إنتاجات رمضان الدرامية والترفيهية لم ترق مرة أخرى لتطلعات المغاربة

استندت إلى لعبة نسب المشاهدات لتبرير إخفاقها المتكرر

 

ونحن على مشارف انتهاء شهر رمضان الفضيل، الذي يعرف كل سنة تقديم أعمال يقال عنها فنية ، سواء تعلق الأمر بالأعمال الدرامية أو الترفيهية ، وبعيدا عن أي تحامل، يجوز للمرء الآن أن يقوم بتقييم موضوعي لهذه الأعمال التلفزيونية التي رصدت لها مبالغ مالية مهمة.
في جولة بسيطة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث آراء ومواقف الرواد المغاربة من كل الأجيال هناك ، تعرض وجهات نظرها بشكل واضح، نجد أن القليل من الأعمال على قلتها، هي التي استقطبت رضا الجمهور، بما في ذلك الأعمال المغربية الرمضانية التي تبث على قناة mbc5 وعلى المنصات الرقمية.
آراء شرائح عريضة من المغاربة التي عكستها التدوينات، عبرت عن خيبة أملها مرة أخرى، وأكدت أن إعلامنا الرسمي بالدرحة الأولى لم يكن في الموعد كعادته، حيث أثار المنتقدون السطحية التي تمت بها معالجة بعض المواضيع التي وصلت إلى حد دخول بعض الفئات المجتمعية على الخط ، لتصدر بيانات منددة باتخاذها مادة للفرجة بشكل سلبي .
ولاحظ المتتبعون المغاربة، كالعادة، احتكار بعض الشركات المنتجة لـ «السوق الرمضاني» ، مما أثار ملاحظات الجمهور الذي تساءل عن الأسباب الرئيسية التي كانت دائما وراء «تفويت هذه الخدمة» لشركات بعينها. كما أثار الجمهور مسألة احتكار بعض الأسماء الفنية لأكثر من عقد شغل في هذا الشهر الفضيل، في حين نجد الكثير من الأسماء الفنية الأخرى خارج دائرة ضوء المسؤولين، إلى درجة أن الوضع أصبح متكررا كل رمضان، متسائلين عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الاحتضان المبالغ فيه لهؤلاء المحظوظين، مقابل هذا الإقصاء الممنهج لعدد كبير من الفنانين الآخرين، خاصة الرواد منهم.
ولم يلتفت الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، إلى لعبة الإحصائيات ونسب المشاهدة التي تعلن عنها شركة «ماروك متري»، والتي تشهرها الشركات المنتجة وغيرها في وجه الغاضبين والمنتقدين، حيث ذهبت هذه الآراء إلى كون هذه النسب لا تعبر، بالضرورة ، عن رضا الجمهور عن هذه الأعمال، ويستدلون في ذلك بنسب المشاهدات التي تحصدها التفاهات المقدمة في عالم روتيني اليومي، وكذلك الفضائح وغيرها من الأعمال المشينة التي دائما يكون منسوب المشاهدات فيها مرتفعا .
يبدو أن المسؤولين على هذه الإنتاجات الرمضانية، بغض النظر عن الانتقادات الموجهة لها، أضحت بالنسبة لهم، مجرد بقرة حلوب تدر أموالا باهظة تملأ الأرصدة البنكية والجيوب كل سنة، وهو ما يفسر كما يقول المنتقدون دائما، الاستسهال المفرط في إنجاز وإنتاج هذه الأعمال، وفي زمن قياسي دون الالتفات إلى الجودة.
الفنانون والمبدعون والنقاد هم الآخرون دخلوا على الخط في ما يعرض على المغاربة من أعمال يقال عنها إنها فنية.
المخرجة والممثلة مجيدة بنكيران لا تنكر وجود بعض من الضوء في بعض الأعمال، لكن هناك كثيرا من الاستهتار في المواضيع المتناولة، وضبابية الرؤى الفنية، إذ ترى وجود استخفاف بما يصنع لجيل الغد، مع تمرير خطابات مؤذية أحيانا ولا تساهم في بناء صورة راقية لامرأة ورجل الغد، مقارنة مع بعض الإنتاجات العربية التي تحترم الجمهور وتحترم انتماءها وهويتها.
وكشفت مجيدة وجود لهفة كبيرة وتهافت ربحي يسىء لعمق الإبداع ويبتعد عن ماهية الفرجة والإمتاع والإفادة، ويبتعد عن خصوصية الهوية المغربية التي تستدعي الحرص والانتباه خصوصا في ظل هيمنة العولمة والانفتاح عليها.
ولم تخف المخرجة مجيدة بنكيران أن المجال يسير ويدبر بشكل عشوائي يسيء للمبدع المغربي الحقيقي، ويعرقل تطور الدراما في المغرب .
وقاربت بنكيران موضوع الوساطة بين الفنان المغربي والقنوات، وفي هذا الإطار، دعت إلى إعادة النظر في هذا المجال، داعية لكي يكون هناك إعداد قبلي رصين، على اعتبار أن السرعة والتهافت يسيئان إلى الإبداع ويشيئانه ولا يساهمان في تطور الإنتاج.
المبدع والفنان محمد الشوبي أدلى هو الآخر بدلوه في هذا الموضوع، وشدد في تدوينة له على صفحته الرسمية على الفيسبوك، على أن مشكلة الدراما المغربية تكمن في آليات الإنتاج، إذ أن هناك ثلاثة روافد للإنتاج، المركز السينمائي المغربي، القناة الأولى، القناة الثانية، وهناك شركات لتنفيذ الإنتاج تدير العملية من بدايتها إلى نهايتها، بالإضافة إلى كتاب سيناريو يخضعون لشروط هذه الشركات المنفذة، ومخرجين تقنيين يخضعون لأوامر شركات تنفيذ الإنتاج التي تقترح عليهم أسماء ممثلين وتقنيين عليهم الاشتغال معها.
والطامة الكبرى، يرى الفنان محمد الشوبي، هو أن اللجن التي تمنح دعم المنتوج الوطني تختارها الإدارة لتتمكن من السيطرة عليها ، ولن تسمع قط أن الإدارة كانت على تواصل مع العاملين في المشروع، وهكذا فالكل يخضع لسلطة المتحكمين في الإنتاج، أي في المال العام، فكيف لنا أن ننتج دراما تعكس هموم الوطن والمواطن وترفع من قيمة الذوق العام يا حسرة؟ يتساءل محمد الشوبي.
وختم الشوبي تدوينته قائلا « وراني عارف راسي غادي نتعاقب فمصدر رزقي وحب حياتي الوحيد، ولكن الرزق على الله وعند الشركات النزيهة فهاد البلاد ، وهذا ما كان».
عدم رضا المغاربة على الأقل، الجزء الكبير منهم، على ما يعرض على شاشاتهم الوطنية ، مرده تنامي الوعي والانفتاح على أعمال فنية، العربية منها على الخصوص، في هذا الشهر الكريم، ويمكن لهؤلاء المنتقدين أن يعددوا الأعمال الناجحة والمؤثرة سواء المعروضة على الشاشات العربية أو على المنصات الرقمية، وبالتالي يلمسون هذا الفرق الشاسع بين «، البضاعتين « بكبسة زر»، لذلك أصبحت هذه الأعمال العربية، من بين المعايير والمحددات التي تساهم في تكوين قناعات وآراء الجمهور، والأمثلة هنا كثيرة كثرة الانتقادات الموجهة للأعمال الدرامية والترفيهية المغربية هذه السنة والسنوات الماضية.


الكاتب : جلال كندالي

  

بتاريخ : 08/04/2024