بعيوي.. رجل متعدد الوجوه والأسماء

من مسالك الصحراء نحو ليبيا إلى مقايضة «الحشيش» بالكوكايين

 

أشرف الحاج أحمد بن إبراهيم على سير العملية الثالثة رغم أنه كان رهن الاعتقال بموريتانيا، وكانت تضم 40 طنا من الشيرا تم الكشف عنها بمدينة الجديدة، حيث كانت كمية 15 طنا ستنقل عبر الساحل إلى موريتانيا، ويتم تسليمها إلى التاجر الليبي، فيما 25 طنا ستنقل إلى عمق المياه الدولية ومنها تسلم إلى بواخر أمريكولاتينية قادمة من ميناء سانطوس البرازيلي حيث ستتم عملية مقايضة 25 طنا من الشيرا بـ5 أطنان من الكوكايين

 

تشير التحقيقات إلى أن بعيوي لم يترك أي حظ للتباهي لمن سبقوه في مجال الاتجار في المخدرات التقليديين، فقد استطاع بعلاقاته الدولية أن يطور، حسب مصادر قريبة من التحقيق، عمليات تصدير المخدرات التي كان يقوم بها، كما استطاع أن يبني إمبراطوريته الخاصة قي هذا المجال بدءا بالعمال الزراعيين، ووصولا إلى الموزعين الدوليين. فكيف تمكن هذا العامل البسيط في مجال البناء في فرنسا من أن يصل إلى القمة، قبل السقوط في الهاوية.
كما تطرقنا سابقا، لم يكن عبد النبي بعيوي سوى ذال العامل البسيط في مجال البناء، والذي لم يستكمل تعليمه بالمغرب، قبل أن يغادر إلى فرنسا بطريقة مازالت مجهولة إلى اليوم، كما أن هناك إجماعا على جهل تاريخ عودته إلى المغرب بشكل نهائي، وتأسيسه لمقاولة بسيطة في البناء، قبل أن تتحول إلى إمبراطورية عابرة للقارات خاصة إفريقيا، ليجرب حظه مع أسماك القرش في مجال السياسة، حيث حاز على مقعد برلماني ومنصب عمودية الشرق لفترتين والعديد من المهام الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية السياسية الكبرى، ومن بينها عضو المكتب السياسي للبام والأمين العام الجهوي للشرق للحزب نفسه.
فكيف تحول هذا الكائن «السياسي» إلى رجل يشير نص الاتهام إلى أنه أحد أكبر الإمبراطورات في مجال المخدرات؟ وماهي أهم العمليات التي قام بها؟
حسب مصادر مقربة من التحقيق، تمكن بعيوي الملقب في أوساط تجار المخدرات بـ»المالطي» و»الوجدي» من تكوين شبكة متعددة الرؤوس تضم أشخاصا متعددي المهام المحددة سلفا، وقبل أن يلتقي الحاج أحمد بن إبراهيم شخصيا، كان قد اشتغل برفقته عن طريق المهرب النيجيري المسمى «أمومن» الذي كان يقوم بتهريب المخدرات عبر الطرق الصحراوية الوعرة في اتجاه الجزائر وليبيا والنيجر ومصر لفائدة عبد النبي بعيوي، وذلك منذ سنة 2003، دون التقاء سوى عبر الهاتف أو وسائل الاتصال المتقدمة.
وكانت وجدة أول محطة نزل فيها المالي سنة 2013، حيث التقى شخصيا بالزعيم المغربي الملقب بـ»الوجدي» و»المالطي» بغاية الاستقرار في المغرب، وتحويله إلى نقطة لتصدير الشيرا وعبور المخدرات القوية نحو أفريقيا وأوروبا.

اللقاء بين بيوي والحاج مرسول امنون وانطلاق العمليات

قام الحاج بن إبراهيم بعدة عمليات لفائدة بعيوي وشبكته، ويتعلق الأمر بالمرحلة الأولى التي أفاد التحقيق بشأنها أنها كانت قبل بناء الخندق الأمني بين الجزائر والمغرب، وبلغت في مجموعها أكثر من 200 طن من الشيرا، كانت شبكة بعيوي، التي يوجد جزء منها رهن الاعتقال، توصلها عبر سيارات دفع رباعية إلى عدة مناطق مغربية قبل أن تسلمها شبكة بن إبراهيم في تمنراست الجزائرية ومنها إلى النيجر وليبيا ومصر، وكانت العملية تتم لفائدة بعيوي وشبكته مقابل 120 إلى 160 ألف أورو لكل طن، وذلك حسب المسافة والطرق الوعرة.
أما العملية الثانية، فما بعد بناء الخندق الأمني حيث أصبحت العملية صعبة، وحسب مصادر التحقيق، تتطلب الكثير من الجهد، حيث يتم نقل المخدرات داخل المغرب إلى حدود منطقة لخنيك الصحراوية، ومنها إلى تمنراست تم النيجر فليبيا.
وقد تمكنت شبكة بعيوي من تنفيذ العملية الأولى، والتي ضمت 15 طن من مخدر الشيرا، والتي قام بها، حسب التحقيق دائما، كل من سعيد الناصيري والشقيقان الغزاوي، مقابل 11 مليون أورو سلمها لهم المالي. وقد تمت العملية بنجاح حيث تم إخراج المخدرات عبر السواحل المغربية ومنها إلى السواحل الليبية لتتم عملية التسليم للليبي صاحب الصفقة، والذي سلمه بدوره لأحد المصريين بالساحل المصري.
أما العملية الثانية، حسب نفس مصادر التحقيق التي بلغت حمولتها عشرة أطنان، فقد تم اجهاضها من طرف الحرس المدني الإسباني في عرض البحر بعد أن تمت مناقشة جزئياتها عن طريق كل من بعيوي وأقاربه بمقلع للأحجار قرب السعيدية والذي حضر أطوارها شقيقه وصهره وسعيد الناصيري، وبعد تضييق الخناق علي تجار المخدرات عبر مسالك الصحراء، تم اختيار سواحل الناظور والسعيدية من أجل البحث عن مسالك جديدة.
العملية الثالثة، والتي تمت أيضا لفائدة عبد النبي بعيوي، أشرف على سيرها الحاج أحمد بن إبراهيم رغم أنه كان رهن الاعتقال بموريطانيا، وكانت تضم 40 طنا من الشيرا تم الكشف عنها بمدينة الجديدة، حيث كانت كمية 15 طنا ستنقل عبر الساحل إلى موريتانيا، ويتم تسليمها إلى التاجر الليبي، فيما 25 طنا ستنقل إلى عمق المياه الدولية ومنها تسلم إلى بواخر أمريكولاتينية قادمة من ميناء سانطوس البرازيلي حيث ستتم عملية مقايضة 25 طنا من الشيرا بخمسة أطنان من الكوكاكيين، إلا أن فشل العملية بالجديدة قاد إلى إخبار الحاج بن إبراهيم بسجن في موريتانيا من طرف الثلاثي الناصيري بعيوي وبلقاسم ، حيث أخبر المالي بدوره أحد المكلفين باللوجستيك الذي أخبر التركي يلمز من اجل مغادرة التراب المغربي
تهريب مداخيل المخدرات عبر جزائريون ومحاربة
وقد كان بعيوي يهرب مداخيل المخدرات إلى فرنسا عن اعوان أحد البرلمانيين الجزائريين أو عن طريق صيارفة مغاربة يهربونها إلى فرنسا أو هولندا
فيما أفاد التحقيق إلى أن سعيد الناصيري كان يعتبر المسؤول الأول عن اللوجستيك بحكم ان يعرف العديد من أفراد القوات العمومية كما كان يرسم مسالك مرور الشحنات
وقد ظلت شبكة بعيوي والناصيري وبلقاسم مير في تنسيق مع المالي خلال فترة اعتقاله بموريطانيا لمدة أربع سنوات أو بعد خروجه من السجن وسفره إلى السنغال حيث ظلت شبكة بعيوي في تنسيق تام وظل الناصري بحكم هو المسؤول عن الدعم والعلاقات العامة يوفر السيولة المالية للمالي خلال فترة اعتقاله كما أنه هو من أخبره بأن لا مشاكل له مع القضاء المغربي، ويمكنه ولوح ترابه وقت ما شاء. وبعد أن اطمأن المالي أرسل عبر أحد الصيارفة الليبيين بالمغرب 8 ملايين درهم إلى الناصيري من أجل القيام ببعض الإصلاحات بفيلا شارع مكة، والاحتفاظ بالباقي إلى حين عودته، إلا أنه بمجرد هبوط طائرته بالمغرب، تم اعتقاله من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية من أجل مسؤوليته على شحنة 40 طنا من مخدر الشيرا التي تم ضبطها في المغرب، وحكم بعشر سنوات سجنا نافذا من طرف ابتدائية الجديدة سنة 2019 حيث قضى منها ثلاث سنوات، متنقلا بين سجن الجديدة 1 والسجن المحلي 2. وبعد أن يأس من الوعود الكاذبة التي ظل كل من بعيوي والناصيري يمطرانه بها نظير نقله إلى مالي لاستكمال العقوبة السجنية بحكم علاقتهما المتوطدة مع أحد المسؤولين الحكوميين، حسب مصدر التحقيق، فقد قرر سنة 2022 تقديم سبع شكايات عبر مكتب الضبط القضائي في مواجهة بعيوي وصهره بلمير وآخرين، إلا انها ظلت حبيسة مكاتب الدوائر القضائية بوجدة إلى أن وقع الفأس في الرأس.
من، جهته، أكد بعيوي أثناء التحقيق أنه تعرف على المالي بمدينة وجدة سنة 2014 عندما كان يريد اقتناء سيارة في ملكيته ليطلب منه بعد ذلك بيعه شقة، وهو ما تم عبر المديرة التجارية لأحد مشاريعه السكنية، وعند انتقاله إلى مدينة البيضاء طلب منه استغلال شقته المتواجده بحي المعاريف، وهو ما تم فعلا ، إلا أنه أمام عربدته المستمرة طلب منه مغادرة الشقة وهو ما تم فعلا، كما أفاد المحققون أنه لم يكن على علم باستيطانه فيلا كاليفورنيا التي كان قد اشتراها لفائدة زوجته السابقة، وبعد أن علم باعتقاله في موريتانيا انقطعت الاتصالات بينهما بشكل نهائي، وأفاد أيضا أنه لم يسبق له أن اقتنى أية شاحنات من المالي سواء بوجدة أو بالرباط .

الشاحنات التي أسقطت أوراق التوت

الشاحنات الخمسة التي نفى بعيوي علمه بها أفاد عدد من المستمع إليهم أن سواق شركة بعيوي ومسؤوليها هم من قاموا بقيادتها من الرباط إلى وجدة، وأن بعيوي هو من استقبلها في مستودع شركته وأشرف على تشغيلها، علما أن سجل الشركة لا يتضمن معطيات حولها. وقد عمد عبد الرحيم بعيوي شقيق عبد النبي إلى محاولة طمس هوية الشاحنات الخمس حيث تمت معاينة هذه العملية من طرف المحققين، وتبين أن الشاحنات التي تم حجز 40 طنا من المخدرات فيها هي نفسها التي توجد بمستودع شركة بعيوي.
عبد النبي بعيوي، ورغم اعترافه بمحدودية علاقته بالمالي، فقد كذبته اتصالاته المتكررة به، والتي فاقت الألف بينهما إذ انطلقت منذ سنة 2013. وقد تداخل في هده العلاقة الاقتصادي بالاجتماعي، ذلك أنها ضمت اقتناء شقق وفلل بكل من البيضاء والسعيدية والرباط، حيث اقتنى الليبي العشرات من الشقق التي توجد في ملكية بعيوي، وكان الأداء كله نقدا، مما يفيد بأن الأمر لا يعدو أن يكون مخالصة بين الاثنين في مجال الاتجار في المخدرات.
إما العمليات البنكية التي تمت خلال نفس الفترة، والتي عرفها حسابا البعيوي، فقد فاقت العشر مليارات سنتيم تمت جميعا نقدا، مما يفيد حسب التحقيقات الأمنية دائما أن الامر يتعلق بعمليات مشبوهة.

11 شقة تتبخر واعتقال الموثقة

وبحكم أن الأداء نقدا صعب جدا بين الشبكات الإجرامية، فقد أمر المهرب النيجيري «أمنون» بعيوي بكتابة 11 شقة في السعيدية في اسم المالي الحاج أحمد بن إبراهيم، حيث انتقلت الموثقة سليمة بلهاشمي المعتقلة هي الأخرى على ذمة القضية إلى فندق شيراتون بالبيضاء حيث التقت المالي وبعيوي الذي أمرها بتوثيق 11 شقة من مشروع بيجو إموبيليي في اسم المالي، وهو ماتم تحت إشارة أن عملية المخالصة تمت خارج مكتب الموثق، إلا أن المالي اكتشف بعد ذلك أن الشقق الاحدى عشر المفوتة إليه تبخرت ولم يتبق منها سوى خمسة، حيث تم تحويل ملكية اثنتين إلى اسم سعيد الناصيري، وتفويض اثنتين إلى عمال بالمهجر، وأخرى إلى امرأة، إلا أن الخطير في أمر هذا التفويت أنه تم بنفس التاريخ في البيضاء ووجدة لشخص واحد، ولأشخاص مختلفين.

غدا بعيوي يختلق القضايا للاستيلاء على أملاك الغير


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 19/01/2024