الحرب حولت غزة إلى «منطقة موت»

العالم تحت الصدمة: مقتل أكثر من 110 فلسطينيين خلال توزيع مساعدات على الجوعى

مئات آلاف من الأشخاص في شمال قطاع غزة يعانون من الجوع ولا يجدون ما يأكلونه

 

عبرت دول عدة والأمم المتحدة عن صدمتها وقلقها بعد مقتل أكثر من 110 فلسطينيين بحسب حكومة حماس خلال عملية توزيع مساعدات، أول أمس الخميس، في مدينة غزة تخللها إطلاق نار إسرائيلي وتدافع.
ونقلت جهات رسمية فلسطينية أن أكثر من 110 فلسطينيين قتلوا في شمال غزة خلال عملية توزيع مساعدات، بعدما أقدم جنود إسرائيليون على فتح النار على الحشد، في حين أوقعت الحرب الدائرة منذ نحو خمسة أشهر أكثر من 30 ألف قتيل في قطاع غزة المهدد بالمجاعة.
من جانبه، قال مصدر من جيش الاحتلال الإسرائيلي إن الجنود الذين شعروا «بالتهديد»، أطلقوا الرصاص الحي لكنها نفت أن يكون إطلاق النار أوقع هذا العدد من القتلى.
وتحدث جيش الاحتلال الإسرائيلي الهمجي عن سقوط «عشرات القتلى والجرحى» جراء التدافع أو تعرضهم للدوس من قبل الحشود التي «حاصرت الشاحنات ونهبت» حمولتها. غير أن كل الأدلة تشير إلى تورط البنادق الإسرائيلية في هذه المجزرة الغاشمة.
تعليقا على الواقعة، قال مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث إن «الحياة في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة على نحو يثير الرعب».
أما الولايات المتحدة فقالت، كعادتها، إنها تدرس «الروايات المتضاربة» بشأن ما حدث، وأوضحت أنها «تضغط للحصول أجوبة» بشأن ما وقع، وحثت في الآن نفسه إسرائيل على ضمان الوصول «الآمن» للمساعدات في غزة.
يأتي ذلك فيما تحذر الأمم المتحدة من أن الحرب المدمرة بين المحتل الإسرائيلي وحماس حولت غزة إلى «منطقة موت»، وأن غالبية سكان القطاع أي 2,2 مليون نسمة، مهددون بالمجاعة في القطاع الذي تفرض عليه إسرائيل حصارا مطبقا لا سيما في الشمال حيث بات من شبه المستحيل إيصال المساعدات.
وأفاد طبيب في مستشفى الشفاء بمدينة غزة الخميس أن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على «آلاف المواطنين» الذين هرعوا نحو شاحنات تحمل مساعدات.
وبحسب شهود عيان ووزارة الصحة في غزة، فتح الجنود الإسرائيليون المتمركزون قرب قافلة المساعدات النار على الحشد الذي اندفع نحو الشاحنات عند وصولها إلى دوار النابلسي في غرب المدينة.
ودانت الرئاسة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة «المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي»، واتهمت إسرائيل بالسعي إلى «ذبح الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه».
من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على لسان المتحدث باسمه «لا نعرف تحديدا ما حدث. ولكن سواء قتل هؤلاء الأشخاص بنيران إسرائيلية، أو سحقتهم الحشود، أو دهستهم الشاحنات، فهذه أعمال عنف مرتبطة بطريقة ما بهذا النزاع»، مضيفا أن الواقعة جرت في «ظروف مروعة».
وأكدت وكالات عدة تابعة للأمم المتحدة خلال الأسابيع الأخيرة أن مئات آلاف الأشخاص في شمال قطاع غزة يعانون من الجوع ولا يجدون ما يأكلونه، وأن المساعدات التي تدخل القطاع المحاصر شحيحة أصلا، ولا يصل منها إلا ما هو نادر جدا الى الشمال المدم ر على نطاق واسع.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن «صدمته» بعد التقارير الواردة عن مقتل الفلسطينيين خلال هرعهم للحصول على مساعدات. منددا بواقعة «مروعة»، ودعا إلى «تحقيق مستقل» لتحديد المسؤوليات.
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا مغلقا الخميس لبحث المسألة.
وطالب السفير الفلسطيني في الأمم المتحدة رياض منصور خلال الاجتماع بقرار يدعو لوقف إطلاق النار. وقال لصحافيين «هذه المجزرة الوحشية دليل على أنه ما دام مجلس الأمن مشلولا ويتم فرض الفيتو، فإن الفلسطينيين يدفعون حياتهم ثمنا «.
ودانت السلطة الفلسطينية «المجزرة البشعة التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي»، واتهمت إسرائيل بالسعي إلى «ذبح الشعب الفلسطيني وتهجيره من أرضه».
وقال مسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث «الحياة في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة على نحو مرو ع».
وأعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن «سخط عميق إزاء الصور الآتية من غزة حيث است هدف مدنيون من جنود إسرائيليين»، مطالبا بـ»الحقيقة» و«العدالة».
ودعا وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه أمس الجمعة إلى تحقيق مستقل في مقتل أكثر من 110 أشخاص خلال إطلاق نار إسرائيلي وحركة تدافع أثناء عملية توزيع مساعدات الخميس في شمال غزة.
وقال سيجورنيه عبر إذاعة فرانس إنتر «أود أن أكون في غاية الوضوح اليوم، نطلب توضيحات وسيتحتم إجراء تحقيق مستقل لتحديد ما جرى».
وشدد على أن لا «كيل بمكيالين» في ردود فعل فرنسا.
وأكد «فرنسا تقول الأمور كما هي. تقولها حين ينبغي وصف حماس بحركة إرهابية. لكن عليها أن تقولها أيضا حين تقع فظاعات في غزة».
وشدد على أنه في حال خلص تحقيق إلى وقوع جرائم حرب، عندها «ينبغي بالطبع أن يبت القضاء في المسألة».
من جهة أخرى، أعرب سيجورنيه عن استنكاره للتحذيرات بأن سكان قطاع غزة مهددون بالمجاعة معتبرا أن ذلك «لا يحتمل بالنسبة لنا».
ويسود وضع إنساني كارثي قطاع غزة بعد حوالى خمسة أشهر على اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس إثر هجوم شنته الحركة على الدولة العبرية في السابع من أكتوبر، وأسفر عن مقتل أكثر من 1160 شخصا غالبي تهم مدني ون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.
وندد منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بـ»المجزرة الجديدة»، واصفا ما حصل بأنه «غير مقبول».
من جانبه، ندد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بمقتل نحو مئة فلسطيني خلال توزيع مساعدات غذائية في شمال غزة.
وقال ألباريس عبر منصة إكس إن «الطبيعة غير المقبولة لما حدث في غزة، حيث يموت العشرات من المدنيين الفلسطينيين أثناء انتظارهم للحصول على الطعام، تؤكد الحاجة الملحة لوقف إطلاق النار».
وأضاف أن «المساعدات الإنسانية يجب أن تدخل دون عوائق»، مشددا على «ضرورة احترام القانون الإنساني الدولي».
وصدرت إدانات عن دول خليجية وعربية. وتحدثت قطر عن «مجزرة شنيعة ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق مدنيين عزل»، فيما قالت تركيا إن «إسرائيل أضافت جريمة جديدة إلى جرائمها ضد الإنسانية».
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن أكثر من 110 أشخاص قتلوا في «إطلاق نار إسرائيلي» عليهم أثناء سعيهم للحصول على مساعدات، مشيرة الى إصابة 760 آخرين بجروح.
وتدفق المصابون خلال التدافع وإطلاق النار عند دوار النابلسي، الى مستشفيي الشفاء في وسط مدينة غزة وكمال عدوان في بيت لاهيا القريبة.
وقال شاب في الثامنة والعشرين كان ممددا أرضا مستشفى كمال عدوان «الناس جائعون، كانوا يريدون الحصول على مساعدات… أطلقوا عليهم النار. هناك عشرات الشهداء والمصابين».
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري أنه «لم يتم إطلاق أي رصاصة من الجيش الإسرائيلي باتجاه القافلة الإنسانية».

البنتاغون يقر: إسرائيل
قتلت 25 ألف امرأة وطفل

إلى ذلك، أقر وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، «أن إسرائيل قتلت أكثر من 25 ألف امرأة وطفل منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر في غزة».
وخلال جلسة استماع في الكونغرس، سُئل أوستن عن عدد النساء والأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل، فأجاب: «أكثر من 25 ألفا».
وأضاف «أن إسرائيل يمكنها ويجب عليها أن تفعل المزيد لحماية المدنيين».
وأكد أوستن أنه تم إرسال نحو 21 ألف ذخيرة موجهة بدقة إلى إسرائيل منذ بداية حربها على غزة.
وتواجه إدارة بايدن انتقادات واسعة؛ بسبب دعمها المطلق للعدوان على غزة.
وفي وقت سابق، قال السيناتور الديمقراطي جيف ميركلي، إن الولايات المتحدة متواطئة في المجاعة والكارثة الإنسانية في غزة.
وأضاف أنه من غير المقبول اعتماد الولايات المتحدة على نظام المساعدات الذي وضعته إسرائيل.
وأكد ميركلي أن الولايات المتحدة هي من يمتلك النفوذ لمعالجة الوضع بغزة، والعالم يتوقع منها ذلك، داعيا الإدارة الأمريكية لتجاوز «إسرائيل»، وتقديم المساعدات لغزة بشكل مباشر.
من جانبه، قال السيناتور بيرني ساندرز، «إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على من يحاول الحصول على طعام بدلا من إدخال مساعدات».
وأضاف «أن على الولايات المتحدة التدخل فورا، وتقديم المساعدات بشكل مباشر للمحتاجين في غزة».
وتابع ساندرز بأن «مئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين في غزة على حافة المجاعة»، مبينا «أنه لا يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في تمويل آلة حرب نتنياهو».
بدورها، أكدت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن، أن نتنياهو وحكومته اليمينية تسببا في كارثة في غزة.
وشددت «أن على الولايات المتحدة الضغط لوقف إطلاق النار فورا، واستعادة الأسرى، كما عليها ربط دعمها العسكري لإسرائيل بالسعي لحل الدولتين لتحقيق سلام دائم».
وفي وقت سابق، ذكرت وزارة الصحة بغزة أن الحصيلة الإجمالية وصلت إلى 29 ألفا و954 شهيدا، و70 ألفا و325 مصابا، بعد ارتكاب قوات الاحتلال ثماني مجازر، أسفرت عن 76 شهيدا و110 إصابات.
وفي سياق متصل، أفادت وزارة الصحة بخروج مستشفى كمال عدوان آخر مستشفى في شمال غزة عن الخدمة، مشددة على أن سكان شمال القطاع باتوا بلا أي خدمات صحية، نتيجة توقف مولد المستشفى.
وتابعت: «بتوقف المولد الكهربائي في مستشفى كمال عدوان، سيفقد السكان خدمات غسيل الكلى والعناية المركزة والحضانة والباطنية والقلب والجراحة العامة، ومبيت وطوارئ الأطفال».
وتتراجع الآمال في التوصل إلى هدنة قبل بداية شهر رمضان الذي يفترض أن يبدأ في 10 أو 11 مارس.
وقال بايدن إنه لن تكون هناك «على الأرجح» هدنة في غزة بحلول الاثنين، بعد أن أعرب في وقت سابق من هذا الأسبوع عن أمله في وقف إطلاق النار بحلول الرابع من مارس.
ويحاول الوسطاء، قطر والولايات المتحدة ومصر، منذ أسابيع التوصل إلى اتفاق يسمح بوقف القتال، وإطلاق سراح رهائن مقابل الإفراج عن معتقلين إسرائيليين فيي سجون إسرائيلية.

2,4 مليون فلسطيني تحت ضغط النزوح

أجبرت المعارك التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على إقدام 1,7 مليون شخص من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2,4 مليون قبل الحرب، على مغادرة منازلهم.
وتقدر الأمم المتحدة أن حوالى 1,5 مليون فلسطيني يتكدسون في مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع الحدودية مع مصر. وتوع د رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بشن هجوم على «معقل حماس الأخير» في رفح، على حد قوله. فيما يبقى معبر رفح مع مصر مغلقا.
وقال النازح يوسف كفافنة لوكالة فرانس برس في المدينة «نأمل أن يتم التوصل إلى وقف إطلاق نار حتى يتمكن الناس من العودة إلى منازلهم، حتى لو اضطروا إلى النوم وسط الأنقاض». وأضاف «كل ما نريده هو الرحيل».
فبعد خمسة أشهر على اندلاع الحرب، يشعر سكان غزة باليأس إزاء قلة المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، حيث يقول البعض إن هم يلجأون إلى أكل أوراق الشجر وعلف الماشية.
ومن أجل الإعلان عن مجاعة، تعتمد الأمم المتحدة على وكالاتها المتخص صة التي تتخذ من روما مقرا، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) اللذين تعتمدان من جانبهما على هيئة فنية ت سمى «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي « (IPC).
وتجري هذه الهيئة تحليلا لشدة انعدام الأمن الغذائي على سلم مبني على معايير دولية ويقوم بتصنيفه.
المجاعة هي حالة من الحرمان الشديد من الغذاء، تتميز بمستويات من الجوع والموت والعوز وسوء التغذية الحاد.
وتقدر الأمم المتحدة أن 2,2 مليون شخص، أي الغالبية العظمى من سكان غزة، معرضون لخطر المجاعة، خصوصا في شمال القطاع حيث بات ايصال المساعدات شبه مستحيل بسبب الدمار الهائل والمعارك والقصف وأعمال النهب.
وقال نائب المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي كارل سكاو أمام مجلس الأمن الدولي «ما لم يحدث أي تغيير، فإن شمال غزة يواجه مجاعة وشيكة».
من جهته، قال نائب المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ماوريتسيو مارتينا «في السيناريو الأكثر ترجيحا ، سوف ينهار الإنتاج الزراعي في الشمال بحلول ماي 2024».
ووفقا للجمعية الفلسطينية للتنمية الزراعية، دم رت القوات الإسرائيلية ربع المزارع في شمال قطاع غزة بشكل كامل.
وفي رسالة أرسلها منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث إلى مجلس الأمن الدولي في 22 شباط/فبراير، واطلعت عليها وكالة فرانس برس، دعا المجلس إلى «ضمان احترام القانون الإنساني، بما في ذلك خطر استخدام تجويع السك ان المدنيين كأداة للحرب».
تعد المجاعة المرحلة الأكثر خطورة في إطار مقياس انعدام الأمن الغذائي الحاد وفق «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي»، الذي يعد د خمس مراحل: المرحلة الأولى (حد أدنى)، المرحلة الثانية (إجهاد)، المرحلة الثالثة (أزمة)، المرحلة الرابعة (طوارئ)، وأخيرا المرحلة الخامسة (كارثة/مجاعة).
ويتم بلوغ المرحلة الخامسة عندما تستوفي منطقة معينة جميع المعايير التالية:
– يواجه 20 في المئة على الأقل من الأ سر نقصا حادا في الغذاء.
– يعاني 30 في المئة من الأطفال على الأقل من نقص التغذية الحاد.
– يموت كل يوم شخصان على الأقل من كل 10 آلاف شخص، أو ما لا يقل عن أربعة أطفال دون سن الخامسة من كل 10 آلاف طفل، بسبب الجوع أو بسبب التفاعل بين سوء التغذية والمرض.
وفي هذا الإطار، حذ رت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) هذا الأسبوع من أن النقص الحاد المستمر في الغذاء قد يؤدي إلى «انفجار» معدل وفيات الرضع في غزة، حيث يعاني طفل من كل ستة أطفال تحت سن الثانية من سوء التغذية الحاد.


بتاريخ : 02/03/2024