المنتدى الدولي الأول للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين يواصل أشغاله بمناقشة تحديات السلم والأمن والفوارق والتنمية والطاقة الرهان البيئي والتنموي يستدعي بناء تحالفات قوية وواسعة

تواصلت بمراكش أشغال المنتدى الدولي الأول للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين الذي ينظمه الفريق الاشتراكي ـ المعارضة الاتحادية بشراكة مع الشبيبة الاتحادية وشبكة مينا لاتينا بحضور ممثلين عن 36 دولة. وشكلت الجلسات التي نظمت في إطار أشغاله فضاء غنيا لمناقشة القضايا الملحة التي تؤرق ساكنة العالم، والتي تمثل تحديات كبيرة تستدعي تكثيف الجهود وتوحيد الرؤى من أجل التصدي لها لكونها إشكاليات عابرة للحدود يصعب تدبيرها بالاكتفاء بالمعالجة القطرية والإقليمية.
وبعد الجلسة الافتتاحية للمنتدى التي سيرتها خولة لشكر، نائبة رئيس الأممية الاشتراكية، والتي تميزت بالكلمة الهامة التي ألقاها الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، والتي أكد فيها أن العالم اليوم مطالب بالإجابة عن أسئلة وإكراهات تتجاوز قدرات وإمكانيات البلد الواحد ولو كان قوة عظمى، تفرغ المشاركون لمناقشة المحاور المقترحة في إطار برنامج المنتدى، وفي مقدمتها السلم والأمن في العالم: التحديات الجيوسياسية الجديدة والفوارق والفقر وتدبير الموارد: نحو حماية اجتماعية أكثر إنصافا، والتقدم والاستدامة، وكيف يمكن التوفيق بين الاثنين؟ والهجرة العالمية ورهانات الشمال والجنوب…
وأكد المشاركون في الجلسة الأولى المخصصة للسلم والأمن العالمي، أن الصراع الأوكراني الروسي زعزع المسلمة التي تقول إن الاعتماد المتبادل الذي وصلت إليه المجتمعات من بوابة الاقتصاد، يشكل ضمانة كبرى للسلم. مشيرين في هذا الصد إلى أن القوة العسكرية أصبحت تفرض نفسها على صانع القرار السياسي، فاتحة الباب أمام عودة مفاهيم الواقعية لتفرض نفسها على العلاقات الدولية.
ونبه المشاركون في نفس السياق إلى أن منظمة الأمم المتحدة لم تستطع أن تؤسس لسلام مستدام، حيث انتشرت الحروب سواء الصغيرة بين الدول أو بين جماعات غير دولتية في ما يشبه خوصصة للحرب، التي انتعشت معها المقاولات العنفية، إضافة إلى الأزمات التي تطفو على السطح عابرة للحدود مستعصية على القدرات المنفردة للدولة الواحدة مهما وصلت من قوة، مثل أزمات الطاقة وأزمات الغذاء وأزمة المناخ، التي تنبئ بمستقبل عصيب.


وفي الجلسة الثانية المخصصة للفوارق والفقر وتدبير الموارد، نحو حماية اجتماعية أكثر إنصافا، أكد المشاركون أن هناك خيطا ناظما بين الحماية الاجتماعية ومحاربة الفقر والحد من الفوارق والمساواة والعدالة وحسن تدبير الموارد. وفي هذا الصدد أبرز النائب البرلماني البرتغالي نيلسون بروتون، أوجه الاشتباك بين واجهات هذا الإشكال، مبينا أنه إذا كانت هناك إرادة للتعامل مع مشكل الفقر في العالم، فينبغي العمل على إيجاد التوازن اللازم بين المدن والقرى، والتصدي للتفاوتات الموجودة على المستوى القاري.
وبعد تأكيده على أولوية التشخيص الدقيق لمشكل الفقر في العالم، نبه إلى أن هيئة الأمم المتحدة لم تقم بما يجب في ما يخص هذا التحدي، مشددا على أن أي خطوة تتخذ في هذا الإطار ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار مطلب التنفيذ الفعال.
ودعا المتحدث الشباب إلى تحمل مسؤوليته بالمساهمة الجادة في تفعيل الممارسات الفضلى من أجل عالم خال من الفقر والفوارق، مؤكدا على ضرورة التعامل مع المشكل البيئي الذي يعد أحد الأسباب في تعميق الفقر والفوارق، ليس فقط كمشكلة، وإنما أيضا كفرصة للتقدم إلى الأمام.
وأبرز نيلسون بروتون في مداخلته أولوية الرهان على رفع الدخل الفردي، عبر خلق كل المنافذ التي تسمح بتوزيع أكثر عدلا لفرص الاستفادة من التنمية، ومن فوائد النمو بشكل يسمح وصوله إلى كل الفئات.
وفي نفس السياق أكد أولها اجي مبوو، وهو نائب برلماني من غامبيا
وعضو البرلمان الإفريقي، أن التحديات التي يواجهها العالم في تزايد، إذ هناك تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والحرب في السودان، والأزمة الصحية، وأزمات الغذاء والماء والطاقة، والأزمات المرتبطة بالمشكل المناخي، وهو ما يعزز التفاوتات وغياب العدالة.
واستفاض البرلماني الغامبي في الحديث عن السوق الإفريقية المشتركة، التي يعول على أن تشكل إمكانية لانتزاع 40 مليون نسمة من الفقر من سكان القارة السمراء. واستعرض في هذا الإطار المشاكل التي تعترض هذا المشروع، وفي مقدمتها مشكل غياب عملة موحدة. مشيرا إلى مزايا نظام الدفع الكلي الذي تم تجريبه، والذي لا يستدعي تحويل العملة المحلية إلى الأورو أو الدولار، مؤكدا أنه نظام سيسمح بتسهيل المبادلات بين بلدان القارة وتوضيحها.
وتوقف المتحدث عند المشكل المناخي، الذي أكد أنه يحتاج إلى عمل مشترك جدي، مبرزا ما تحتاجه القارة الإفريقية من موارد للتعامل مع نتائجه، ومشددا على ضرورة تحمل الدول المتقدمة لمسؤوليتها في هذا الإطار.
ومن جهتها استعرضت كوريا سبويا، وهي منتخبة محلية بالبرازيل وقيادية في الحزب العمالي البرازيلي، تجربة بلادها في مجال محاربة التفاوتات والفوارق، مؤكدة أن البرازيل هو بلد المفارقات، التي غذتها السياسات اليمينية التي أدت إلى نتائج كارثية. وذكرت بما تعانيه البرازيل من مشاكل، كالعنف وعدم تخلصه من تبعات الاستعمار والعبودية والسياسات التي جعلته في مواجهة أزمات حادة.
واعتبرت كوريا سبويا أن المعركة الدائرة ببلدها هي معركة 99 بالمائة من السكان ضد 1 في المائة تحتكر كل الثروات، مؤكدة أن أي حل لمشكل الفقر والتفاوتات الاجتماعية يمر بالضرورة عبر تحقيق توزيع عادل للثروة ووضع حد لاحتكارها، وهو ما يحتاج عملا جديا، لأنها تحديات هائلة تحتاج مواجهتها إلى تكثيف الجهود مع الشعوب.


وفي الجلسة الثالثة المخصصة للتقدم والاستدامة وسبل التوفيق بينهما، والتي سيرها المهدي المزواري، عضو مجلس الهيئة الوطنية لتقنين الكهرباء، أكد المتدخلون على ضرورة التزام الحكومات بتنفيذ وعودها في تحقيق تنمية مستدامة واعتماد نمط بديل للإنتاج والاستهلاك يحافظ على الموارد ويحمي حق الأجيال المقبلة في بيئة سليمة وفي الموارد الطبيعية. وفي هذا السياق أبرز النائب البرلماني البرازيلي ويسلي ديوجينيس، الطابع المركب الذي يسم إشكالية الطاقة والتنمية المستدامة ورهانات النمو الاقتصادي، مؤكدا أن النظام الرأسمالي وطرق الاستغلال التي صاحبته وضعت المجتمعات أمام تحديات صعبة التدبير وتعصف بالرهانات المستدامة للتنمية وتشكك في المستقبل، وهو ما يدعو إلى التفكير في البدائل الممكنة التي تحمي هذا الملك المشترك للإنسانية، وهو البيئة المتوازنة.
وفي نفس السياق دعت البرلمانية المكسيكية كارلا إيالا إلى اعتماد منظور شامل للتنمية يخدم جودة الحياة للمواطنين بشكل عادل، مشددة في هذا الصدد على إعادة التفكير في أدوار مختلف المتدخلين وبالدرجة الأولى الشركات الخاصة التي لا ينبغي النظر إليها كخصم، وإنما كحليف، لأن الرهان البيئي والتنموي يستدعي بناء تحالفات قوية وواسعة.
وطالبت النائبة المكسيكية بالكف عن التعامل مع البرامج الاجتماعية كدعاية انتخابية، وعدم اقتصارها على فكرة الدعم، وتعزيزها بالفرص الحقيقية المفتوحة أمام السكان للاستفادة من التنمية وتحقيق دخل يكفي لحياة كريمة، واعتبرت أن مشكل الموارد المائية يوجه الانتباه إلى خطورة الاستمرار في نمط الاستهلاك المستهتر المبني على التبذير، موضحة أن ثقافة بكاملها ينبغي العمل على تغييرها.
وتحدث البرلماني المغربي عبد القادر الطاهر في مداخلته عن الإشكال الطاقي وأهمية الاستثمار في الطاقات النظيفة، مبرزا مجهودات المملكة على هذا المستوى والمشاريع الاستراتيجية المنجزة. وأكد على أهمية تعميق البحث في الإمكانيات التي تتيحها التكنولوجيات الجديدة لحل المعضلات المرتبطة بالمشكل الطاقي والبيئي.
وتعمقت أشغال هذه الجلسة حول مجموعة من الأسئلة من مثل: ما مدى مساهمة الاقتصاد الأخضر في خلق فرص الشغل والحد من الفقر؟ وهل يتم استحضار عامل البيئة في الصناعات الجديدة التي تعتمد على معادن جديدة؟ وما مدى التزام الدول الكبرى بتعويض دول الجنوب عن الأضرار التي لحقت بها جراء تغير المناخ؟
ويهـدف المنتـدى الدولي الأول للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين إلـى تمكيـن البرلمانييـن الشـباب، الذيـن هـم فـي فتـرة ولايتهـم البرلمانيـة الأولى، مـن الانفتاح علـى مختلـف المقاربـات الدوليـة، واسـتلهام الأفكار وإلهـام نظرائهـم مـن جميـع مناطـق العالـم. كمـا يوفـر فرصـة للتواصـل والتعـاون فـي مختلـف القضايـا والمواضيـع التـي تهـم الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطييـن فـي جميـع أنحـاء العالـم.


الكاتب : مراكش: عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 31/05/2023