المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر – 68 –

الهجرة الفاسية ساهمت في إعمار العديد من المناطق المصرية 

 

“المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر» ،كتاب يتناول دراسة العائلات المغربية في مصر خلال هذه الفترة، وذلك من خلال إبراز دراسة هذه العائلات كخلية اجتماعية اقتصادية متحركة.
هذه الدراسة  سلطت الضوء على عائلات النخبة التجارية المغربية ودورها في الاقتصاد المصري إبان تلك الفترة التاريخية، و كذلك تطرقت إلى المدى الجغرافي الذي اتخذته معاملاتهم بمختلف أنواعها، والرخاء الاقتصادي الذي تمتعوا به.
 الكتاب أصدرته مكتبة الإسكندرية سنة 2015، وهو كما يقول مديرها الدكتور إسماعيل سراج الدين،  ترجمة للعلاقات بين مصر والمغرب العربي، التي هي من الصفحات المشرقة في تاريح الأمم، وأوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين ، أن هذا التاريخ الممتد من العلاقات إلى العصور القديمة،  كان من نتيجتها ،العديد من الأسفار والرحلات من بلاد المغرب إلى مصر ومن مصر إلى المغرب، بل يكشف مدير مكتبة الإسكندرية، أن الروح المغربية موجودة في مدينة الإسكندرية في أوليائها الصالحين وأسماء أحيائها وشوارعها، بل امتد الوجود المغربي إلى مدن أخرى، وفي القاهرة عد ابن طولون مركزا للمغاربة، وما زلنا إلى اليوم نرى في هذا الحي أثرا في بقايا العائلات المغربية القاطنة.
كتاب «المغاربة في مصر خلال القرن الثامن عشر، هو دراسة للمؤرخ الدكتور حسام محمد  عبدالمعطي، أنجزها بمناسبة اختيار المملكة المغربية ضيف شرف معرض مكتب الإسكندرية  الدولي للكتاب سنة 2012. ولأهمية هذه الكتاب/الدراسة، نسلط الضوء على ما جاءت به هذه الدراسة من معطيات التي استندت في إنجازها إلى  العديد من الوثائق التي تبرز حياة ودور المغاربة في مصر،  في العديد من المجالات خلال القرن الثامن عشر .

 

عندما قامت أسرة الشرايبي ببناء بيتهم الكبير على ضفاف الأزبكية ثم قيام قاسم الشرايبي  ببناء مسجده في نفس المنطقة؛ كان ذلك يقول الكتاب،  بداية الانطلاق لتعمير الأزبكية بصورة جديدة؛ حيث أنشأ السادة البكرية منازلهم  إلى جانب منازل آل الشرايي. وقد كانت الطبقة البرجوازية والأرستقراطية قبل القرن الثامن عشر تركز إقامتها في الأحياء الواقعة جنوب القاهرة الفاطمية؛ ولكن استقرار آل الشرابي والبكرية بهذه المنطقة؛ جعل هذه المنطقة محل جذب للعائلات الأرستقراطية،
وقد جذبت الأزبكية الصفوة التجارية المغربية خلال القرن الثامن عشر فكانت تسكن بها عائلات البناني وجسوس والقباج وغراب وغيرها،ومن أجل السكن في الأزبكية يقول المؤلف ،باع  الخواجا أحمد بن عبد السلام مشيش الربع الكبير الذي كان لتوه قد انتهى من بنائه بخط المشهد الحسيني  ليقوم بشراء منزل كبير بخط الأزبكية، ورغم أن الربع في الواقع كان أكثر إدرارا للربح ، فإن الوجاهة الاجتماعية والسكنى إلى جوار الأرستقراطية السياسية الحاكمة والبرجوازية التجارية الكبرى كان هدفا يسعى إليه التجارا، وتتجلى  هنا ظاهرة معروفة  يقول الدكتور حسام محمد عبد المعطي، وهي لجوء الناس بسرعة إلى تغيير محل إقامتهم عندما تزداد ثرواتهم نظرا لأن المسكن يعكس إلى حد ما المركز الاجتماعي والاقتصادي لساكنيه.
ويرى المؤلف  أن الهجرة الفاسية إلى مصر خلال القرن الثامن عشر أسهمت  في إحلال وإعمار منطقة الجودرية ومناطق أخرى  والأزهر حيث تميز التجار الفاسيون منذ هجرتهم إلى مصر بامتلاكهم لرؤوس أموال كبيرة سمحت لهم بشراء منازل وعقارات في قلب القاهرة الفاطمية،فالخواجا محمد أبو النصر بن أحمد الحلو الفاسي يقول الكتاب،  قام بشراء ثلاثة منازل متلاصقة بخط الأزهر تجاه مقام الشيخ محمد الدويداري وقام بإزالتها وأنشا قصرا كبيرا يشتمل على حوش به حديقة وحمام وقاعات لاستقبال الضيوف، وهو نفس ما فعلته عائلات يارو والقباج،ولكن عائلة التاودي آثرت أن تبني قصرها في منطقة السبع قاعات،ورغم ذلك فقد ظلت الجودرية أهم مناطق تركز الفاسيين؛ حيث أعاد كبار التجار الفاسيين هيكلة وإعمار هذه المنطقة بالكامل من جديد، وبنت عائلات ذكري وزاكور وبرادة وغيرهم منازهم في هذه المنطقة.
لقد شارك التجار الفاسيون  مشاركة فعالة في الأحداث والتطورات التي مرت على مصر،وكان لهم نصيب وافر في النشاط الاجتماعي والعمراني والحضري باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الكل المصري، ويخضعون لنفس الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي خضع لها المجتمع المصري كله؛ وعلى الرغم من أن تأثير الفاسيين كان واضحا في الكثير من القيم والعادات التي أفرزوها داخل بنيان المجتمع المصري، فإنهم مارسوا حياتهم اليومية في شتى جوانبها داخل إطار الحياة العامة للمجتمع المصري كله. واستطاع المجتمع المصري صهرهم وإذابتهم داخل بوتقته في النهاية؛ ولم يشذوا يوما عن البناء الاجتماعي العام منذ هجرتهم؛ حيث ساعدت وحدة اللغة والدين والثقافة على سهولة امتصاصهم داخل بنيان المجتمع، وإن ظلت لهم شخصيتهم المميزة وحضورهم المادي الملموس لفترات طويلة.


الكاتب : إعداد:  جلال كندالي

  

بتاريخ : 19/07/2021