الألتراس المغربية الحركة الرياضية ذات الوجوه المتعددة -25- الدلالة القوية لمصطلحات الألتراس المغربية

الألتراس المغربية من هي، وإلى أي وسط ينتمي أفرادها، وما الهدف من تكوين هؤلاء الشباب لهاته المجموعات؟ هي مجموعات مكونة من شباب مغاربة من فئات اجتماعية وثقافية مختلفة، معظمهم ينحدر من أوساط شعبية، اجتمعوا على حب وتشجيع فريق واحد، لا تتحدد أعمارهم في عمر معين، وتختلف أجناسهم وأعراقهم وأصولهم، وعلاوة على شغف اللعبة الذي يتملكهم، فاختلافاتهم تتوحد وتتقوى لتكون روابط متماسكة ومشتركة، تؤطرهم مقومات عدة؛ كالوفاء والولاء وحس الانتماء …

سلطت دراسة حديثة الضوء على “ظاهرة الألفاظ الأجنبية المستعملة في أهازيج “ألتراس” كرة القدم بالملاعب المغربية”، معتبرة أن “الاقتراض اللغوي هو ظاهرة ملازمة للغات واللهجات عبر العصور، وبالتالي فإن لغة الألتراس بالمغرب لا تخرج عن هذا الإطار، إذ احتفظت بمجموعة من الألفاظ المقترضة من اللغات الأجنبية، على غرار الفرنسية والإسبانية والإنجليزية”، إذ أن استعمالها في أغاني التشجيع داخل الملاعب يعد بالنسبة لشباب الألتراس “مظهرا من مظاهر الكمال والافتخار”.
وأشارت الدراسة المعنونة بـ”دلالة الألفاظ المقترَضة في أهازيج ظاهرة ألتراس كرة القدم المغربية.. ألتراس “حَلاّلّة بويز” نموذجا، دراسة سوسيولسانية”، المنشورة ضمن العدد الأخير من “مجلة الدراسات الثقافية واللغوية الفنية” التي تصدر عن “المركز الديمقراطي العربي للدراسات والأبحاث السياسية والإستراتيجية”، إلى أن “الألتراس لا تستقر على لغة واحدة في تبليغ رسالتها وحتى للتواصل في ما بين أعضائها، الذين يوظفون ألفاظا مستقاة من لغات متعددة”، مشيرة في هذا الصدد إلى أن “الألفاظ الفرنسية أكثر تواجدا في أهازيج الألتراس من بقية الألفاظ الأخرى”.
وكأمثلة لغلبة الاقتراض اللغوي من الفرنسية ضمن لغة الألتراس يقدم صاحب الدراسة الأمثلة التالية: Babour/المركب; الموكب/Politique; Cortège/السياسة; Dédicace/الإهداء; Média/الإعلام; Couleur/اللون… بالإضافة إلى عبارات من قبيل: “نلاشي”/ المنحوتة من الجملة: “je ne lâche pas”، “يسوفري” يعاني (souffrir)، يبروفوكي/ يحرض (Provoquer)، “ديكوتينا”/ نشمئز (Dégoûter)، تبروفيطي/ يتمتع (Profiter)، “نسيبورطي”/ يؤازر (Supporter)، “ديفونديو”/ ندافع (defender)، “تريزيستي”/ أقاوم (résister)… كما تبرز الدراسة أن الكلمات الأكثر حيوية في المنحى التداولي للألتراس هي كلمات بالضرورة مقترضة من لغات أخرى، من قبيل “الكابو” Capo، التي “تعني القائد، وتستعمل للدلالة على شخص يقوم بتحريك الجمهور وإلهاب حماسه من أجل التشجيع”، وأيضا كلمة “التيفو” Tifo، التي هي كلمة إيطالية تحيل على “طلعة تقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن فكرة ما، موجهة إلى اللاعبين أو جمهور الفريق المنافس”.
وهذا بالإضافة إلى مصطلح “الكورفا” Curva الذي تم اقتراضه، حسب الدراسة، أيضا من اللغة الإيطالية، ليحيل على “منطقة من الملعب تقع مباشرة خلف المرمى يُمنع على الغرباء دخولها”، مردفة: “اختار الألتراس هذه المنطقة للجلوس عندما بدأت أسعار التذاكر في الارتفاع، ولم يستطع الكثير من المشجعين المتحمسين تحمل الذهاب إلى الملعب والجلوس في وسطه”.
وقالت الورقة ذاتها إنّ “المستوى الدلالي يتصل بالألفاظ ودلالتها وتنوع معانيها من منطقة إلى أخرى، بل حتى في المنطقة الواحدة، فهناك عدد لا حصر له من الألفاظ الأجنبية الدخيلة في أهازيج الألتراس كما هو الحال أيضا في اللهجة المغربية”، مشيرة إلى أن “هذه الألفاظ المستقاة من اللغات الأجنبية تنوعت من بين فرنسية وإيطالية وإسبانية وإنجليزية، وحتى من اللغة اللاتينية القديمة؛ فكل شريحة من المجتمع تحتفظ بمجموعة من الألفاظ التي تستعملها في التعبير، وقد تكون هذه الألفاظ عامية، أو فصيحة، أو دخيلة أو معربة، أو مقترضة”.
ومن بين النقط المهمة التي تذكرها الدراسة أنّ “الألتراس تعلي من شأن حضور المباريات، سواء في الداخل أو في الخارج، بغض النظر عن التكلفة أو المسافة، شأن ذلك أن يكون صورة عن النادي بأن له مشجعين مخلصين أشداء يسافرون خلف ناديهم في أي مكان وبأي تكلفة”، موردة: “لا يمكن أن يغيب عنصر الانتماء للمكان عن مجموعات الألتراس، فهم يختارون منطقة مميزة بالمدرجات يندر تواجد المشجعين العاديين فيها”.
وأكدت الورقة البحثية أنّ “هذه المنطقة في العادة تكون حكرا عليهم وعلى فعالياتهم التي تتضمن التشجيع والمؤازرة ورفع ‘الباش’ المعبر عن مجموعة الألتراس، مثل ‘كورفا ديفرينتي’، ‘كورفا سود’، ‘كورفا نورد’، ‘كورفا تشي غيفارا’، ‘كورفا صافانا».
في هذا السياق يرى “يوسف يعكوبي” الصحفي والباحث المتخصص في التواصل السياسي في حديث لمنصة هوامش أن “التحول الحاصل في حركية الألتراس، من حركة رياضية إلى حركة اجتماعية-سياسية، ليس سوى تعبير عن التحول الذي طرأ على علاقة التداخل بين الرياضة بالسياسة في العالم عموما، لكن الأمر ينطبق بشدة أكبر على الحالة المغربية”، وإذا كانت فصائل مشجعي الألتراس لا تكف عن تجديد الإعلان الصريح في كل مناسبة تتاح لها بعدم اصطفافها أو انتمائها السياسي إلى تيار دون آخر، “فإنها تحولت إلى فاعل سياسي واجتماعي في غفلة منها أو عن قصد لأغراض تريد بها أن توصل صوتها لمن يهمّهم الأمر من سياسيين ومسؤولين في النوادي وعن الشأن الرياضي عموما”.
ويواصل يعكوبي من خلال متابعةٍ دقيقةٍ ومتأنّية لحركية الألتراس وتطورها في السياق المغربي كما في دول مجاورة، “يبدو أن ممارستها تخالف في بعض الأحيان خطابها المبدئي الذي ينبني من بين مبادئ وأسس أخرى على الابتعاد عن السياسة وصراعاتها”. لكن شباب الالتراس أثبتوا خلال السنوات الأخيرة أنهم حركة رياضية بالأساس تنشط بالدرجة الأولى في مدرجات الملاعب لكن بخطابات تمتح من قاموس الاحتجاجات السوسيوسياسية التي تتقاطع فيها مع تيارات أخرى مجتمعية مناهضة للسلطة.


الكاتب : إعداد: مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 09/04/2024