في معنى الامتنان الأمريكي للمغرب؟

عبد الحميد جماهري

ما الذي يجعل قوة عظمى مثل الولايات المتحدة ينتظر الجميع موقفها ليحدد بوصلته السياسية والجيوستراتيجية، تشعر بامتنان تجاه رئيس دولة وملكِها، حليفة في شمال إفريقيا تسمى المغرب؟
هذا السؤال، الذي لم يكن ليخطر على بال، ولوْ كان من مراسيم اللغة الديبلوماسية اللبقة المتعارف عليها دوليا، يستحق أن يطرح في سياق الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية ناصر بوريطة إلى واشنطن.
ذلك أن العبارة التي وردت على لسان وزير خارجية الولايات المتحدة انطوني بلينكن تحمل «برنامجا» إقليميا بخصوص موقع المغرب في منطقة تعرف كل التقلبات والتحديات..
كاتب الدولة أعرب عن «امتنانه لقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس وإسهامه الراسخ في تعزيز الاستقرار والسلام الإقليميين، ‫(‬…) بما يجسد دور المغرب في ضمان الاستقرار، في مواجهة سلسلة التحديات التي يعرفها الشرق الأوسط وإفريقيا»…
والمتابع للتحديات التي تتوالى في المنطقة المعنية بالإشارة الأمريكية، يعرف بأن إغراءات التصعيد قد صارت جزءا من اليومي السياسي في المنطقة، بل إن التصعيد والبحث عن أسبابه صارت لدى الكثير من الدول العربون الوحيد عن الحضور الدولي‫!‬ بل إنه الصيغة الوحيدة للحسابات الإقليمية.
في قلب هذا، هناك قوة استقرار مهمة تعمل جاهدة بعدم السقوط في «نشيد الحوريات»، المعروف في الملاحم والأساطير الإغريقية التي عرفتها منطقة الحوض المتوسطي عبر الحضارات، وقد صارعنوان النداء المغناج الذي يفضي إلى الغرق‫..‬ يفسر الامتنان من دولة يشعر المغرب أنه ممتن لها بما قامت به من مواقف لفائدة قضيته الوطنية الأولى، وهو في الواقع تعبير كذلك عن الالتزام المعلن والرصين الذي أبان عنه المغرب في التعامل بثوابت تحظى بالاحترام.
ولا يمكن أن نغفل بأن ما استطاع المغرب أن يقدمه للعالم والبشرية عبر الانخراط في قضايا السلام وقضايا تقويض بنيات الإرهاب‫ (‬تنظيمات كانت أو دولا أو حركات‫)‬ هو في الواقع خدمة لعالم مبني على الاستقرار والأمن والتعاون الإقليمي والقاري والدولي..
تعرف الولايات المتحدة قبل غيرها أن هذا الالتزام يجعل المغرب صديقا موثوقا يستحق الامتنان ‫(‬عكس الجحود الذي يميز بعض جيرانه وبعض شركائه‫)‬..
الامتنان بهذا المعنى هو كذلك قراءة متفائلة لموقع المغرب وموقفه، عندما نستعرض شريط التحديات والتحولات التي تعيشها المنطقة في شرق المتوسط والشرق الأوسط، وفي القارة، متمثلة في التقارب السعودي الإيراني، التركي المصري، والإماراتي السوري، بما ينبئ بتحول في موازين القوى وملامح قطبية جديدة تبدو من شرق المتوسط وغربه وفي جنوب الصحراء.…
إلى ذلك، لا يمكن أن يغفل المتابع النبيه، الأجندة المنتظمة والسلسة للتعاون المغربي الشامل في قضايا التوتر الدولي من منطق متعالٍ، يخدم التوجه الدولي للسلام، وليس فقط في الملفات الحارقة كالقضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بل أيضا في العودة المقلقة للحركية الإرهابية، والتي تتساوق مع حسابات سياسية غير بريئة لبعض القوى الدولية العاملة في القارة (نيجيريا، الكونغو، مالي وغيرها)
طبعا، يحدث هذا بعيدا عن الوصف الإعلامي والسياسي لطبيعة العلاقات المغربية الأمريكية الذي يعتبر أنها «لم تكن قط بالمتانة التي تشهدها اليوم» علماأن نفس الشىء قلناه عن الاتحاد الأوروبي بمناسبة زيارة مفوضه في شؤون توسيع الجوار، وهي حقيقة قائمة مع جارتنا الجماعية شمالا، بدون أن تعرج بالمناسبة على لغة مماثلة للتعريف الصادر عن انطوني بلينكن‫..‬
وفي التقدير التداولي، فإن الرسالة أعمق بكثير من اللغة اللبقة التيتنتمي إلى بلاغة اللياقة الديبلوماسية، وهي تغترف من عمق التاريخ مصطلحها وقاموسها¡ فالامتنان هو تقدير لدولة تعمل من أجل أهداف نبيلة في واقع متغير بمنأى عن الحسابات الذاتية المفرطة في التقوقع‫..‬
هناك سجل طويل من السنة الديبلوماسية ‫(‬السنة الاستراتيجية في الواقع‫)‬ والتي مرت منذ زيارة بلينكن إلى بلادنا في العام الماضي، وهذا السجل يكشف عن حوار سياسي واستراتيجي لا ينقطع، وسعي حثيث نحو بسط تصور موحد للوقائع الدولية، مبني على احترام دولة من القارة إفريقيا واحترام ذكائها الاستراتيجي‫..‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 22/03/2023

التعليقات مغلقة.