بيان «بريكس»: أي قراءة للموقف من الصحراء؟

نوفل البعمري

 

انتهى لقاء «بريكس» بإصدار بيان حول اللقاء تداول مجموع القضايا التي شكلت الانشغال الحالي للدول المشاركة فيه، ومن بين الملفات التي تم تدبيجها في نصه الموقف من ملف الصحراء باعتباره من الملفات المطروحة كأزمة داخل القارة الإفريقية، وهو من الملفات التي تشكل قلقًا لدى المجتمع الدولي بسبب وضعية الجمود التي يعيشها والمخاطر والتهديدات الأمنية المصاحبة لهذه الوضعية.
وقد تطرق البيان لهذا النزاع وعكس موقف الدول المشاركة في اللقاء من خلال الفقرة التي خصصها لملف الصحراء في النقطة 16، التي أثارت الكثير من القراءات حول من يعتبر أنها أمسكت العصا من الوسط، وبين من يعتبرها متوافقة مع الموقف المغربي، لذلك يهمنا أن نقدم قراءة لهذه المادة للمساهمة في هذا النقاش انطلاقا من مضمونها ومن مسار الملف خاصة السياسي منه، ومن الموقف الذي عبر عنه المغرب بعد محاولة توريطه في المشاركة بهذا اللقاء.
يمكن القول بداية قبل التفصيل في نص البيان، إن الجزائر خسرت رهانًا استراتيجيًا كبيرًا بالنسبة لنظامها، بحيث رغم كل الإغراءات المالية التي قدمتها لجنوب إفريقيا قصد قبول انضمامها إلى مجموعة «بريكس-إفريقيا» إلا أن المطاف انتهى بها برفض طلبها بسبب انهيار اقتصادها الداخلي وعدم قدرته على أن يكون اقتصادًا قويًا بحيث تم النظر إليه كاقتصاد منهار، فقد كان لها رهان قصد قبول طلبها لاستغلاله كورقة سياسية داخلية يرفعها النظام العسكري في وجه معارضيه، لكنه خسر هذا الرهان رغم ما قدمه من «رشوة» مالية لضمان قبول انضمامه.
وما زاد من حجم خسارتها مضمون البيان الذي صدر عن القمة بحيث كانت ترغب هي والدولة المستضيفة للقاء أن يصدر بيان تدعم فيه الدول المشاركة «استفتاء تقرير المصير»، وأن يتم الاعتراف بالكيان الوهمي كـ «دولة» عضو فـ «البريكس-إفريقيا»، وهو ما لم يتحقق إذ تحول «بن بطوش» إلى شخص منبوذ يرفض جل قادة الدول تبادل التحية معه لتجنب التقاط أي صور معه، مادام أن كل همه وهَم النظام الجزائري هو التقاط الصور لتقديمها كاعتراف به وبتنظيمه، لكن المتابع للقاء سيكون قد لاحظ عزلة بن بطوش الشخصية والتنظيمية في موقف سياسي واضح منه وكيانه الوهمي، وفي تعبير عن رفض سياسي لجل الدول طبيعة مشاركته المفروضة عليهم من جنوب إفريقيا في تحايل سياسي تم رفضه من طرفهم، تجلى في تحول بن بطوش إلى شخص غير مرغوب فيه ولا في مشاركته.
بالعودة للمادة 16 من البيان ولنصها فهي أعلنت عن موقفين سياسيين واضحين من الملف، كان الهدف الأساسي منها هو التعبير عن رفض سياسي لكل المناورات التي قامت بها جنوب إفريقيا التي فشلت في فرض تصورها المنحرف حول نزاع الصحراء المفتعل.
الموقف السياسي الأول الذي تضمنته الفقرة 16 تم التأكيد فيه على ضرورة التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول من الطرفين لمسألة «الصحراء الغربية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة».
وهي فقرة واضحة تشير بلغة القانون الدولي ومعجم الأمم المتحدة إلى تبني دول «البريكس» لحل سياسي وفقا للتصور الذي وضعته الأمم المتحدة في قراراتها الصادرة عن مجلس الأمن، وهي قرارات تبنت معايير الحل السياسي الذي اقترحه المغرب، والتي أشارت بوضوح، آخرها القرار الأممي 6245، إلى اعتبار مبادرة الحكم الذاتي هي المبادرة الوحيدة الجدية، ذات المصداقية والقابلة للتنزيل والتطبيق لطي النزاع، أضف لها مسار الحل كما حدده المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، سواء السابق الذي حدد ملامحه في الموائد المستديرة التي تم تنظيمها في جنيف 1 وجنيف 2، وهي الموائد التي كانت ستنتقل من تبني الخطوط العامة للحل إلى التدقيق في خطوطه العريضة، وفقا لقرارات مجلس الأمن. هذه القرارات والموائد أكدت على إقليمية النزاع ومحورية الدور الجزائري في النزاع باعتبارها الأطراف الأساسية فيه المعنية بالحل السياسي وبمُخرجاته.
لذلك فدول «البريكس»، التي أرادت جنوب إفريقيا أن تتحايل عليها لفرض أجندتها العدائية تجاه المغرب، الذي ترتبط دوله بشراكات اقتصادية وسياسية قوية مع المغرب سواء تعلق الأمر بروسيا، الصين، الهند أو البرازيل، وحتى الدول التي قُبل انضمامها خاصة العربية منها التي تتبنى موقفًا صريحا بدعم السيادة الكاملة للمغرب على باقي ترابه، وهو مكسب سياسي مهم للمغرب للدفاع عن تصوره داخل مجموعة «البريكس-إفريقيا»، استطاعت تبني موقف سياسي منسجم مع الشِّرعية الدولية ومع تصور الأمم المتحدة لطي هذا النزاع، ولم تسقط في فخ نظام جنوب إفريقيا الذي كان يُمني نفسه بإصدار بيان يتبنى الفكرة البائدة سياسيا «استفتاء تقرير المصير».
الموقف السياسي الأول الذي تضمنته الفقرة 16 تم التأكيد فيه ” على ضرورة التوصل إلى حل سياسي دائم ومقبول من الطرفين لمسألة “الصحراء الغربية وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
وهي فقرة واضحة تشير بلغة القانون الدولي ومعجم الأمم المتحدة إلى تبني دول “البريكس” لحل سياسي وفقا للتصور الذي وضعته الأمم المتحدة في قراراتها الصادرة عن مجلس الأمن، وهي قرارات تبنت معايير الحل السياسي الذي اقترحه المغرب، والتي أشارت بوضوح، آخرها القرار الأممي 6245، إلى اعتبار مبادرة الحكم الذاتي هي المبادرة الوحيدة الجدية، ذات المصداقية والقابلة للتنزيل والتطبيق لطي النزاع، أضف لها مسار الحل كما حدده المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، سواء السابق الذي حدد ملامحه في الموائد المستديرة التي تم تنظيمها في جنيف 1 وجنيف 2، وهي الموائد التي كانت ستنتقل من تبني الخطوط العامة للحل إلى التدقيق في خطوطه العريضة، وفقا لقرارات مجلس الأمن. هذه القرارات والموائد أكدت على إقليمية النزاع ومحورية الدور الجزائري في النزاع باعتبارها الأطراف الأساسية فيه المعنية بالحل السياسي وبمُخرجاته.
لذلك فدول “البريكس”، التي أرادت جنوب إفريقيا أن تتحايل عليها لفرض أجندتها العدائية تجاه المغرب، الذي ترتبط دوله بشراكات اقتصادية وسياسية قوية مع المغرب سواء تعلق الأمر بروسيا، الصين، الهند أو البرازيل، وحتى الدول التي قُبل انضمامها خاصة العربية منها التي تتبنى موقفًا صريحا بدعم السيادة الكاملة للمغرب على باقي ترابه، وهو مكسب سياسي مهم للمغرب للدفاع عن تصوره داخل مجموعة “البريكس-إفريقيا”، استطاعت تبني موقف سياسي منسجم مع الشِّرعية الدولية ومع تصور الأمم المتحدة لطي هذا النزاع، ولم تسقط في فخ نظام جنوب إفريقيا الذي كان يُمني نفسه بإصدار بيان يتبنى الفكرة البائدة سياسيا ” استفتاء تقرير المصير”.
الموقف السياسي الثاني الذي تم التعبير عنه في نفس المادة الذي ننقله بأمانة كذلك، تمثل في مطالبة دول “البريكس” ” بتنفيذ لـولاية بعثة الأمم المتحدة (المينورسو) “، وهو موقف تم تفسيره في حينه على أنه تبني لفكرة “الاستفتاء” اعتبارًا لكون البعثة في أصلها، كما تم الإعلان عن إنشائها سنة 1991 بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان ضمن ولايتها تنظيم ” استفتاء” تقرير المصير، أصحاب هذا الموقف كانوا سيكونون مصيبين لو كان المسار السياسي للملف لم يشهد تغيرات كبيرة ارتبطت بالحل السياسي، وانعكس على طبيعة ولاية بعثة “المينورسو”، التي انتقلت من لعب دور مدني/سياسي في المنطقة إلى لعب دور عسكري فقط مرتبط بحفظ الأمن في المنطقة العازلة شرق الجدار الرملي بعد أن انتهى دورها جنوبًا بعد العملية العسكرية الأمنية التي قام بها المغرب في الكركرات.
هذا التحول في دور بعثة “المينورسو” تجلى أساسًا في إسقاط ورقة ” الاستفتاء” من الحسابات السياسية لمجلس الأمن منذ سنة 2007، إذ انتقل هذا التحول بشكلٍ تدريجي من تبني لثلاث خيارات ” الاستفتاء/الاندماج الكلي/ الحكم الذاتي”، إلى تبني فكرة وحيدة لطي الملف متمثلة في ” مبادرة الحكم الذاتي”، مما انعكس على دور بعثة “المينورسو” وطبيعة ولايتها التي لم يعد لها أي دور سياسي لا على مستوى ” تحديد الهوية” ولا على مستوى “تنظيم الاستفتاء”، خاصة بعد أن قدم المبعوث الأممي بيتر فان والسوم استقالته من مهمته وأعلن بصريح العبارة عن استحالة واقعية تنظيم الاستفتاء، ليفتح المجال أمام المغرب والأمم المتحدة ليشتغلا معًا حول فكرة حل ثالث يتوافق وميثاق الأمم المتحدة والمعايير السياسية التي وضعتها لطي الملف، مما أدى إلى أن يتم إسقاط ورقة ” استفتاء تقرير المصير” من أجندة الأمم المتحدة وعوضتها بمطلب التوصل لحل سياسي متوافق بشأنه بالمعايير السياسية التي طرحها المغرب سنة 2007 في مبادرة الحكم الذاتي، لينعكس بشكل مباشر على ولاية بعثة “المينورسو”، ويمكن العودة ليس فقط لقرارات مجلس الأمن للتأكد من هذا المعطى بل للتقارير التي يرفعها رئيس بعثة “المينورسو” التي يشير فيها فقط لدور بعثته في مجال حفظ الأمن دون أية إشارة لأية ولاية سياسية أو مدنية.
هذه الفقرة التي تطرقنا إليها وقدمناها كما جاءت في البيان بدون أي تحريف لمضمونها، هي فقرة سياسية واضحة في تبني لموقف سياسي موائم للموقف الأممي من حل النزاع، وهو موقف متلائم مع الشرعية الدولية، ومع الطرح المغربي الذي قدمه في مبادرته لطيه ومستجيب لمختلف التحولات السياسية التي شهدها الملف منذ إسقاط ورقة “ استفتاء تقرير المصير” من أجندة الأمم المتحدة السياسية، وأصبحت العملية السياسية كلها متمحورة حول المبادرة المغربية مع الإقرار إلى جانب ذلك بإقليمية النزاع ومحورية الدور الجزائري فيه.
لذلك يمكن القول إن المغرب الذي رفض الحضور إلى جانب أنه أحبط مناورة سياسية عدائية وخبيثة تجاهه استطاع بفضل التحركات الدبلوماسية التي سبقت انعقاد اللقاء أن يحافظ على دعم هذه الدول للمسار الأممي لطي نزاع الصحراء على أرضية مبادرة الحكم الذاتي، وينتزع دعما سياسيًا قويا من قلب جنوب إفريقيا للرؤية المغربية-الأممية لحل الملف.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 28/08/2023

التعليقات مغلقة.