ملاحظات في علاقة الجزائر بالبرلمان الأوروبي

نوفل البعمري

أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يتعلق بالمطالبة بإطلاق سراح أحد الصحفيين الجزائريين المعتقلين على خلفية كتاباته الصحفية المنتقدة للسلطة العسكرية بالجزائر، وهو القرار الذي يشير إلى عدة ملاحظات، خاصة وأنه أتى بعد الاحتفاء الكبير بالقرار السابق الذي أصدره البرلمان الأوروبي ضد المغرب، والذي حولته الجزائر ونظامها إلى ورقة سياسية لإشهارها في وجه المغرب، وتم استغلالها إعلاميًا ضده واعتبرته الجزائر أنذاك قراراً دوليا «مهما» لإدانته …
الآن، وبعد أن ذاقت الجزائر من نفس السم الذي كانت تسعى لإذاقته للمغرب، تحول خطابها كله إلى تهجم على أوروبا والبرلمان الأوروبي، الذي كانت تدعي أنه مؤسسة أوروبية مدافعة عن حقوق الإنسان!!!
ومع ذلك، وإن كان يجب تسجيل بعض التحفظ على مضامين هذا القرار من حيث الخلفيات التي قد تكون قد حركت صدوره، إلا أنه وجب إبداء هذه الملاحظات:
البرلمان الأوروبي أصدر قراره بشكل انتقائي، فرغم أنه ادعى حماية الصحفيين الجزائريين والرغبة في حماية حرية الرأي والتعبير إلا أن الانتهاكات الممنهجة التي تحدث داخل الجزائر لا تقتصر على الصحفي موضوع القرار، بل هناك عشرات الصحفيين ممن اعتقلوا وتعرضوا لمحاكمات صورية، وصدرت في حقهم أحكام غيابية وصلت للإعدام، بسبب نشر تقارير صحفية استقصائية.
القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي لا يعكس أي أهمية لأنه قزّم من حالات الانتهاكات التي تحدث في الجزائر، وهي انتهاكات طالت مختلف الحقوق الأساسية من حرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر واستهداف النشطاء السلميين ومطاردة المعارضين بالخارج…وهي كلها ملفات ثابتة وأصحابها يطالبون، يوميا، بإنصافهم، ورغم ذلك تغاضى عنهم البرلمان الأوروبي وكأنه يزكي هذا العنف الممنهج الذي يطال النشطاء بالجزائر.
حالات الانتهاكات التي تعرض لها النشطاء المدنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، والتي كانت موضوع قرارات صادرة عن مجلس حقوق الإنسان، ومختلف اللجان الأممية المعنية بحماية حقوق الإنسان، لا تنتظر قصد طرحها قرارا معزولا انتقائيا للبرلمان الأوروبي، الذي لم يستطع أن يتطرق فعلا لحالات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
البرلمان الأوروبي أراد أن يبعد عن نفسه شبهة تواطئه وتواطؤ بعض فرقه البرلمانية من خلال إصدار قرار اختار حالة واحدة للمطالبة بإطلاق سراحها، وكأن الجزائر تعيش حرية صحافة، في حين تم تشميع، قبل أسابيع، مقر راديو جزائري، وتم اعتقال صحفييه دون تسجيل أي تضامن أوروبي معهم.
البرلمان الأوروبي يبدو أنه لم يصل لعلمه حل أكبر المنظمات الحقوقية الجزائرية واتهام قيادتها بالإرهاب، في أغرب التهم التي لا نجد لها مثيلا في أي مكان.
هذا القرار الصادر عن البرلمان الأوروبي التعاطي معه يجب أن يكون حذرا لأنه لا يقدم حقيقة الوضع الحقوقي في الجزائر، ولا يعدد حالات الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها عموم الصحفيين والنشطاء المدنيين بالجزائر، مما يطرح السؤال: هل هذا البرلمان الأوروبي أعمى عن ملاحظة هذه الانتهاكات أم أنه لسبب ما لا يريد أن يراها!؟

الكاتب : نوفل البعمري - بتاريخ : 15/05/2023

التعليقات مغلقة.