عبد الجبار الوزير.. سيرة قدت من وهج

 

في صباح ليس كالصباحات، وفي ظرف لا يشبه الظروف انطفأت شعلة أضاءت عتمات الخشبات على مدى أكثر من نصف قرن. رحل فنان الأجيال و شيخ المسرحيين عبد الجبار بلوزير، أو الوزير الذي استحق لقبا دبلوماسيا دونما حاجة لانتخابات ولا أحزاب و لا اقتراع، فقط بالكثير من الحب انتزعه بقوة حضوره فوق الركح و بصدقية أدائه و تلقائية تعبيراته المبهجة صوتا و صمتا و إيماء و حراكا. نصف قرن و ينيف من زمن مسرحي كان فيه الوزير و زيرا بين أقرانه و أترابه و على طائفة صافية صفية و صفت بالوفاء و ضمت أسماء أدخلوها التاريخ من الباب الذي لم يلجه أحد قبلهم و لا بعدهم، عبد السلام الشرايبي، محمد بلقاس، المهدي الأزدي، كبور الركيك، عبد الهادي اليتيم، احمد الشحيمة، الشريف الخالدي، أحمد بنمشيش، مليكة الخالدي، و بقية باقية لازالت تنير في زمننا الذي افتقد فيه بدر الكبار.
عبد الجبار الوزير انتهى به الإبحار الماتع الجامع اللامع إلى ضفة غناء عاشت ربيعها و أوتت قطافها بأعمال خالدة كان فيها حجر الزاوية و ملح الوجبات المسرحية الباذخة، ورشة الإبداع دراما، القادمة من رحم الهواة و المتسلحة بأدوات التجريب و البحث المسرحي الجاد، مع عبد العزيز بوزاوي، و المرحوم عبد الهادي توهراش ( العشير الباقي في القلب و في الذاكرة) و نادية فردوس، و ثلة من الملسوعين بهوى المسرح النقي، هذه الضفة التي أكد فيها المرحوم عبد الجبار الوزير على شموخ نحت من صخر الحياة، و التي لم تنل حظا من الاهتمام النقدي ومن التوثيق و الدراسة، جعلت العارفين بخبايا سيدنا المسرح يؤمنون بعظمة الرجل و قدرته على امتشاق كل زوايا اللعب مهما كانت عصية، هذه المرحلة من حياة المرحوم، و قبل أن يسلم جسده المشاكس لمشرط المرض اللعين، جعلتنا في مجتمع مراكش المسرحي نقترب أكثر من هذا الصرح و نراه من داخله كما من دواخلنا، فتى يقاوم الزمن و يأبى إلا أن يكون من جيلنا، و قد كان… كان جليسا ممتعا و رفيق سفر تقهر روحه المرحة المسافات، صاحبا لكل الناس حتى و إن كان لا يعرفهم فقد كان يكفيه حبا أنهم يعرفونه.
الوزير هذا الذي ودعنا قبل أيام قليلة كان شاهدا على مرحلة مهمة من تاريخ الحركة المسرحية المغربية و كان أحد صناع تجربة فريدة طواها الجحود و النسيان، و كان أحد الأعلام المسرحية التي يصعب أن يمر ذكراها دون انحناء و دون دعاء و دون ابتسامة ترسم طوعا على الشفاه. هذه القامة و هذه الهامة يلزم لزام الوفاء و البر أن يطلق اسمها على أحد المرافق الثقافية الهامة بالمدينة الحمراء، و التي سيكون من الأقرب لقلوبنا و قلوب كل عشاق و محبي الوزير أن تكون المركب الثقافي الكبير الذي سيشيد بمنطقة الداوديات، الحي الذي احتضن جزءا كبيرا من حياته و حياة أسرته الصغيرة.
رحم لله وزير الدراما المغربية وفارسها المغوار و أسكنه فسيح جناته و ألهمنا وذويه الصبر والسلوان.


الكاتب : عمر جدلي

  

بتاريخ : 17/09/2020