أخلاق الغرب .. التعبير الأسمى عن الحضيض -14- ويليام ف. فيليس: المسؤولية الأخلاقية زمن الحرب (2/1)

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش،
إلى الآن، غربته الكبرى بين قيم التنوير وما يتأسس عليه وجوده وهويته الحضارية. ذلك أن الغرب أصبح، مع ما جرى خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما يجري الآن في غزة، وفي أكثر من بقعة على خارطة العالم، محلَّ تساؤلٍ مريب، بالنظر إى ازدواجيته الأخلاقية هو الذي يقدم نفسه بوصفه «التعبير الأرقى عن الكمال التاريخي للبشرية». بل إن عقل الغرب، كما يقول المفكر محمود حيدر، ينظر إلى التنوع الثقافي أو الحضاري «كَقَدَرٍ مذموم لا ينبغي الركون إليه. ومن هناك جاء التغاضي عن الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب هنا وهناك، وعلى رأسها ما يجري الآن للفلسطينيين على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي المدعومة بالفيتو والسلاح الأمريكيين..

 

عالج المفكر الأمريكي، وليام ف. فيليس، أستاذ العلوم السياسية في كلية إكيرد، ومؤلف كتاب: «الصفقة العالمية الجديدة: حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية في السياسة العالمية»، في مقالة بعنوان «المسؤولية الأخلاقية زمن الحرب»، واحدة من أبرز وأعقد القضايا التي تعبرها الحضارات منذ تشكلها وإلى أزمنتنا المعاصرة، حيث أخذ الكثير من مفكري الغرب يسائلون أدواتهم في النظر إلى موضوع الأخلاق في علاقته مع ما يجري، الآن، تحت أنظار العالم من إجرام حربي إسرائيلي منقطع النظير في التاريخ. ذلك أن الاحتلال الغاشم مازال مأخوذا برغبته في إبادة كل الفلسطينيين، لا فرق بين مدني وعسكري، ولا بين طفل أو شيخ.
يقول ويليام ف. فيليس: «في كل يوم يجد كلٌّ منّا نفسه يصدر أحكاماً أخلاقية فيما يتعلق بالأفعال الفردية. نحن نفعل ذلك طوال الوقت، فنصدر أحكاماً أخلاقية على الأفراد الذين يرتكبون جرائم القتل والغش والكذب والسرقة، وكذلك نجد أنفسنا نتوقع من كل فرد من أفراد النوع الإنساني أن يتصرف على أساس مبادئ «كونية كليّة» في تعاملهم مع الآخرين بغض النظر عن عرقهم وجنسهم وميلهم الجنسي وطبقتهم الاجتماعية. أمّا على المستوى الوطني فإنّ مطالبنا المتعلقة بالصالح العام ومسؤوليات المنصب العام وواجباته جميعها مبنية على أحكامنا الأخلاقية.
ما يهمني هنا هو مستويات المسؤولية والمحاسبة الأخلاقية، قد يصعب في المنظمات العملاقة ذات البيروقراطيات الضخمة (مثل الشركات الكبرى والحكومات والجامعات) أن تعزى المسؤولية الشخصية إلى أي شخص معين، وهي المشكلة التي يسميها دينيس طومسون «الأيدي الكثيرة»، أي أنّه حين تتسبب أفعال الحكومة بالضرر للأبرياء فعادة ما يصعب تتبع «بصمات المسؤولية » لأفراد بعينهم، بل تميل الأمور إلى نفي مسؤولية شخص بعينه، وبدلاً من ذلك يلقى باللوم على «النظام» أو «الحكومة» أو «الدولة». وكثيراً ما يشعر المواطنون بأنّهم عاجزون عن ربط انتقاداتهم للحكومة مع أفعال الأفراد ضمن بُنى الدولة وهيكلياتها (طومسون 1987 : 5- 6).
لقد أُتُخذت القرارات بشن الحرب على العراق واحتلاله بعد ذلك من أعلى المستويات الحكومية سواء في الولايات المتحدة أم بريطانيا، فالمسؤولية الأخلاقية والقانونية إذن تقع على عاتق الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني، ووزرائهما، لأن هرميّة المسؤولية السياسية والإدارية تعني هرمية مماثلة في المسؤولية الأخلاقية، ولكن هل يمكن لتحليل أخلاقي للحرب أن يقف مع أفعال الرئيس ورئيس الوزراء وكبار مستشاريهما؟ أم هل على أشخاص آخرين في الحكومة أن يوضعوا تحت مجهر المساءلة الأخلاقية؟
لقد تم تفحص تصرفات كولِن باول على وجه الخصوص بعمق وبالتفصيل بسبب مواقفه كوزير للخارجية، فهل كان عليه أن يتصرف بطريقة مختلفة من المنظور الأخلاقي؟ فمثلاً لو كان معارضاً بالفعل لسياسات الولايات المتحدة في سجني غوانتانامو وأبو غريب ألم يكن من واجبه الأخلاقي أن يستقيل؟ يدافع البعض عما فعله باول قائلين أنّ ما فعله هو الصحيح، لأنّهم يعتقدون أنّ كفاحه ضمن الأدارة الأميركية وكوزير للخارجية هو الطريقة الأمثل لتصحيح بعض السياسات الشائكة أخلاقياً، ولكن كان مشهد الوزير باول وقد بدا أنّه يضحي بمبادئه الأخلاقية أثناء حملاته الإعلامية الحماسية للحرب مؤلماً بالنسبة إلى الكثير من المراقبين، فهل أعطى عجزه عن الاستقالة الضوء الأخضر للإدارة كي تستمر في سياساتها المثيرة للجدل أخلاقياً؟ تتجاوز هذه القضايا مهام وزير الخارجية في الإدارة الأميركية، إذ إنّ تسلسل الأسئلة هنا هو كما يلي: ما هي المسؤولية الأخلاقية التي يتحملها «الآخرون» في الحكومتين الأمريكية والبريطانية؟
وإذا اعتقد أحد من هؤلاء أن الحكومة البريطانية أو الأمريكية قد انتهكت المعايير الأولية التي تقوم عليها العدالة والأخلاق فماذا عليه أن يفعل؟ وإذا ما تعرض صوت الفرد للإهمال ضمن الحكومة فهل يترتب عليه واجب أخلاقي بأنّ يستقيل؟


الكاتب : إعداد: سعيد منتسب

  

بتاريخ : 08/04/2024