورة شمل المحامين بالتغطية الصحية الإجبارية وضمان تقاعدهم على غرار باقي الفئات الاجتماعية الأخرى، وهذه من المطالب الملحة التي على الدولة الاستجابة لها.
السادسة تتعلق بالتكوين والتكوين المستمر لتجاوز الإعاقة المهنية Sclérose إضافة إلى دمقرطة الخدمات. لا يمكن أن تبقى ندوة التمرين بدون برنامج.
ينص القانون المنظم لمهنة المحاماة علي وجوب خضوع المحامي للتمرين لمدة ثلاث سنوات يمكن تمديدها لمدة سنة بقرار من مجلس الهيئة (حسب علمي فإن مجالس الهيئات لا تسطر برنامجا لندوات التمرين رغم أن مدتها ثلاث سنوات ولا تمارس أي رقابة على كيفية إدارة هذه الندوات). كما ينص القانون على أن شهادة مزاولة مهنة المحاماة تمنح من طرف مؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي. (ولم يصدر لحد الآن أي نص تنظيمي).
وكانت بعض النظم الداخلية لبعض الهيئات تنص على إحداث لجنة للتكوين في إطار قانون 1993 غير أننا لم نجد أي أثر لعملها.
مدة التمرين تستغرق ثلاث سنوات يعين النقيب من يراه من المحامين مؤهلا للإشراف على ندوة التمرين ولا يشترط القانون أن يكون عضوا بمجلس الهيئة. غير أن جميع مدراء ندوة التمرين كانوا يختارون دوما من بين أعضاء مجلس الهيئة.
مدة التمرين ثلاث سنوات ومن غير المعقول أن تبقى بدون منهجية وبدون برنامج وتخضع لاجتهاد المدير المشرف عليها ولا يقدم تقرير لا إلى النقيب ولا إلى مجلس الهيئة، ولا يعقل أن يبقى المجلس بدون علم بسير التمرين ولا دور له في تحديد البرنامج التكويني للمتمرنين.
وتمهيدا لإنشاء المعاهد الجهوية للتكوين المنصوص عليها في القانون المنظم لمهنة المحاماة لسنة 1993، عقدت دورة تكوينية لفائدة المحامين المتمرنين في مختلف المراكز الجهوية في الفترة من 16 ماي إلى 30 منه سنة 2003، شارك فيها المحامون المتمرنون، وعدد كبير من المؤطرين قضاة ومحامين، ركزت على مواضيع مختلفة تشمل الثقافة القانونية والحقوقية والمسطرية وتقنيات الترافع إضافة إلى آداب المهنة والعلاقة بين القضاة والمحامين.
وكان الهدف أولا: قياس مستوى التعاون بين وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب بخصوص التكوين. وثانيا: وضع تشخيص للإمكانيات المتاحة من حيث التأطير ومناهج التكوين وتحديد الحاجيات، بغاية تأهيل المحامين للقيام بالدور المنتظر منهم لتحقيق العدالة باعتبارها أداة لتنمية شاملة.
واستعملت في الدورة التكوينية عدة طرق منها ما هو تقليدي سماه بعض المشاركين في تقييماتهم بالطرق المتجاوزة واستحسنوا الطرق الحديثة التي لا تترك أي فرصة للمتلقي في الشرود «طريقة العصف الذهني BRAIN STORMIN» خاصة بالنسبة لبعض المواضيع، كما لاحظوا غيابا شبه تام للمعينات ووسائل الإيضاح وعدم الاهتمام بتقنية الإعلاميات التي تسهل البحث والمعالجة.
ويستفاد من الانطباعات التي دونها المشاركون في استمارات التقييم اليومية أن الاستفادة كانت على العموم جد إيجابية بفضل المستوى الثقافي العالي للشخصيات المؤطرة سواء منهم المحامون والقضاة. غير أن ذلك لم يمنعهم من إبداء ملاحظات تخص غياب فعاليات أخرى مهتمة بالميدان كالخبراء ورؤساء بعض المصالح ككتابة الضبط والتحفيظ العقاري والعمل البنكي والمقاولاتي وكذا مناهج البحث والتدريب على التقنيات الحديثة.
ولا علم لي بآلية متابعة لنتائج الدورة، وعلى أي فإن المعاهد الجهوية للتكوين لم تر النور لحد الآن.
هناك أنظمة (فرنسا مثلا) تفرض على المحامين أن يخصصوا عشرين ساعة في السنة أو أربعين ساعة في كل سنتين للتكوين المستمر وأن يدلوا بشهادة تثبت ذلك تحت طائلة التغاضي عنهم حتى يتمكنوا من مواكبة المستجدات على جميع الأصعدة محليا وإقليميا ودوليا، لأن العدالة لم تعد تهم حدود الوطن وحده وإنما تهم الوافدين من مختلف الأنحاء الذين يأتون بقوانينهم في مجالات الاستثمار وغيره.
ومن بين مواد التكوين التي تفرض نفسها اليوم على أي مكون من مكونات العدالة نجد في المقدمة أن التزاوج الذي حصل بين الأنظمة المعلوماتية والقانون قد أنجب وليدا سمي بالمعلوماتية القانونية.
إن هذا العلم الذي يعنى «بمعالجة المعلومات القانونية» يلعب دوراً مهماً في حياة رجل القانون لما يقدمه من خدمات هدفها مساعدته على إيجاد الحلول في شتى الميادين القانونية.
فإذا كانت المعلومة هي الجسر الذي عبره نصل إلى المعرفة القانونية فإن المعلوماتية هي الأداة التي بفعلها تتحقق هذه المعرفة.
أن المعلوماتية القانونية وجدت من أجل خدمة القانون ورجال القانون لما يتمتع به الكمبيوتر من وظائف متعددة ومنها استيعاب كميات هائلة من المعلومات القانونية وقدرته على تسهيل عملية البحث عن المعلومة القانونية وسرعة الحصول عليها وذلك عبر بنوك المعلوماتية القانونية.
ويجب التنويه بهذا الخصوص بالمجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل من خلال وضع مواقع إلكترونية وفتحها لبوابة قانونية وقضائية تساعد الباحثين على الوصول إلى النصوص القانونية وتضعها رهن إشارة كل من يرغب في الوصول إلى المعلومة القانونية.
كما يجب التنويه بما بذلته هذه الوزارة في فتح موقع إليكتروني يمسح بتتبع القضايا أمام المحاكم دون ضرورة التنقل، على أمل تغطية جميع المحاكم، علما أن دمقرطة الخدمات تتم عبر هذا الوسيط الإليكتروني بدل الوسيط البشري.
وإن وضع هذه المعلومات رهن إشارة مختلف مكونات العدالة في موقع إلكتروني متاح الولوج له للعموم مجانا من شأنه أن يرقى بجودة العمل، حيث حينها يتضاءل العذر بالجهل أو عدم الاطلاع، وعندها أيضا يكون للتكوين المستمر معناه ومردوديته.
وزارة العدل تبعث القضاة لاستكمال التكوين، ولا ندري لماذا لا يستفيد المحامون من هذه الدورات التكوينية. ثم لماذا لا ينظم المحامون دورات تكوينية لهم في مختلف المجالات حتى يتمكنوا من مواكبة المستجدات وتجاوز ما نسميه بالإعاقة المهنية Sclérose.
كما يجب التنويه بالثورة التي حققتها الأمانة العامة للحكومة بأن مكنت الباحثين من البحث في الجريدة الرسمية عن طريق بوابة لوحة البحث.
وننتظر من محكمة النقض أن تضع بدورها مجانا رهن إشارة العموم إصداراتها على موقعها الإليكتروني في صيغة قابلة للمعالجة النصية وأن تضع حدا للاتجار في اجتهاداتها (تم مؤخرا خلق بوابة خاصة لهذا الغرض).
يبقى على المحامي أن يتسلح بحاسوبه وأن يتعلم كيف يضع أصابعه على لوحة مفاتيحه.
وعلينا أن نعتبر مسئولية التكوين والتطوير في هذا الباب مشتركة بيننا جميعا محامين وقضاة ومسئولين حكوميين والقطاع خاص. لماذا لا تسلم لنا نسخ الأحكام على الوورد. ولماذا لا ندرج مقالاتنا ومذكراتنا في حواسيب القضاة مباشرة تسهيلا لمهامنا عند تحرير مذكرات الطعن ولمهام القاضي عند تحرير حكمه ولمهام كتابة الضبط عند طبع الأحكام (تم مؤخرا إحداث منصة للمحامي تمكنه من إيداع مقالاته ومذكراته دون التنقل إلى المحاكم غير أنها غير مشغلة لأسباب تقنية). وكنا سمعنا بكل تفاؤل بأن وزارة العدل والحريات بصدد إعداد دراسة لمشروع ينتهي معه التعامل الورقي في المحاكم في أفق سنة 2020. وطرحنا السؤال: هل يستعد المحامون للاندماج في هذا المشروع؟ وهل تتوفر مجالس الهيئات على مشروع نظام تكويني للمحامين لتأهيلهم في هذا الباب؟؟؟؟.
السابعة حول نظام المساعدة القضائية ومساهمة الدولة في أعبائها.
نظمت وقفات احتجاجية ضد مرسوم تحديد أتعاب المساعدة القضائية يوم الخميس 30 ماي 2013 من الساعة العاشرة إلى الحادية عشرة صباحا ببهو مختلف محاكم الاستئناف وبعض المحاكم الابتدائية بالمغرب بدعوة من مجالس هيئات المحامين تنفيذا لتوصية من مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب ضد مرسوم تحديد أتعاب المساعدة القضائية.
ويبدو أن غضب المحامين يرجع إلى أمرين الأول كون المرسوم ينزع عن مؤسساتهم سلطة تحديد وأداء الأتعاب المستحقة للمحامي في إطار المساعدة القضائية. لأن ما جرى به العمل هو تولي النقيب تحديد الأتعاب للمحامي في قضايا المساعدة القضائية التي ينتج عنها نفع مادي للمتقاضي. والأمر الثاني يرجع إلى التخوف من اعتماد معايير هذا المرسوم من طرف قضاة غرف المشورة المكلفة بالبت في الطعون المتعلقة بتحديد أتعاب المحامين خارج إطار المساعدة القضائية ولم يصدر أي بيان عن وزارة العدل يطمئن المحامين على احترام سلطة النقيب في تقدير الأتعاب. ولم يوضح وزير العدل أن تحديد أتعاب عن مهام المساعدة القضائية يدخل في إطار التزامات الدولة بالمساهمة في تعويض المحامين في إطار المساعدة القضائية ولا يمثل الأتعاب المستحقة لهم على الأقل في الظروف الراهنة وأن ميزانية الدولة لا تتحمل أكثر من هذا.
في فرنسا يعرف الجميع معايير تحديد الأتعاب، مثلا استقبال الزبناء مقابل 100 يورو عن كل ساعة، وتتراوح أتعاب الإجراءات والمرافعات ما بين 500 يورو و 1500 يورو بالإضافة إلى مبلغ إضافي يحتسب على أساس نسبة 10% من المبلغ المتحصل عليه عند التنفيذ، وهذه هي المعايير التي يعتمدها مرسوم أداءات أتعاب المساعدة القضائية التي تؤديها الدولة الفرنسية عن المتقاضي إما بصفة كاملة 100% وإما بصفة جزئية حسب الوضعية المادية لطالب المساعدة القضائية، وينص المرسوم الفرنسي على مراجعة هذه الأتعاب مرة كل سنة.
غير أن ما يدعو إلى الاستغراب، هو عدم الحديث عن حرية المستفيد من المساعدة القضائية في اختيار المحامي الذي يريد. بحيث يظل النقيب هو صاحب القرار في تعيين المحامي وفرضه على المتمتع بالمساعدة القضائية.
وإذا كان بعض النقباء يراعون مبدأ حرية الزبون في اختيار المحامي الذي يطمئن إليه حيث يستدعونه للتشاور قبل إصدار مقرر بتعيين محام، فإن جلهم يصدر مقررات بالتعيين دون مراعاة مبدأ الحرية المقدس ويفرضون على المتقاضي محاميا دون إرادته، وكأن استفادة شخص من قرار المساعدة القضائية يقابله حرمانه من حرية اختيار المحامي.
وبما أننا نحن المحامون نقدم خدمات في إطار المساعدة القضائية منذ عدة سنوات دون مقابل فإننا نعلن استعدادنا للاستمرار في تقديم هذه الخدمات مقابل ضخ المبلغ الذي ترصده الحكومة لهذا الباب في الحساب الخاص بتقاعد المحامين المفتوح لدى صندوق الإيداع والتدبير على أن نتولى نحن تنظيم وتوزيع نقط الاستفادة من هذا التقاعد.
**
الثامنة حول الأجهزة:
منهجيا لا يمكن اقتراح العلاج قبل وصف الداء ومكامنه.
الكل مقتنع بوجود خلل نقتصر في هذه الورقة على تحديد معالمه على أن نعود لاحقا لعرض مقترحات لتجاوز الأزمة:
الإحساس بوجود إرهاق يثقل كاهل جميع المؤسسات نقيبا ومجلسا وجمعية عمومية.
بسبب: تكاثر مشاكل المحامين. تكاثر عدد المحامين (عدد المحامين اليوم بالدار البيضاء مثلا يفوق 5000 محام). انعدام ضابط لمالية الهيئات ما أدى إلى المطالبة بافتحاص مالي. انعدام برنامج لتطوير المهنة وتدبير شؤونها. انعدام فعالية الأجهزة. تأثير الهواجس الانتخابية على مردودية المؤسسات. وجود ميولات سلطوية ومزاجية وتأثيرها على جودة الأداء. انعدام صلاحيات للجمعية العمومية في الهيئات التي لا زالت تلتئم فيها. غياب مبدأ المسئولية والمساءلة. غياب برنامج لندوة التمرين. غياب برنامج تكويني وإلزاميته. غياب آلية تنسيقية بين الهيئات ذات صلاحيات. غياب آلية الديموقراطية التي تقتضي المساءلة والمحاسبة وسحب الثقة عند الاقتضاء وهذا الموضوع يتعامل معه البعض بحساسية شديدة ترفض المراقبة.
أصبحت الأجهزة عاجزة عن القيام بالأدوار المنوطة بها قانونا وتلك التي يفرضها التطور الذي يعرفه المشهد المهني لا من حيث العدد ولا من حيث المتطلبات ولا من حيث مشاكل الممارسة المهنية، فكيف يمكن تأهيل هذه الأجهزة للعب دور طلائعي لجعل المهنة تمارس بشكل يحافظ للممتهن ممارستها بشكل مشرف ويجعل أهلها متصالحين مع أنفسهم ومع محيطهم وتحافظ لهم على وضع مادي واجتماعي مريح ومطمئن حتى ينخرطوا في قضايا مجتمعهم ووطنهم وغير بعيدين عن هموم المواطنين ومساهمين في تحقيق عدالة فاعلة ناجعة ومنصفة.
هل لا زال ممكنا تدبير شؤوننا المهنية بنفس الآليات التي تعود إلى القرن الماضي؟ هل لا زال ممكنا اعتماد نفس الأليات في انتخاب الأجهزة المنوط بها تدبير شأننا المهني؟ جمعية عمومية ومجلس ونقيب.
هل لا زال ممكنا اتباع نفس منهجية القرن الماضي في تنظيم النقاش حول شأننا المهني (مناقشة التقارير الأدبية والمالية والمقترحات). ألم يحن الوقت لابتكار أساليب جديدة ناجعة وفعالة.

في عرض اليوم الدراسي المنظم من طرف الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين


الكاتب : احمد ابادرين (*)

  

بتاريخ : 04/11/2023