خطاب الكراهية والتكفير من جديد

إيمان الرازي 

ما إن أسدل الستار على عمل الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، حتى انهال عليها من كل جحر سحيق البعض ممن سولت له نفسه الإفتاء باسم الدين، ضد هذه اللجنة المعينة من طرف جلالة الملك، والتي استمعت في إطار جلسات الإنصات المنتظمة، لتصورات العديد من المنظمات والمؤسسات التي تعنى بمؤسسة الأسرة في شموليتها،  بصيغة مكتوبة على شكل مذكرات شاملة جامعة، لمجموعة من المقتضيات التي تتطلب، بحق، تعديلات جادة، بعد أن أثبتت الممارسة قصورها، خاصة ما يتعلق في مجمله، بقضايا الزواج والطلاق والولاية والحضانة والوصية والتعصيب وإثبات النسب. . وغيرها من القضايا التي تستوجب مراجعتها مراجعة حقيقية حماية للأسرة والأطفال.
وقد قدمت كل هذه التصورات، عديد المشارب المدنية والسياسية والمؤسساتية، على تباين رؤاها، حيث سهر جميع الشركاء على تقديم توصيات خاصة بتدابير المواكبة لتحقيق مدونة الأسرة في نسختها القادمة لكل الأهداف المرجوة منها، حماية للمجتمع، ولتصبح كذلك، مدونة أكثر عدالة وإنصافا وتضامنية تعيد الاستقرار والطمأنينة لمؤسسة الأسرة كما تؤكد على تحصين مصالح كل مكوناتها -سواء أكانت امرأة أم رجلا أم أطفالا – المادية منها والمعنوية، ومستجيبة لروح الدستور المغربي الذي ينص على سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية.
لكن ما إن تسلم السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش مؤخرا، تقرير هذه الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، والذي سيتم عرضه على أنظار رئيس الدولة وملك البلاد وأمير المؤمنين، قبل إعداد الحكومة لمشروع قانون في هذا الإطار، بغية عرضه كذلك على مصادقة البرلمان بغرفتيه الأولى والثانية.
فما إن أنهت اللجنة ذاتها عملها وأدت مهمتها، حتى خرج علينا من جديد من ينصبون أنفسهم أولياء على الدين من جحورهم، أولئك الذين تجاوزهم التاريخ، والبعض منهم من صناع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي وفقط، فلا هم بعلماء دين ولا فقهاء نوازل ولا باحثين متخصصين في العقيدة، حتى هاجموا مؤسسات دستورية وشخصيات عمومية بوابل من السب والشتم والتشهير، وكل تلك الاتهامات الخطيرة التي تغذي خطاب التحريض على الكراهية، بل ذهب البعض منهم إلى إعلان الحرب الأهلية بسبب تعديل المدونة، وهو كلام خطير يستوجب وقفة تأملية لما فيه تهديد خطير ومساس بسلامة الأفراد والمجتمع برمته.
فأن تعبر وتختلف وتدافع عن قناعاتك شيء، لكن أن تحاول جر المجتمع المغربي لمستنقع التكفير معتقدا أنك على حق، ومقدما نفسك مالكا وحيدا للحقيقة، أمر مرفوض ومدان، ما شرع للمتطرفين أن يشحذوا سيوفهم وأقلامهم من جديد، ويقرعوا طبول الحرب دفاعا عن الدين، حتى قبل أن يطلعوا على مخرجات النقاش، والنظر السديد لأمير المؤمنين الحريص الوحيد والأوحد على إيمان المغاربة المبني على مؤسسة إمارة المؤمنين، وأنها الوصي الأول والأخير على الحقل الديني، تقوم على مبدأين أساسيين هما: البيعة العامة، وهي العهد بالولاء والطاعة، ثم بيعة أهل الحل والعقد، الذين يمثلون الأمة، وهذا ما يؤكد أنها مؤسسة متكاملة لها أسسها الشرعية والدستورية والسياسية، كما أثبت ذلك التاريخ في كل زمان ومكان، ويثبته الواقع اليوم في كل لحظة وحين. وما تحققه هذه المؤسسة الروحية للمغرب والمغاربة، من مناعة ضد كل أنواع التطرف والغلو والجهل ما يحصن الأمن الروحي لهم، ويوفر أرضية خصبة لدين إسلامي معتدل وعادل تبناه المغاربة في إطار تعاقد عقائدي منذ أكثر من 12 قرنا من الزمن.
غير أن هذه الغلواء قد بلغت مدى تصعيديا لم نكن لنتصوره، عقب إعلان اللجنة عن إنهاء مهامها، وهو ما يستلزم من محترفي الركمجة على المعتقد أن يجيبوا عن السؤال الآتي:
هل حجم السعار الذي باتوا يملؤون به فضاء النقاش العام، تعبير منهم عن منازعة لإمارة المؤمنين في اختصاصاتها التاريخية والشرعية المدسترة؟ أم أنه محمول في أحسن أحواله على أنه رقصة الديك المذبوح، التي يعلنون من خلالها عن استشعار التهاوي الحر لآخر معاقل أوهام الخرافة والقومة، أمام الحصن الحصين والركن الركين لإمارة المؤمنين الضامنة لعدم تحريم ما أحل الله أو إحلال ما حرم الله، وفي توليف رفيع مع الاجتهاد المتنور بالراهن المغربي وتحولاته، وفاء لروح المقاصد وغايتها الكبرى في تنظيم وتيسير شأن البلاد والعباد معا؟

الكاتب : إيمان الرازي  - بتاريخ : 03/04/2024

التعليقات مغلقة.