ليس كل فرنسا ماكرون؟

نوفل البعمري

زيارة زعيم حزب الجمهوريين اليميني الفرنسي «إيريك سيوتي» للمغرب، التي عقد خلالها لقاءات مع قيادات سياسية مغربية، أدلى فيها بتصريحات صحفية كلها تشير إلى أن الطبقة السياسية الفرنسية ليست كلها متفقة مع سياسة ماكرون الخارجية الموجهة للمغرب، مما تسببت في شبه قطيعة سياسية بين البلدين. قطيعة تنذر بجمود دبلوماسي في العلاقة الرسمية بين المغرب و فرنسا.
تصريحات الزعيم الفرنسي حول أهمية العلاقة المغربية الفرنسية، ودعمه الواضح لمغربية الصحراء، وللوحدة الكاملة للمغرب الترابية، سبقتها تصريحات لفرنسوا هولاند الرئيس الفرنسي الأسبق والزعيم الاشتراكي الفرنسي الذي حمَّل ضمنيًا مسؤولية الوضع الحالي للقيادة الفرنسية الحالية، مطالبا الرئيس ماكرون باتخاذ خطوة إيجابية اتجاه المغرب، وقد سبق له أن أكد على دعمه السياسي لمغربية الصحراء، سواء عندما كان رئيسًا أو بعدها…
هذه التصريحات المتوالية، المختلفة للقيادات السياسية الحزبية الفرنسية حول المغرب، تؤكد أن الأزمة الحالية هي أزمة مرتبطة بطبيعة السياسة الماكرونية الموجهة نحو المغرب، كما أنها أزمة لم تصل لتكون مرتبطة بقرار سياسي داخل الدولة الفرنسية، بل متعلقة بالفترة الحالية التي يقود فيها ماكرون فرنسا بالكثير من «الهواية» الدبلوماسية، مما جعلها تُؤثر على العلاقة التي كان يجب أن تكون بين البلدين، تاريخية وعميقة واستراتيجية، كما كانت عليه طيلة سنوات، قبل أن يصل ماكرون لدكة الرئاسة الفرنسية، وينقلب على هذه العلاقة التاريخية التي كانت تعتبر مثالًا للثقة، ولدبلوماسية رصينة حافظ فيها البلدان سابقًا على مصالحهما الحيوية.
في الأزمة الحالية، ظل المغرب محافظًا على هدوئه، ولم يقم بأي رد فعل سلبي اتجاه فرنسا. ظل مراقبًا للوضع، ولمختلف التحركات التي قام بها ماكرون تجاه المغرب، والتي صُنفت على أساس أنها تحركات معادية للمصالح الحيوية المغربية. ويمكن القول إن عدم الرد على فرنسا ماكرون بنفس التحرش السياسي والدبلوماسي الذي ظل يقوم به ماكرون تجاه المغرب، فلأن هناك وعيا مغربيا على كون هذه الأزمة الحالية مرتبطة بسياق سياسي حالي، حيث يقوم ماكرون بقيادة فرنسا بشكل اعتُبر انقلابا على السياسة الخارجية التي ظلت فرنسا توجهها، وهي سياسة كان فيها دعم صريح وعلني للمغرب ولمبادرة الحكم الذاتي، وكان المغرب فيها وفيًا لهذه الشراكة التي ظل يعتبرها تاريخية واستراتيجية ومهمة لكلا البلدين، نظرا لمًا مثله المغرب للطبقة السياسية الفرنسية يمينا ويسارا، وما ظلت فرنسا كذلك تمثله للمغرب.
فرنسا والمغرب سيصلان إلى نقطة حيث سيجلس البلدان معا فيها على طاولة الحوار والنقاش، وسيطرح فيها البلدان كل مطالبهما، وستأتي اللحظة التي سيتجاوزان فيها معًا الأزمة الحالية، بالحوار والإعلان عن المواقف التي كانت تعتبر ثابتة في العلاقة بين البلدين، خاصة منها ما يتعلق بالقضية الوطنية، لكن المؤكد بعد أن ضرب ماكرون كل مقومات الثقة مع المغرب، فإن هذا الحوار وضمان نجاحه لن يكون إلا مع قيادات فرنسية جديدة ونخب حزبية فرنسية حقيقية تنتمي إلى تاريخ فرنسا السياسي والحزبي، طبقة سياسية حزبية فرنسية تعرف مكانة المغرب بالنسبة لفرنسا، كما تعي أهمية الحفاظ على علاقة متوازنة ومتزنة مع المغرب، فيها تقدير متبادل واحترام لثوابت المغرب ودعم صريح وواضح، ليس فقط لمبادرة الحكم الذاتي، بل لمغربية الصحراء.

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 08/05/2023

التعليقات مغلقة.