المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية 6- يهود الصويرة في الوثائق الملكية فترة حكم المولى سليمان

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

حكم السلطان مولاي سليمان المغرب في ظروف اسثتنائية؛ فبعد مقتل أخيه اليزيد سنة 1792 المنافس الخصم، والذي لم يكن مرغوبا فيه في الأوساط المسلمة واليهودية، وجد المغاربة أنفسهم منقسمين بين مؤيدين للثائر المقتول، وآخرين موالين للمولى سليمان وهم الأغلبية؛ غير أن الوضع الدولي الجديد الذي تحكم في مساره نابوليون بونابارت -ذو النزعة التوسعية- والرامي إلى التوسع على حساب أوربا وضم مناطق إلى إمبراطورتيه؛ وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار معطى آخر لا يقل أهمية عن حملة نابوليون في حوض البحر الأبيض المتوسط، ويتعلق الأمر بالطاعون الجارف الذي أودى بحياة نصف المغاربة بمن فيهم خصوم السلطان الجديد. ومع توالي سنوات الجفاف وما رافقها من اضطرابات داخلية، فإن السلطان وجد نفسه أمام خيار وحيد هو نهج سياسة خارجية مخالفة لسياسة أبيه، ويتعلق الأمر بسياسة الاحتراز من أوربا ونهج مبدأ الباب المغلق والتضييق على الزوايا وكل الطقوس المرتبطة بها. ولعل بداية التنافس الامبريالي ونهج أوربا لسياسة توسعية في محاولتها تقسيم، ما بات يسمى بالمستعمرات لاحقا، اضطر السلطان معززا بفتاوى الفقهاء بضرورة إلى تقليص المبادلات التجارية مع الدول الأوربية تلك التي جمعتها مع أبيه معاهدات صداقة وحسن الجوار والتعاون.
الحملة النابوليونية ونبوغ المولى سليمان إلى إغلاق المغرب على الخارج
كان لحملة نابليون على مصر سنة 1798م وقعا كبيرا على المغرب سلطانا ورعية؛ فلأول مرة سيشهد المسلمون خضوع دار الإسلام (مصر) «لدار الكفر» (فرنسا) مما اضطر المولى سليمان إلى توخي الحيطة والحذر من محاولة التوسع الفرنسي في المغرب وبقية المغارب، وبانخراط أوربا ضد الحروب النابوليونية، أصبح وبحكم الموقع الاستراتيجي للمغرب، هذا الصقع موضوع منافسة بين انجلترا وفرنسا لم تنتهي إلا بالاتفاق الودي سنة 1904. كما زاد احتلال نابليون للإبيريتين من حذر المخزن المغربي، فكان المولى سليمان يتخوف من نزول قوات عسكرية فرنسية بمدينة سبتة. ومع نهاية الحروب النابوليونية وبداية رسم الخريطة السياسية لأوربا بعد الانتهاء من أشغال مؤتمر فيينا الذي تزعم أشغاله المستشار النمساوي ميترنيخ ما بين 1815/1816، ظلت القوى الأوربية تنتظر الفرصة لتطويق الشمال الإفريقي بذريعة وضع حد للجهاد البحري أو ما تسميه بالقرصنة البحرية». فأرسلت اسبانيا بعثة استكشافية للمغرب بقيادة دومينيكو باديا، المدعى «علي باي العباسي»؛ وذلك سنة 1803م، وحدت فرنسا حدو اسبانيا حيث أوفدت إلى المغرب بعثة بقيادة «بوريل» سنة 1808م. وقدمت البعثتان تقارير سرية حول حالة المغرب وقتئذ.كما ساهم وجود الأسطول الإنجليزي، في مضيق جبل طارق، في القطيعة التجارية بين المغرب من جه ة وفرنسا وهولندا من جهة أخرى.
مظاهر تطبيق سياسة الاحتراز:
لم يكن المغاربة بكل فئاتهم راضين على سياسة الباب المفتوح التي نهجه سيدي محمد بن عبد الله سيما وأنها كانت تمس في العمق مصالحهم الاقتصادية؛ ذلك أن ارتفاع الطلب الخارجي على البضائع المغربية الاستراتيجية ( الحبوب، الزيت، القطن، الجلود…) سبب في ارتفاع الأسعار، أضف إلى ذلك أن علماء المغرب ظلوا يحرمون التعامل مع الأجنبي « الكافر» فقد أصدروا فتاوى تنبه السلطان من مساوئ الاتجار مع الأوربيين لما فيه من فساد للبلاد والعباد والجدير بالذكر أن الدولة المغربية ظلت متشبتة بالحذر تجاه الدول الأوربية فيما يتعلق بالتعاملات التجارية إلى ان أقنع القنصل البريطاني جون دريمند هاي سلطان المغرب عبد الرحمان بن هشام بفحوى معاهدة 1856 وهي الاطار المرجعي لكل المعاهدات التجارية التي استفحلت الحماية القنصلية وجعلت المغرب يستطيل به النصارى بشكل لم يعهد له من قبل على حد تعبير الناصري.

 


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 29/03/2023