المؤمن القوي أفضل لله من المؤمن الضعيف

عبد السلام المساوي

بقناعة الإيمان المؤسس على جوهر التدين المغربي، وكمسلم مؤمن بالإسلام الحنيف، هذا الدين السماوي القائم على الرحمة والحب والتسامح والتاخي …وكمناضل متشبع بالموروث الثقافي المغربي الأصيل، ومتشبع بقيم اليسار الكونية: العقل ، الحرية ، التسامح، الإيمان بالاختلاف، احترام المعتقدات، الحوار….أنبذ العنف، التعصب، الانغلاق والانعزالية، الحقد والكراهية، القتل والإرهاب…
إن المؤمن القوي هو فعلا أفضل بالنسبة لله من المؤمن الضعيف. والمؤمن القوي في زمننا هذا هو المؤمن الذي يمتلك سلاح المعرفة واللغات وإنتاج العلم وتقديم الأشياء المفيدة لعالمنا الذي نعيش فيه.
المؤمن القابع في تلاليف ظلامه غير قادر حتى على صنع مصباح صغير لا يصلح لشيء. المؤمن الذي لا يتقن لغات الغير، والذي لا يتقن أحيانا حتى اللغة الأصلية التي ولد بها، والذي يكتفي بترديد ما يقال له مثل الببغاء لا يصلح لشيء. والمؤمن الذي لا يستطيع أن يدخل معترك هذا النقاش مع الغربيين بأسلحة وأدوات هؤلاء الغربيين أنفسهم هو أيضا لا يصلح لشيء.
في العصر العباسي الأول، العصر الذهبي، سخر الخليفة المأمون إمكانيات الدولة المادية والبشرية لنقل وترجمة علوم وفلسفة اليونان، وأنشأ لهذا الغرض مؤسسة «بيت الحكمة» …وتشبع المعتزلة بالفكر العقلاني الفلسفي، ووظفوا العقل للدفاع عن الإسلام والتصدي للفرس الذين كانوا يريدون هدم الإسلام وصولا إلى الإطاحة بدولة المسلمين وخلافتهم، ولمواجهة هذا الخطر الخارجي، لجأ المأمون إلى العدو التقليدي للفرس، فوظف الفلسفة اليونانية لمواجهة الغنوصية الفارسية، ووظف أرسطو لمواجهة ماني وزرادتش ومزدك …وكانت مهمة علم الكلام المعتزلي هو الدفاع عن الإسلام بالأدلة العقلية والمنطقية …وهذا درس للمسلمين في كل زمان ومكان… أن مكافحة الإرهاب والتطرف ليست في ساحات القتال فقط، بل تبدأ وتنتهي في الضمائر والعقل وأيضا النوايا!
من هنا وجب علينا أن نخوض معركة الثقافة والعلم والمعرفة، وأن نتفوق فيها لأن المسلمين الذين كانوا قادة العالم في وقت سابق قادوه بفضل انتصارهم في هذه المعركة، ولم يقودوه بفضل سبابهم والشتائم والتهديد بالقتل والمقاطعة وبقية التفاهات.
هذه هي المعركة الأهم : أن نصبح منتجين للمعرفة والعلم عوض أن نبقى على قارعة الطريق، نسب الناس أو نقتلهم، أو في حالة العجز عن ذلك نهددهم بالقتل ونعتقد أننا نحسن صنيعا…
نعم نؤمن بأنه لا يحق اللعب بالإسلام أو الاستهتار به وبرموزه وبنبيه عليه أفضل الصلاة والسلام ، ونؤمن أننا كمسلمين، علينا أن ندين أي فكر أو عمل إرهابي مهما كان ضحاياه أو الهدف الذي ارتكب من أجله، ونعلن رفضنا لأي فكر إرهابي متطرف …وعلينا أن ندرك أن الإساءة للأديان تحت شعار حرية التعبير هي دعوة صريحة للكراهية والإرهاب ….كما يجب تفادي نشر الإسلاموفوبيا التي لا تقل خطرا عن الإرهاب والتطرف .
ينطلق التكفيري من كونه مرجعا ومصدر قيم الإيمان وعدمه¡ وهو لا يتساءل من أين له تلك المكانة التي تخول له توزيع صفات الإيمان والكفر، لأنها من طبيعة الأشياء، مذ قرر أن يبوئ نفسه تلك المكانة من دون الناس.
ليس بإمكان الذي يكفر الناس أن يفكر، أو يتخيل، أن هناك من يعتبرونه قد تجاوز، من خلال سلوكه بالذات، مواقع الإيمان للسقوط في هاوية لا تتماهى مع الإيمان في كل الأحوال. وإلا فما معنى الإيهام بمعرفة سرائر الناس؟ إذا كان الرسول وهو صاحب رسالة الإسلام، يرى أن من نطق بالشهادتين يحرم هدر دمه، حتى في حالات من الواضح فيها أن النطق بهما يرمي إلى الحفاظ على النفس أكثر مما يدل على الإيمان المباغت قبيل نزول السيف على الرقبة في ساحة من ساحات القتال، وأقول القتال وليس القتل، فبأي حق يتم تكفير ملايين المؤمنين من قبل أفراد، يظلون معدودين رغم كثرتهم هذه الأيام، نصبوا أنفسهم من تلقاء أنفسهم حماة للمعبد ومنافحين عن الإيمان عبر توزيع صكوك الكفر والمروق وغيرها من الفتاوى التي تنتهي إلى نشر فكر الفتنة والقتل في المجتمعات الآمنة، قبل أن يبرز هؤلاء التكفيريون لمصادرة مختلف الحقوق والحريات الفردية والجماعية، باسم ما يزعمون أنه الدين الحق والإيمان الذي لا تشوبه شائبة الزيغ والانحراف ولا يأتيه الباطل أبدا.
فهل هذا ناجم عن كونهم حفظة القرآن الكريم؟ أم هو ناجم عن إلمامهم الواسع بتاريخ الإسلام؟ أم هو ناجم عن تتبعهم للأحكام الفقهية عبر العصور؟ أم هو ناجم عن معرفتهم العميقة بالسنة النبوية ومختلف المذاهب والاجتهادات؟
هذا ما يقولون عادة وهذا ما يوحون إليه في نصوص فتاواهم¡ وبذلك قد يؤثرون بقوة على من ليست لهم دراية كافية بطبيعة كل تلك القضايا فيعتقدون أنهم منبع الحق كل الحق ومرجعية في تحديد الإيمان كما في الدلالة على الكفر.
لكن لماذا لا يقولون للناس إن كل ذلك لا يكفي لاحتكار الإيمان بالطريقة التي يعتقدونها؟ لماذا لا يقولون لهم إن كل تلك المباحث مفتوحة، تماماً، أمام كل طالبيها، قديما وحديثا، دون أن يكون ذلك دليلا على الإيمان، بالمعنى الذي يروجونه؟ وهل يجهلون أن المسلم يمكن أن ينهل من تلك المباحث والعلوم، كما يمكن ذلك تماماً لغير المسلم من أتباع الديانات الأخرى؟ بل ويمكن كل ذلك حتى لمن ينكر الأديان كافة.
من الصعب أن يعترفوا بذلك، وينشروه في الناس، لأنه سيعني أن ما يعتبرونه رأسمالهم المقدس هو مشاع بين ذوي الاختصاص من كل الأجناس والأقوام والديانات والأيديولوجيات المتباينة إلى حد التناقض. وإذا كان مشاعا بطل ادعاء كل امتياز.
ومن هنا يمكن قلب مفردات المعادلة تماماً من خلال القول: إن الناس ليسوا مدعوين لإثبات إيمانهم عبر الخضوع لهرطقات التكفيريين والاستسلام لأهوائهم المتقلبة في كل المناسبات. وإنما المطلوب من هؤلاء أن يبرهنوا على إيمانهم أولا وقبل كل شيء.
وهنا تكمن مشكلة التكفيريين في الواقع.
أما المجتمعات الإنسانية، فإنها تعيش حياتها الروحية كما يسمح لها بذلك الحس السليم والفطرة النقية التي لم يخالطها شيء من المرض التكفيري العضال.

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 26/11/2022

التعليقات مغلقة.