نـسـاء في ذاكـرة الاتـحـاد

 

لطالما كان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وسيظل مناصرا حقيقيا للقضايا النسائية عبر التطور والصراع الذي واكب مسيرة نضاله الديموقراطي الوطني، مؤمنا بحقوق النساء الأساسية تماشيا مع كل المواثيق الدولية.. وهذا ما جعله يعتبر منذ بدايات التأسيس، أن لا نضال جاد ومسؤول بدون إشراك حقيقي للنساء داخل الجسد الحزبي، وأن لا حزب فاعل ومسؤول بدون نساء مناضلات فاعلات في الميدان، وهو ما شكل منعطفا فارقا في تطور الحركة الاتحادية كفكر حداثي منفتح ومؤمن بحق النساء في النضال وولوجهن قنوات التنظيم الحزبي في زمن كان من المستحيل أن تجد امرأة تمارس السياسة، أو تتواجد ضمن التنظيم السياسي الحزبي، السري منه والعلني.
وإيمانا من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بضرورة ولوج النساء إلى قنوات التنظيم الحزبي، وضرورة إرساء قطاع نسائي مؤسساتي ما شكل آنذاك منعطفا أساسيا في تطور الحركة الاتحادية، واعتبار القطاع النسائي رافدا من روافد الحزب التنظيمية وباقي القطاعات الموازية، بل واعتبار النساء قوة تنظيمية فارقة من داخل الكيان الحزبي رغم كل التآمر والتضييق الذي مورس على الحزب إبان زمن الجمر والرصاص.
ومما لا شك فيه، فإن النساء داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كن ولايزلن مكونا أساسيا داخل البنية التنظيمية الحزبية منذ ولادة التأسيس وحتى الآن.. وأن نساء الحزب ساهمن بقسط وافر وفعال في معركة النضال الديموقراطي جنبا إلى جنب مع المناضلين الرجال داخل صرح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
لسنا هنا بصدد حصر المراحل التنظيمية المختلفة التي شكلت الانطلاقة الفعلية لقطاع نسائي جاد ومسؤول داخل الحزب، وإنما عرفانا ببعض الأسماء التي تركت بصمتها بتاريخ الحزب وانخراطها التام في كل معاركه المصيرية، بل لاتزال بعضها تمارس أدوارها كما ينبغي في النضال والترافع لأجل النساء وقضاياهن العادلة والمشروعة كل من موقعها.

ثريا السقاط.. امرأة من زمن مر ورمز من رموز التاريخ:

هي امرأة ليست ككل النساء، كان فعلا لها من اسمها نصيب.. ثريا النضال والصمود، سيدة انخرطت في النضال إلى جانب رفيقها الراحل محمد الوديع الآسفي بكل شجاعة وثبات.
تلك الفاسية القادمة من دروب فاس العتيقة، ترعرت هناك واستنشقت هواء النضال بالعاصمة العلمية في زمن كان الوطن فيه يئن من بطش المستعمر وتآمر خونته.
في خضم تلك الأحداث التي سبقت مخاض استقلال المغرب، ورغم زواجها المبكر من رفيق دربها لم تنقطع صلة ثريا السقاط بالنضال، بل انخرطت بكل وعي ومسؤولية في تأطير النساء ومحاربة أميتهن لأنها كانت تحمل في قلبها قضية من البداية وهي تعليم النساء والشباب ولأجل ذلك أبدعت وانخرطت في صلب معارك حزبها، وعاشت ككل مناضليه كل الويلات من تضييق وترهيب بكل عزيمة وإرادة ما جعلها تورث جينات نضالها لأبنائها الذين أدوا بعدها ثمن ما ورثوه عنها وعن أبيهم بل امتدت أيادي الجلادين إليهم، ما جعلها معتقلة مرة أخرى خارج أسوار المعتقل.
تلك الشاعرة النهمة التي حركتها السياسة لتنتج الإبداع، فهي تترجم بحق مقولة أحد النقاد الفرنسيين الذي يقول فيها: الكتابة ألم.. فعلا، لقد كانت تكتب رغم أنها تتألم، وما سجل عنها التاريخ يوما أنها تراجعت أو توارت إلى الخلف.. عاشت اتحادية وماتت كذلك، كما تعد من أوائل النساء الاتحاديات اللواتي ناضلن بمعية الرجال دون أي مركب نقص في زمن مر كان فيه النضال حكرا على البعض من الرجال فقط، فبالأحرى النساء.

فاطمة أعزاير أو «مي فاما».. الاتحادية الصامدة والأمازيغية المتعففة:

هي امرأة استثنائية ككل الاتحاديات المسكونات بقضايا الوطن، فعلا إنها استثنائية بكل المقاييس، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، امرأة من معدن نفيس ونادر، ناضلت في زمن مختلف يبدو أنه ابتعد عنا ابتعاد السماء عن الأرض…
اشتهرت بلقب فاما أو الأم فاما نظير خطأ نتج عن نسيان أحد مستخدمي السلطات الاستعمارية الذي نسي حرف T أثناء التحقيق معها واعتقالها، فتحول اسمها من فاطمة إلى فاما حتى أصبح اسمها الحركي وسرعان ما انتشر بين المناضلين.
انخرطت في صفوف الحركة الوطنية منذ سنوات شبابها الأولى ولعل حدث تصفية أحد إخوانها من طرف ذيول المستعمر قد لعب دورا حاسما في فرارها من زواج العائلة، ومن قيود المجتمع لتعتنق النضال وتتزوجه كاثوليكيا إلى آخر يوم في حياتها.
تجاوز دور الأم فاما المهام البسيطة الموكولة من طرف المقاومين للمقاومات آنذاك كإخفاء السلاح وإيواء الملاحقين، بل تجاوزت ذلك بحيث ظل جسدها الهزيل شاهدا على ما عاشته في أقبية التعذيب الذي تفنن فيه الجلادون الفرنسيون منهم أو مجرمو زمن الرصاص الذين أمعنوا في إيذائها، بحيث تكرر اعتقالها التعسفي مرات عديدة لكن ذلك لم يثنها يوما عن النضال بل عاشت وفية للاتحاد ومبادئ التأسيس حتى آخر أنفاسها.
عاشت الأم فاما متنقلة بين بيوت المناضلين وأسرهم تجمع المساعدات وتقدمها لعوائل المعتقلين والشهداء في تعفف ونكران ذات نادرين.

عائشة بلعربي..
عالمة السوسيولوجيا التي اعتنقت النضال:

عائشة.. تلك المناضلة الاستثنائية الهادئة، الآتية من رحم النضال وزخمه الوطني، تنحدر من عائلة مرتبطة بالحركة الوطنية، وكان لوالدتها دور حاسم في صقل شخصيتها المناضلة وكان لها فضل كبير بحكم انخراطها في شبكة نساء الحركة الوطنية بمدينة سلا.. هذه العائلة الوطنية المناضلة التي سيلتحق جميع أفرادها في ما بعد بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية بعد الانشقاق التاريخي عن حزب الاستقلال سنة 1958.
تحملت عائشة بلعربي مسؤولية مقررة لجنة المرأة في المؤتمر الاستثنائي للحزب سنة 1975، ناهيك عن نضالاتها المشهودة في صفوف الحركة الطلابية بقيادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، كما تعد من أهم المناضلات المؤسسات للحركة النسائية المغربية مساهمة منها في تقوية نضال المرأة المغربية وربطها بشبكات عالمية كرابطة نساء منطقة البحر الأبيض المتوسط AWMR.
تعد عائشة بلعربي من أوائل المناضلات اللواتي انخرطن بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سنة 1965، كما كانت من أول من تقلدن عضوية لجنته الإدارية سنة 1978.
مسار عائشة بلعربي مسار متفرد ومشرف، فقد شغلت عدة مسؤوليات تنظيمية حزبية ومؤسساتية وطنية، حيث شغلت منصب كاتبة الدولة لدى وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية في حكومة التناوب التوافقي سنة 1998 كما عينت سفيرة لدى الاتحاد الأوروبي سنة 2000 إضافة إلى كونها مفوضة دولية لدى اللجنة الدولية للهجرة منذ سنة 2004.
خاضت عائشة بلعربي صراعا مريرا من أجل المساواة الكاملة بين الجنسين، حيث كتبت عدة مقالات على أعمدة عدة جرائد وطنية ودولية في مساهمة نوعية منها في التوعية بقضايا المرأة من أجل تحقيق المساواة والعدالة.
لها العديد من المؤلفات العلمية، إضافة إلى مجموعة من المقالات الأكاديمية التي تغني بها الخزانة السوسيولوجية بالجامعة المغربية.
عائشة.. تلك الباحثة النهمة التي وصلت الليل بالنهار لأجل الإجابة عن سؤال التثقيف والنضال في صفوف الاتحاد، مخضعة إياه لأسئلة سوسيولوجية ناتجة عن انخراط فعال وعميق في جغرافية الواقع ووعي تام بكل الإشكالات التي تعيق نماء المجتمع وبخاصة النساء.

أمينة أوشلح ..
مسار استثنائي لمناضلة استثنائية:

إنها أمينة.. المناضلة الهادئة الرصينة التي ارتبطت بالحزب ولاتزال منذ أكثر من أربعة عقود، هي التي تربط مسارها بمسار جيلها واسمة إياه بالمسار المشترك الذي جعل العديد من الشبان والشابات الذين وجدوا أنفسهم داخل كيان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية دون تخطيط مسبق.
أمينة المناضلة التي يشهد لها الحرم الجامعي بفاس بنضالها الملتزم داخل إطار الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بموقع ظهر المهراز كلية الآداب والعلوم الإنسانية التي تعتبره انطلاقتها الأولى والأساسية نحو عوالم النضال المتشعب والمفتوح…
إنها مثال حي، لا شك، على كفاح وطموح وعبقرية المرأة المغربية، انطلق وعيها السياسي بالموازاة مع وجودها بثانوية النهضة التي تقول أنها سمعت فيها كلمة الديموقراطية للوهلة الأولى ومن ثم بدأت رحلة السؤال.
ويرجع الفضل للشهيد عمر بنجلون الذي أقنعها بصورة غير مباشرة بضرورة الالتحاق بصفوف الاتحاد أثناء استماعها له في أحد اللقاءات التأطيرية له بفاس أثناء فترة دراستها الجامعية هناك.
شابة اتحادية جريئة وطموحة، قادتها جرأتها إلى ألقاء كلمة في جمع عام كبير أمام الهرم السي عبد الرحيم بوعبيد رحمات الله عليه.. من هنا بدأت الحكاية، حكاية مناضلة اتحادية متفردة وملتزمة بل حتى هادئة وجريئة في نفس الآن.
تدرجت أمينة أوشلح داخل التنظيم الحزبي ابتداء بعضويتها في الكتابة الوطنية للنساء الاتحاديات سنة 1977، إلى حدود 2006 كما شغلت مهمة الكاتبة العامة لقطاع النساء الاتحاديات سنوات 1993 / 2006، إضافة إلى عضوية اللجنة الإدارية وعضوية المكتب السياسي كأعلى جهاز تنفيذي حزبي…
لكن التزامها داخل الحزب لم يمنعها من الانخراط الفعال في العمل الجمعوي الهادف، فهي عضوة بعدة مكاتب تنفيذية لجمعيات وازنة تشتغل في الحقل المدني والجمعوي، حتى انتخبت سيدة الرباط الأولى سنة 2005 في مسابقة صحافية. واعتبرت كذلك، من ضمن 100 امرأة غيرن وجه المغرب في مجلة تشالنج 2007/ 2009…
الجميع يشهد لهذه المناضلة الاستثنائية بإشعاعها وامتدادها الدولي أيضا، فهي مكونة معتمدة في تكوين النساء في المجال السياسي على المستوى الدولي، كما تعد محاضرة قوية في لقاءات دولية تتعلق بالحياة السياسية وعلاقتها بقضية المرأة في العديد من الدول بافريقيا وآسيا وأوربا بل حتى أمريكا…
إنها بحق مناضلة استثنائية لها مسار استثنائي مختلف ومتنوع، كرست حياتها للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ذلك التفرغ الذي لم يمنع أمينة من الإبداع والأدب، ولعل كتابها الأخير المعنون بـ ديوان عبد الرحمن الكدورتي.. الذي حققته، جاعلة منه صلة وصل بين الجد والحفيدة.. إنها بحق استثناء فعلي، فمن يربط الماضي بالحاضر ليس صعبا عليه الاستمرار في النضال بنفس زخم الماضي.
هن نساء مناضلات إضافة إلى نساء أخريات لا تقلن عنهن نضالا وتضحية، سنخصص لهن في المستقبل القريب مسافات بوح في قادم الأيام، لعلنا نصل ماضينا بحاضرنا ونعرف بهن وبحجم عطائهن الباذخ وتضحياتهن اللامتناهية التي وسمت مسار حزب وطني كبير اسمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فلا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن نسائه الفضليات.

 

 


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 08/03/2022