التعليم الأولي.. القاعدة الأساس لكل إصلاح تربوي لأجل تحقيق المساواة والإنصاف

الاختلالات والاشكالات :

بجانب المنجزات الإيجابية التي عرفتها منظومة التعليم الأولي، فإنه ليس كافيا لرفع نسبة التمدرس الخاص بهذه الفئة إلى المستوى اللازم بالمقارنة مع الطموحات المعبر عنها في كل المشاريع الإصلاحية، كما أن هذا التوسع الكمي المحصل عليه لم يصاحبه تطور مواز على مستوى الجودة.
هناك اختلالات ومعيقات وإشكالات على مستويات مختلفة، متفاعلة في ما بينها مما يضفي عليها طابع التعقيد والتركيب، وصعوبة الفصل في ما بينها، فارضة بذلك اعتماد مقاربات شمولية ومندمجة سواء أثناء تشخيص وضعية هذا القطاع أو تحليل عناصره أو مساءلة مسؤوليه، أو عند بلورة التوجهات والخطط والإجراءات الكفيلة بتقويم مسارات النهوض بهذا النوع من التعليم، ويمكن إجمال هذه الاختلالات والإشكالات في بنايات تفتقر لشروط السلامة الصحية، ومدرسين غير مؤهلين لهذا النوع من التدريس أو لم تتح لهم فرص للتطوير المهني، ومدراء مؤسسات لم يخضعوا للتكوين اللازم لهذا النوع من التعليم، ولا يتصرفون إلا وفق القواعد الإدارية بدل النزوع نحو القيادة التربوية، وغير ذلك من الإشكالات والمعيقات الأخرى التي يمكن تلخيص بعضها في ما يلي:
1- تمركز التعليم الأولي في المدن والحواضر وضعفه في القرى والمناطق النائية، وهي أماكن أكثر احتياجا لتنمية معدلات التمدرس الأولي بها، فالمعروض العمومي من هذا النوع من التعليم يكاد يكون محدودا. وتؤكد البيانات والمؤشرات الفجوات التربوية الواسعة بين المجالين الحضري والقروي، وهو ما يؤثر على التحصيل المعرفي والمدرسي، ويزيد من انتشار الهدر المدرسي، لذا لابد من النهوض بهذا النوع من التعليم في المناطق النائية كميا ونوعيا.
2- غياب استراتيجية متكاملة قابلة للإنجاز مما أدى إلى تقزيم التعليم الأولي إلى مستوى أدنى مع اعتباره مجرد نشاط تربوي غير إلزامي، والوزارة الوصية ليس لديها قدرة كافية لضمان امتثال رؤساء ومقاولي المؤسسات التعليمية الخاصة وأصحاب الكتاتيب ورياض الاطفال لجميع المعايير الوطنية المعتمدة في هذا النوع من التعليم، مما يدل على ضعف كفاءة هذا النظام التعليمي، حتى البيانات والدراسات والمعلومات المتاحة في هذا الجانب قليلة وغير كافية، وفضلا عن ذلك لا تقوم الوزارة الوصية بانتظام بقياس نوعية التعليم في المؤسسات الخاصة والعمومية ورياض الأطفال والكتاتيب، وحتى التقييمات التي يجريها القائمون على التفتيش التربوي بمؤسسات التعليم الأولي ليس لها سوى أثر محدود على هذا النظام التعليمي الأولي، وهو أمر حيوي للتأثير بشكل إيجابي على استعداد الأطفال للدخول للصف الدراسي الابتدائي.
3- البنايات التي تأوي هذه المؤسسات تظل في كثير من الأحيان غير ملائمة، وغير متوفرة على شروط السلامة الصحية، من تهوية ومرافق صحية ملائمة لمستوى سن هؤلاء الأطفال، أما الطبيعة التربوية للخدمات التي تقدمها فإنها تبقى في حدودها الدنيا (اللوازم والمعينات التربوية –وسائل التفتح….).
4- بالنسبة للجانب البشري لم تتمكن الكثير من المؤسسات التعليمية الخاصة ورياض الأطفال من التوفر على الأطر التربوية القارة والمؤهلة لتعليم وتكوين هذه الفئة العمرية الصغيرة(المربيات لا يستفدن من مصاحبة تربوية متواصلة، ولا يستفدن من التكوين المستمر، ولا يتلقين دعما كافيا، ولا تتاح لهن فرص للتطوير المهني، ولا يشتغل عدد منهن بعقود قانونية…).
5- بالنسبة للجانب التربوي يلاحظ في بعض الأحيان ضعف وتيرة المراقبة الإدارية وعدم احترام المؤسسات التعليمية الخاصة للبرامج والمقررات الرسمية، بل يلجأ البعض منها إلى الاستعانة بالبرامج والمقررات الأجنبية مع استعمال اللغات الأجنبية دون استشارة الوزارة الوصية، مما قد يشكل خطرا على هويتنا الوطنية والحضارية.
6- ضعف هيكل الحكامة، وتضارب المسؤوليات بين المستويات المركزية والمحلية، حيث أن التعليم الأولي لا يمكن تعميمه دون تضافر جهود جميع الفاعلين عبر تنمية التعاون والشراكة والتنسيق مع القطاعات الحكومية ومع المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.. فضعف الفعالية الداخلية للنظام وضعف الحكامة هما مشكلة كبرى تعيق الجهود الرامية إلى تعميم التعليم الإلزامي.
7- تشتت المسؤولية في ما بين الوزارات، ومنها:
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تتكلف بالكتاتيب القرآنية ومدارس التعليم العتيق تجهيزا وتأطيرا ومقررات/ وزارة الشبيبة والرياضة/وزارة الداخلية … إلى أن جاء مشروع قانون رقم 00 .07 بإحداث الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين التي خول لها المشرع تسليم الرخص لفتح أو توسيع أوإدخال تغيير على مؤسسات التعليم الأولي طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل .
لأجل تأهيل مؤسسات التعليم الأولي وإلزاميته وتعميمه
يرى المشرع التربوي أن (التعليم الأولي هو القاعدة الأساس لكل إصلاح تربوي، مبني على الجودة وتكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف، وتيسير النجاح في المسار الدراسي والتكويني)_ الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.
وللنهوض بهذا النوع من التعليم يجب العمل على:
– إحداث إطار مؤسساتي يختص بالتعليم الأولي، يكون تحت إشراف وزارة التربية الوطنية، يتحمل مهام التنسيق وتحقيق الانسجام بين كافة أنواع المؤسسات التربوية المعنية بالتعليم الأولي، مع وضع آليات تتبعه ومراقبته.
– إحداث شعب لتكوين الأطر اللازمة للتعليم الأولي بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، والحرص على توفير تكوين جيد للمربيات والمربين والأطر الإدارية الخاصة بهذا الصنف من التعليم، والتجديد المنتظم لتكويناتهم وتبادل خبراتهم، وإعداد مناهج وبرامج وكتب مرجعية وتوحيدها في أفق بلورة منظور تربوي وبيداغوجي وطني يخلق الانسجام والتناسق بين كافة المؤسسات التربوية خصوصية كانت أم عمومية،وصولا إلى خلق الانسجام بين هذا السلك الأولي والسلك الابتدائي.
– اعتماد نموذج بيداغوجي موحد الأهداف والغايات، متنوع الأساليب خاص بالتعليم الأولي، كفيل بضمان انسجام مناهجه وطرائقه، وعصرنتها، وتمكينه من الوسائل المادية والتربوية الحديثة، وضمان جودة خدماته ومردوديته على نحو منصف لجميع المنتسبين للتعليم الأولي.
كما أن الارتقاء بجودة هذا النوع من التعليم يجب أن يتم من خلال تيسير التفتح البدني والعقلي والوجداني للطفل وتحقيق استقلاليته وتنشئته الاجتماعية، وذلك عبر إرساء مفهوم بيداغوجي جديد لتعليم أولي عصري يراعي هويتنا الوطنية وخصوصياتنا الثقافية.
ويجب أن لا يراعى في إعداد برامج هذه الفئة من الطفولة المدرسية العامل التربوي الخاص بنمو الطفل الفكري والنفسي، فقط، بل ينبغي أن تعنى هذه البرامج بالجوانب الأخرى لنمو الطفل خاصة تلك التي تلبي حاجاته في مجالات الصحة والتغذية في إطار التوعية الأسرية ومشاركة المجتمع المحلي، وهوما يتطلب تطبيق استراتيجية متعددة القطاعات تشمل التربية التعويضية، والحملات الإرشادية المكثفة، والإطعام المكمل والتربية الأساسية وتوسيع العناية الطبية…
– جعل التعليم الأولي الخصوصي والعمومي والتعليم العتيق شركاء رئيسيين في توسيع وتحسين جودة هذا التعليم وصولا إلى تحقيق الإنصاف عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة و النجاعة دون تمييز قائم على الانتماء الجغرافي أو الاجتماعي أو النوع أو الإعاقة أو اللون أو اللغة .
– جعل تعميم تعليم أولي بمواصفات الجودة التزاما للدولة والأسرة بقوة القانون، ووضع الآليات الكفيلة بالانخراط التدريجي للجماعات الترابية في مجهود تعميمه، وتحسين خدماته، وذلك بتمكين جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4و6 سنوات من ولوجه .
(الرافعة الثانية – الزامية التعليم الاولي وتعميمه – ” الرؤية الاستراتيجية للإصلاح”)
هذه مجموعة من مداخل عمل قد تكسبنا رهان النهوض بالتعليم الأولي والرفع من جودته.


الكاتب : محمد بادرة

  

بتاريخ : 06/01/2022