الحرب على غزة تجر إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية

متهمة بارتكاب إبادة جماعية في حق الشعب الفلسطيني

 

بدأت الخميس جلسات لمحاكمة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، بعدما اتهمت جنوب إفريقيا الدولة العبرية بارتكاب «أعمال إبادة» في قطاع غزة.
وفي شكوى تقع في 84 صفحة رفعت إلى محكمة العدل الدولية التي تتخذ من لاهاي مقرا، حضت جنوب إفريقيا القضاة على إصدار أمر عاجل لإسرائيل بـ»تعليق فوري لعملياتها العسكرية» في قطاع غزة.
بدأت الجلسة قبل ظهر الخميس. واتهمت بريتوريا إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا رونالد لامولا «لا يمكن لأي هجوم مسل ح على أراضي دولة مهما كانت خطورته (…) أن يقدم أي تبرير لانتهاكات الاتفاقية»، معتبرة أن الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر لا يمكن أن يبرر ما ترتكبه في قطاع غزة.
وقالت المحامية من وفد جنوب إفريقيا إلى المحكمة عادلة هاشم إن «الوضع بلغ حدا بات فيه خبراء يتوقعون أن يموت عدد أكبر من الناس جراء الجوع والمرض» منه جراء أفعال عسكرية مباشرة. وأضافت أن إسرائيل دفعت السكان في غزة «إلى حافة المجاعة».
وتابعت «لا يتم الإعلان مسبقا عن الإبادات، لكن أمام هذه المحكمة ميزة الأدلة التي تم جمعها خلال الأسابيع الـ13 الماضية والتي تظهر بلا شك نمطا من السلوك والنوايا التي تبرر الادعاء المعقول بارتكاب أعمال إبادة»
ورأت المحامية الجنوب إفريقية بلين ني غراليه أمام المحكمة الخميس أيضا أن القضاء الدولي على المحك أيضا في إطار هذه القضية.
وأكدت «يعتبر البعض أن سمعة القانون الدولي وقدرته وإرادته على حماية كل الشعوب بالتساوي هي على المحك أيضا»
وفي وقت سابق، قالت جنوب إفريقيا إنها «تدرك تماما حجم المسؤولية الخاص ببدء ملاحقات ضد إسرائيل لانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة».
وترى بريتوريا أن إسرائيل «أقدمت وتقدم وقد تستمر في الإقدام على أعمال إبادة بحق الشعب الفلسطيني في غزة».
وتتمنى جنوب إفريقيا أن تفرض محكمة العدل «إجراءات مؤقتة»، وهي أوامر قضائية عاجلة تطب ق فيما تنظر في جوهر القضية الأمر الذي قد يستغرق سنوات.
وشددت بريتوريا على أن «الظروف لا يمكن أن تكون أكثر إلحاحا»، معتبرة أن «إسرائيل تشن حملة عسكرية على قدر خاص من الضراوة».
وتطالب جنوب إفريقيا أيضا بتعويضات لإعادة بناء غزة وعودة النازحين الفلسطينيين.
وتملك جنوب إفريقيا حق ملاحقة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية إذ أن البلدين وقعا اتفاقية منع الإبادة.
وجنوب إفريقيا وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها العائدة للعام 1948 رد ا على مجازر الإبادة في حق اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. ويحق لكل دولة موقعة ملاحقة دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية في حال الاختلاف على «تفسير أو تطبيق أو احترام» القواعد الهادفة إلى منع وقوع أعمال إبادة جماعية.
وأحكام المحكمة مبرمة وملزمة قانونا، لكنها لا تملك سلطة لفرض تطبيقها.
ويرى المحامي في القانون الدولي يوهان صوفي، رغم ذلك، أن حكما صادرا عن المحكمة ضد إسرائيل «سيكون له تأثير ذو دلالات مهمة جدا».
ويضيف المحامي الذي عمل لحساب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) «بعد ذلك، هناك بالتأكيد مشكلة تطبيق القرارات (..) لكن في نهاية المطاف القضاء الدولي هو كل ما يتبقى لنا».
وتقول الأستاذة في القانون الدولي في جامعة ليدي في هولندا سيسيلي روز لوكالة فرانس برس إنه في هذه المرحلة «لن تحدد المحكمة ما إذا كانت هناك إبادة تجري في غزة».
وتوضح «المحكمة ستقيم فقط ما إذا كان هناك خطر حدوث ضرر لا يمكن إصلاحه للحقوق التي تكفلها اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، خصوصا حق فلسطينيي غزة في الحماية من الأعمال التي تهدد وجودهم كمجتمع».
من جهتها، اعتبرت إسرائيل الجمعة أمام محكمة العدل الدولية الاتهامات الموجهة ضدها بارتكاب «أعمال إبادة» في قطاع غزة بأنه «تشويه للحقائق» ولا تعكس واقع النزاع في قطاع غزة.
وقال كبير المحامين المدافعين عن إسرائيل في المحكمة تال بيكر إن جنوب إفريقيا «قدمت إلى المحكمة للأسف حقائق وصورة سردية وقانونية مشوهة بشكل عميق» حسب قوله.
أما الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر ، فقال «في الواقع يستمر الذين يهاجمون إسرائيل بعنف في الدعوة صراحة إلى القضاء على إسرائيل وقتل اليهود»، لكن واشنطن نأت بنفسها عن بعض الانتقادات الإسرائيلية الموجهة إلى جنوب إفريقيا.
فردا على سؤال حول اتهام إسرائيل لجنوب إفريقيا بأنها «الذراع القانونية» لحركة حماس، أكد فديانت باتيل الناطق الآخر باسم وزارة الخارجية الأميركية لصحافيين «هذه ليست عبارة استخدمها للكلام عن شركائنا الجنوب إفريقيين».

ماذا عن شكوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل؟

الشكوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية والتي تتهم فيها إسرائيل بارتكاب «أعمال إبادة» في قطاع غزة، واحدة من ثلاثة إجراءات قد تواجهها الدولة العبرية التي باتت حملتها في القطاع الفلسطيني محط اهتمام متزايد من القانون الدولي.
طلبت جنوب إفريقيا من محكمة العدل الدولية إصدار «إجراءات مؤقتة» وهي أوامر قضائية عاجلة، تطبق فيما تنظر في جوهر القضية الذي قد يستغرق سنوات.
وتوضح سيسيلي روز الأستاذة المساعدة في القانون الدولي في جامعة لايدن «في مرحلة التدابير الاحتياطية، لن تحدد المحكمة ما إذا كانت إبادة تجري في غزة».
وتضيف في تصريح لوكالة فرانس برس «ستكتفي المحكمة بتحديد ما إذا كان هناك خطر حصول ضرر لا يمكن تعويضه للحقوق الواردة في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية ولا سيما حق الفلسطينيين في غزة في الحماية من أعمال تهدد وجودهم كمجموعة».
وطلبت بريتوريا من المحكمة إصدار أوامر عدة منها أن «تعلق إسرائيل فورا» هجومها في قطاع غزة ووضع حد للتهجير والسماح بوصول المساعدات الإنسانية والمحافظة على الأدلة.
ويمكن لمحكمة العدل الدولية فرض التدابير التي تطالب بها بريتوريا أو رفضها أو إصدار أوامر أخرى مختلفة تماما. وقد تقرر أيضا أنها ليست الجهة المختصة في هذه القضية.
القرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، مبرمة ولا يمكن للدول استئنافها. لكن المحكمة لا تملك أي وسيلة لتطبيقها.
ويشدد إريك دي براباندير أستاذ القانون الدولي في جامعة لايدن على أنه «يجب القبول بمحدودية العدالة الدولية: فهي تعمل لكن فاعليتها تتطلب إرادة سياسية لا تكون متوافرة على الدوام».
فعلى سبيل المثال، أمرت محكمة العدل الدولية روسيا بوقف غزوها لأوكرانيا بعد شهر على بدء الحرب في فبراير 2022.
وبعدما تقرر المحكمة ما إذا كانت ستصدر تدابير مؤقتة عاجلة، تنظر في جوهر القضية أي اتهام جنوب إفريقيا لإسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة.
وترى سيلين بارديه، الخبيرة في القانون الدولي وجرائم الحرب، أن أي قرار سيكون له «دلالات رمزية».
وتوضح لوكالة فرانس برس أن «هذا سيذكر العالم بأن الدول مسؤولة أيضا وهذا مهم» مضيفة «قد يسمح ذلك للدول أيضا باتخاذ تدابير إثر القرار، من خلال فرض عقوبات على سبيل المثال».
لا تتسم محكمة العدل الدولية بسرعة قراراتها إلا أن طلبات «التدابير المؤقتة» لها الأولوية على كل القضايا الأخرى وقد يأتي القرار سريعا نسبيا، أي في غضون أسابيع. في المقابل قد يحتاج القرار في جوهر القضية إلى سنوات عدة.
وبات بطء المحاكم الدولية يطرح مشاكل ولم تعد «تتماشى مع عالم اليوم» بحسب بارديه.
وتنظر محكمة العدل الدولية بالنزاعات بين الدول وغالبا ما يتم الخلط بينها وبين المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في لاهاي أيضا، وهي تنظر في ملاحقات بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يرتكبها أفراد.
وباشر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان تحقيقا حول أحداث غزة وتعهد «تكثيف» الجهود.
وطلبت خمس دول من بينها جنوب إفريقيا في نوفمبر تحقيقا من المحكمة الجنائية الدولية حول النزاع في قطاع غزة. وقال خان إن فريقه جمع «كمية كبيرة» من الأدلة.
وطلبت الأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية النظر في التداعيات القانونية للعمليات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وستصدر المحكمة في هذا الإطار رأيا استشاريا لن يشمل العملية العسكرية التي تلت السابع من أكتوبر.


بتاريخ : 13/01/2024